بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
لا ينكر منصف أن ثورة 21 سبتمبر ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهي من الناحية اللغوية ثورة بدون أي خلاف، وهي أيضا كذلك ثورة بالمصطلح السياسي، لأنها تحرك جماهيري ثائر له قيادة وأهداف وغايات، وأحدثت تغييراً فكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً تلاقت على إرادته مختلف مكونات الشعب وفئاته، وهذا لا يعني أنها حظيت بإجماع الشعب اليمني بنسبة 100%، بل لم ننتظر ذلك؛ لأننا نعلم أن ذلك لم يتحقق في أي ثورة من ثورات الدنيا، لكن ليس هناك منصف ينكر أنها تحركت بجماهير الشعب على مختلف مكوناته، وأنها ممثلة من جميع فئات الشعب؛ والدليل على ذلك أن الواقفين في صف العدوان يقاتلون لإطفاء نور هذه الثورة هم من المؤدلجين، وهم عادة يتحركون بثقافة القطيع، أو من صف المخدوعين والمضلَّلين، وجميعهم دخل بإرادة نفسه في العدوان القائم على بلدنا تحت دائرة باعة الأوطان بكل الاعتبارات القائمة، وهذا ينفي الاعتداد بهم في هذه المعادلة الوطنية الثورية البحتة.
ورقة العمل هذه تحاول الإجابة عن بعض المشكلات المتعلقة بأهداف ثورة 21 سبتمبر، ومنها: ما أهداف ثورة 21 سبتمبر؟ وأين نجدها؟ وهل كانت القيادة على وعي بهذه الأهداف وبلحظتها التاريخية؟ وهل كان الشعب على وعي بهذه الأهداف أيضا؟ وما علاقة أهدافها بأهداف حركة المسيرة القرآنية، وثورة الشهيد القائد؟ ومتى تلاقت إرادة الحركة الثورية الجهادية بإرادة جماهير ثورة 21 سبتمبر؟ وهل هي مجرد تلك الأهداف الثلاثة المعلنة أثناء الثورة؟ أم هناك أهداف أخرى غيرها؟ وما مميزات هذه الثورة وبالتالي مميزات أهدافها؟ وما الذي تحقق وأُنْجِز من أهدافها؟ وما الذي لم يتحقق؟ وهل الثورة لا زالت مستمرة؟ أم انتهت؟ وما الضمانات التي تضمن تحقق بقية الأهداف؟ وتحفظ الإنجازات والمكتسبات وتحافظ عليها؟ هذه هي الأسئلة التي تحاول هذه الورقة الإجابة عنها.
استخدم الكاتب في هذه الورقة المنهج الوصفي التحليلي في توصيف الحالة الثورية وأهداف الثورة والثوار والوضعيات السابقة والمصاحبة واللاحقة، واستخدم المنهج التاريخي في رصد التطورات التاريخية لهذه الثورة وتفاعلاتها.
تمهيد عن أوضاع اليمن ما قبل ثورة 21 سبتمبر
يرتبط الحديث عن ثورة 21 سبتمبر ارتباطاً قوياً بالأحداث والظروف والوضعيات التي كانت اليمن عليها قبل اندلاع النشاطات الثورية..
من المعروف تاريخياً أن اليمن منذ توقيع المصالحة الملكية الجمهورية رهن الوصاية السعودية، وباتت السعودية تتدخل بل وتمتلك القرار السيادي والسياسي والعسكري والاقتصادي، بل وحتى الثقافي والفكري في اليمن، ومن دون شك فإن القرار السعودي يتفرع عن القرار الأمريكي، وفي أقل الأحوال لا يمكن أن يناقضه بأي حال من الأحوال، ثم ما لبث الأمريكان أن حضروا بأنفسهم ليملوا سياساتهم وإجراءاتهم ويحققوا أهدافهم بشكل مباشر في اليمن والمنطقة، لا سيما بعد أحداث الخديعة الكبرى في الحادي عشر من سبتمبر..
سابقاً، حرصت السعودية على إبقاء اليمن في دائرة الضعف والوهن، وصفّت الحركات والشخصيات الوطنية التي كانت تحمل مشروع الدولة القوية في اليمن، وأبرز مثال تصفيتهم للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وتصفية مشروعه الوطني الحديث، ومن الطبيعي أن تظل اليمن منذئذ في خضم صراعات طويلة ومستعصية كان مخططا لها، ولهذا لم تشهد اليمن استقراراً شاملاً، وظلت الانقلابات السمة البارزة للحياة السياسية في اليمن على مدى عقود، بل وحتى في ظل حكم علي عبدالله صالح الذي حكم لأكثر من ثلاثة عقود، كانت الأزمات تعصف باليمن في مختلف الأصعدة والمجالات.
أعظم مؤشرات ذلك أن يقف على رأس السلطة اليمنية آمراً ناهياً شخص تائه يضع نفسه للمزاد السياسي المتقلب للشرق والغرب، لا يوجد لديه مشروع وطني، ولا رؤية إصلاحية وتنموية، وتحالف بانتهازية مع بعض القوى السياسية والقبلية لتحويل اليمن إلى مزرعة صيد واحتلاب، وهمه الأول والأخير الحفاظ على كرسي السلطة، ولو أدى إلى بيع اليمن ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
استفحلت وصاية اليمن على السعودية إلى درجة محاولتها «وهبنة» اليمن والقضاء على الهوية الإيمانية اليمانية وعلى الإرث الحضاري ممثلاً في جناحي هذا الإرث من الشافعية والزيدية، فضخت الكثير من الكوادر الوهابية التي رعتها ودرّستها، ومولت نشاطاتها، وبنت المؤسسات التعليمية والتثقيفية لها، بل وفرضتها في مفاصل الدولة، في الوقت الذي كان المجتمع يشعر بالغبن، ويتوق لردة الفعل المناسبة، وإذا كانت السعودية تزرع قوى وأدوات ناعمة في اليمن، ومن تلك الأدوات هذا النشاط المذهبي الطائفي المحموم والمدعوم مالياً وسياسياً واجتماعياً وعسكرياً، إلا أنها في المجمل كانت حركة غبية لم تدرس تاريخ اليمن، وأدّت نتائج عكسية، وشعر الكثير أنها تأتي ضمن سياق وضعية الوصاية وهي الوضعية غير الطبيعية.
ثم جاء الأمريكان بقضهم وقضيضهم، واستناداً إلى خطابات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي قبل وأثناء وبعد ثورة 21 سبتمبر، وهي بالمناسبة خطابات تكتسب طابع الوثائقية؛ كونها تصدر في خضم الأحداث، من رجل محنك، يصنع القرار والواقع، وعلى دراية كبيرة بالكواليس، ومعرفة الأسباب والدوافع والمآلات، واطلع على عدد كبير من الوثائق الرسمية، ولهذا فخطاباته تعتبر من المصادر الأصيلة لهذه الورقة.
استنادا إلى تلك الخطابات نجد أن السيد القائد يتحدث عن بدء الأمريكان والصهاينة وعملائهم في تنفيذ مخططات تآمرية على مستوى العالم الإسلامي والعربي، وعلى المستوى المحلي اليمني، فيذكر استنادا إلى كثير من الشواهد والقرائن القاطعة والمؤكدة أن الأمريكان بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2011م اتجهوا بطريقة عدائية إلى استهداف شعوب أمتنا، ومنها شعبنا اليمني المسلم، وفي اليمن كانوا يهدفون بشكل واضح إلى الوصول به إلى مرحلة الانهيار الكامل، في كل المجالات، السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والفكرية والثقافية، والاجتماعية، وحركوا عددا من الأدوات في سبيل تحقيق ذلك؛ ليتم لهم في نهاية المطاف الاحتلال المباشر لليمن، لما يمثله من أهمية جغرافية واقتصادية وجيوسياسية على مستوى المنطقة والعالم..
من ضمن تلك الأدوات السلطة العميلة التي تنفذ لهم ما يريدون، والتي استطاعوا حشرها في زاوية ضيقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكذلك الأدوات التكفيرية، مثل القاعدة، التي كانوا يشجعون على نشرها، إلى أن وصل بهم الأمر أن سلطوها لاجتياح العاصمة صنعاء، ومهاجمة أبرز وأقوى منشأة عسكرية محصنة وهي وزارة الدفاع، وعملوا على الانهيار باليمن في الناحية الأمنية، بالاغتيالات، والتفجيرات، فباتت صنعاء مسرح عمليات القتل المتكرر واليومي والممنهج، وشحنوا الجو الاقتصادي بالأزمات تلو الأزمات التي تهدف لإفقار اليمنيين ونهب ثرواتهم، ولم تنفك الأزمات السياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة تتعقد يوماً إثر آخر، وباتت خطب الجمعة والمناهج التعليمية تصدر بها التوجيهات من السفارة الأمريكية، فيحذفون ما يشاؤون، ويقررون ما يشاؤون، وعملوا على إنهاك وتدمير الجيش اليمني ومقدراته، فدمروا الدفاع الجوي، وكان لهم برنامج لتدمير القوة الصاروخية، وأسقطوا الطائرات، وعملوا على تفكيك الجيش تحت مسمى الهيكلة، وغيروا عقيدته القتالية، واستباحوا بطيرانهم وصواريخهم كل الأراضي اليمنية، يقتلون من يشاؤون، من دون محاكمة، وهو أمر لا تعمله أمريكا حتى داخل بلدها، وتواجدت قوات المارينز الأمريكي في عدد من القواعد العسكرية، ومنها قاعدة شيراتون في وسط العاصمة صنعاء.
لقد باتت السفارة الأمريكية تؤدي دور الرئاسة اليمنية، وصار السفير الأمريكي رئيس الرئيس، وشيخ مشايخ اليمن، والقائد العسكري الفعلي لكل ألوية الجيش، والمتحكم ثقافياً وفكرياً في كثير من النشاطات الحكومية، ومن حسن الحظ أن هذه الخطوط العامة عن الوضعية اليمنية، مما يتحدث عنها السيد في خطاباته، عايشناها ورأينا لها شواهد كثيرة ويقينية، ولا نفتأ بين الحين والآخر أن يعرض الإعلام الوطني وثائق ووقائع تثبت كل تلك الادعاءات المثبتة والمؤكدة.
مجمل القول: أن الأمريكان وعملاءهم أرادوا إيصال الشعب إلى مرحلة الانهيار التام والشامل، وتسليط القاعدة وداعش على اليمن، ليأتي الأمريكان من ورائهم بمثابة المنقذ للشعب من هذه الآفات والوضعيات السيئة، فيكون احتلالهم للبلد في شكل إنقاذ للشعب، وإحسان إليه، فيظهر الاحتلال بمظهر المنقذ والمحسن.
وعلى هذا الأساس أضعف الأمريكان مؤسسات الدولة، وأوعزوا إلى السلطة العميلة بشن حروب عبثية على الشعب، ومنها الحروب على صعدة، وقمع التحركات الجنوبية السلمية، في حين كانوا يسعون إلى تدمير القيم والأخلاقيات الإيجابية لدى السلطة الحاكمة وحتى لدى الشعب، الأمر الذي أنتج وضعا خطيراً ومتأزماً، إلى درجة أن يصير الكذب والخداع واستغفال الشعب خلقاً عادياً، بل ومحموداً وشطارة وذكاء وسياسة واحمرار عين، وهذا ما أفقد لاحقاً المجتمع ثقته في هذه السلطة، حتى ولو تماهى معها أو تطبّع بطباعها.
انكسرت هيبة السلطة بعد هزائمها المتكررة أمام المشروع القرآني، فظهرت متهورة مكسورة الهيبة كفقاعة منتفخة وبأكثر من حجمها، حتى إذا ما هبّت رياح ما سمي “بالربيع العربي” انقسمت هذه السلطة في 11 فبراير 2011م على نفسها، ولما تبين لها ولسادتها في الخليج والغرب خطورة هذا الانقسام، بل وخطورة هذا التحرك الثوري، باعتبار أنه إنما أذكى حاجة تراود الشعب وتفتح له بصيص أمل في جدار المستقبل بعد أن فقد كل شيء.
حاول الأوصياء إعادة لحمة السلطة الحاكمة من خلال المبادرة الخليجية وأرادوا إعادة إنتاج النظام مرة أخرى، غير أن الأسباب الموضوعية للثورة كانت أكبر من هذا التلفيق، وهو ما أفقد الشعب أي أمل في إصلاح هذه السلطة، ثم جاءت حكومة المبادرة لتجعل من نفسها مجرد أصابع مطيعة للوصاية الأمريكية السعودية، وهو ما أصاب الشباب الثائر والصادق بخيبة الأمل..
كل هذا في الوقت الذي نسي الناس فيه – ومنذ وقت مبكر – أهداف ثورة 26 سبتمبر، وأصبحت أشبه شيء بتراث موغل في القدم، أسدل عليها الدهر أطناناً من غباره وترابه، بل لم يتذكر الناس عهداً محموداً من العهود الجمهورية المتعاقبة إلا أيام الرئيس المغدور به الشهيد إبراهيم الحمدي.
…………………………. وللحديث بقية في الحلقات القادمة