فضيحة في إسرائيل:هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع يفضح هشاشة التحصينات الأمنية للاحتلال الصهيوني
اسكندر المريسي
شكَّلت الساعة الواحدة والنصف من فجر الاثنين الماضي مرحلة فاصلة في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة في المعركة التي تخوضها مع سلطات سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك حين نجح 6 أسرى في انتزاع حريتهم والهرب من عمق الأرض من سجن “جلبوع” (شطة) قرب بيسان.
وتواصل قوات كبيرة من مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، البحث عن الأسرى الفلسطينيين الستة، الذين نجحوا فجر الاثنين الماضي، في الفرار من سجن “جلبوع ” الإسرائيلي، الذي يُعد أكثر السجون الإسرائيلية تحصيناً.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية: إن الشرطة أقامت أكثر من 260 حاجزاً في أنحاء إسرائيل، في إطار عمليات البحث عن المعتقلين الستة، الذين تسبب فرارهم في صدمة واسعة في المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية.
وأضافت الهيئة نقلاً عن مصلحة السجون الإسرائيلية إن الأسرى استخدموا نفقاً من فتحة في زنزانتهم للخروج من السجن، وأضافت: “زحفوا على طول بضع عشرات من الأمتار إلى فتحة النفق الخارجية، على بعد أمتار قليلة من جدار السجن تحت برج المراقبة”.
وأفاد موقع واللا العبري، بأن التحقيقات الأولية أظهرت أن “السجانة الإسرائيلية التي قامت بالحراسة في برج المراقبة فوق بئر النفق الذي فر منه الأسرى غفت خلال ورديتها”.
وتابع “يستدل من التفاصيل أن كاميرات المراقبة وثّقت عملية الفرار، غير أن السجانين لم يتابعوا الكاميرات في الوقت الفعلي”.
عام من الحفر
وأشارت التحقيقات إلى أن حفر النفق الذي استخدمه الأسرى الستة في عملية الفرار الناجحة من السجن استغرق نحو عام كامل، ويتراوح طوله بين 20 و25 متراً، وأن الحفر جرى بواسطة عدد محدود من الأسرى.
ووفقاً للتحقيق فإن الأسير زكريا زبيدي أحد الأسرى الفارين، طلب من ضابط مخابرات السجن قبل يوم واحد من تنفيذ عملية الفرار، الانتقال إلى الزنزانة رقم 5 في قسم 2 في سجن “جلبوع” لليلة واحدة، وقوبل طلبه بموافقة السجانين.
توقيت العملية
وكشف التحقيق أنه في نحو الساعة الواحدة والنصف ليلاً دخول السجناء الستة إلى حمام زنزانتهم، وقاموا برفع إحدى الفتحات المعدنية الموجودة على أرضية الزنزانة ودخلوا الواحد تلو الآخر إلى الفتحة الضيقة للنفق.
وزحف الأسرى على طول بضع عشرات من الأمتار إلى فتحة النفق الخارجية، على بعد أمتار قليلة من جدار السجن تحت برج المراقبة، ووفق التقديرات يبدو أنهم غيروا ملابسهم وواصلوا عملية الهروب باستخدام سيارة كانت بانتظارهم .
وتلقت الشرطة مكالمة من مستوطن إسرائيلي كان يسافر على شارع “71” الواصل بين “بيسان” و”العفولة”، وقال إنه شاهد مشتبهين يحملون شيئاً ما في أيديهم.
وفي تمام الساعة الثانية فجراً وصلت دورية شرطة إلى المكان، واستجوبت شاهداً قال إنه رأى مشتبهاً به، وأبلغ نائب قائد محطة بيسان إدارة سجن “جلبوع” عن البلاغات التي تلقتها الشرطة حول مشاهدة مشتبهين في محيط السجن.
وبعد نحو ساعتين من الاتصال الأول الذي تلقته الشرطة، أي في تمام الساعة الثالثة والنصف فجرا، أبلغت إدارة السجن عن “ثلاثة أسرى مفقودين”، وفي تمام الساعة الرابعة “تبين فقدان أثر ثلاثة أسرى آخرين”.
وأكد الموقع أن الشرطة الإسرائيلية تقوم بتحليل كاميرات المراقبة في الطرق المحيطة من أجل تعقب الأشخاص الذين يعتقد أنهم قدموا يد العون للأسرى الفارين.
ويعتقد المتعقبون أن الأسرى الفارين ساروا مسافة ثلاثة أميال حتى صعدوا إلى سيارة كانت تنتظرهم خارج السجن، حيث عثرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على آثار أقدام، ممَّا أدى بهم إلى استنتاج مفاده أن الأسرى الفارين قاموا بتغيير ملابسهم قبل ركوب السيارة، وقام أحدهم على الأقل بتغيير حذائه.
فضيحة وسلسلة إخفاقات
وأمام التسارع في الأحداث وتناقل روايات لما وقع، سارعت مصلحة السجون الإسرائيلية إلى الكشف عن المعلومات الأولية بشأن كيفية حدوث عملية الهرب والإخفاق في اكتشافها أو إحباطها.
وعند الساعة التاسعة من صباح الاثنين الماضي أقرّت سلطة السجون الإسرائيلية واعترفت بأول الإخفاقات حين تم وضع 6 أسرى من جنين في غرفة مشتركة، وذلك خلافا للإجراءات المعمول بها، حسبما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي أكدت أنه كان يحظر وضع الأسرى معا في زنزانة واحدة.
وأظهرت المعلومات الأولية بشأن كواليس عملية الهروب والتفاصيل التي سمح بالكشف عنها أن الأسرى الستة تمكنوا من الهرب عبر خط المجاري الموجود بجوار زنزانتهم، وأنهم هربوا بواسطة فتحة اكتشفت أسفل المرحاض، وخرجوا منها باتجاه المنطقة الجنوبية من سجن “جلبوع”، وهي المنطقة المؤدية إلى السهول والأحراش.
نقل 400 أسير
وفي إجراء وقائي وللتقليل من تداعيات الإخفاقات، أصدرت مصلحة السجون أمرا بالاستعداد لتوزيع الأسرى في القسم الذيكان يوجد فيه الأسرى الستة، وتعمل أيضا على نقل نحو 400 أسير من جلبوع إلى سجون أخرى، قائلة إن “هناك مخاوف من وجود أنفاق أخرى يمكن أن تستخدم في هروب مزيد من الأسـرى”.
ووسط الانتقادات التي وجّهت حيال الإخفاقات، اعترفت سلطة السجون الإسرائيلية بأن الأسرى الستة بـ”بمستوى خطورة مرتفع”، وذكرت أن احتمال فرار 3 منهم من السجن مرتفع.
إخفاق غير مسبوق
ووصف مسؤول في مصلحة السجون الإسرائيلية الهروب من سجن جلبوع بالإخفاق غير المسبوق للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، قائلا في حديثه لصحيفة “هآرتس” إنه “هكذا يحدث عند تعيين أشخاص عديمي الخبرة في مثل هذه المناصب الحساسة”.
ووفقا للمسؤول، تم تهريب هواتف محمولة للأسرى، وعبرها تواصلوا مع مجموعة خططوا معها لعملية الهرب من السجن، وكشف عن أن مدخل بئر المياه العادمة التابع للسجن يوجد قرب برج المراقبة للسجن.
وتمكن الأسرى من الخروج من بئر مياه الصرف الصحي والهرب بسيارة أو أكثر كانت بانتظارهم قرب المكان، في حين ليس ببعيد أن يكون الأسرى الستة حصلوا على مساعدة من السجانين في سجن جلبوع، حسب ما أفاد موقع “واللا”.
ليست الأولى
سلّطت عملية هروب الأسرى الستة الأنظار على سلسلة محاولة هروب كان أشهرها ما حدث في السجن ذاته عام 1998م، حين حاول 24 أسيرا من فصائل عدة، بينهم القائد في كتائب القسام عبدالحكيم حنيني، الهروب من سجن شطة عبر حفر نفق داخل غرفة السجن، اكتشف في اللحظات الأخيرة.
وفي القسم ذاته في سجن جلبوع كرر أسرى من حركة الجهاد الإسلامي في يونيو 2014م محاولة للهرب من السجن عبر نفق، لكن سلطات السجون الإسرائيلية اكتشفت النفق الذي حفروه بطول 4 أمتار، وذلك في حمام إحدى الزنزانات.