الثورة / محمد شرف/محمد الروحاني
حرب اقتصادية شعواء تشنها المملكة السعودية على الشعب اليمني بتوجيهات أمريكية هدفها تركيع الشعب اليمني وإخضاعه بعد فشلها عسكرياً وتقهقر قواتها أمام أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات.
فتزامناً مع قرار رفع سعر الدولار الجمركي وطباعة المليارات من العملة غير القانونية وضخها إلى السوق، تتخذ السلطات السعودية قرراً بترحيل وطرد العمالة اليمنية من أراضيها لتعميق الانهيار الاقتصادي والضغط على صنعاء لقبول الإملاءات الأمريكية التي تريد فرضها على اليمن.
أداة ابتزاز
على مدى عقود ظلت السعودية تستخدم ورقة المغتربين كأداة ابتزاز للجمهورية اليمنية، وغالباً ما تشهر هذه الورقة في وجوه الرافضين لسياستها في اليمن.
ممارسات السعودية المجحفة بحق المغتربين اليمنيين بدأت منذ العام 1990م، عندما قررت السلطات السعودية إلغاء استثناء اليمنيين من نظام الكفيل بسبب موقف اليمن من حرب الخليج الثانية، الأمر الذي أدخل اليمن وقتها في أزمة اقتصادية بسبب عودة حوالي مليون مغترب إلى الأراضي اليمنية ظلت آثارها تعصف باليمن لسنوات.
استرقاق العمالة اليمنية
رغم التفاهمات بين اليمن والسعودية في بداية العام 1995 وصولاً إلى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود في يونيو 2000 والتي بموجبها استحوذت السعودية على أجزاء من الأراضي اليمنية فتحت المجال للمغتربين بالعودة إلى المملكة السعودية، إلا أن نظام الكفيل الذي عاد اليمنيون وفقه كان بمثابة الاسترقاق للعمالة اليمنية التي ظلت خاضعة منذ ذلك الوقت لجشع الكفلاء من السعوديين الذين أعطتهم سلطاتهم الحق في استغلال العامل اليمني كيفما يشاؤون .
قرارات تستهدف العمالة اليمنية
مع بداية العام 2013 زادت حدة استهداف اليمنيين العاملين ومضايقتهم لدفعهم للخروج من الأراضي السعودية، حيث أعلنت السلطات السعودية آنذاك عن إجراءات تستهدف العمالة اليمنية بالدرجة الأولى، ومن هذه الإجراءات ما عُرف وقتها بسعودة الوظائف والتي فرضت بموجبه السلطات السعودية على الكثير من القطاعات استيعاب موظفين سعوديين الأمر الذي أدى وقتها إلى ترحيل أربعمائة الف عامل يمني خلال العامين 2013 – 2014م وفقاً لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية .
تطفيش وتضييق
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي يوليو من العام 2017م أعلنت السلطات السعودية قرار سعودة الوظائف في 12 قطاعاً هي ” محلات السيارات والدراجات النارية، ومحلات الملابس الجاهزة والمحلات الخاصة بالأطفال والرجال، ومحلات الأثاث المنزلي والمكتبي الجاهز، ومحلات الأواني المنزلية ” كمرحلة أولى على ان يتم في المرحلة الثانية سعودة الوظائف في ” محلات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، والساعات، والنظارات، محلات الأجهزة والمعدات الطبية، ومواد البناء والإعمار، وقطع غيار السيارات، والسجاد بكافة أنواعه، والحلويات ” وهو القرار الذي أدى إلى فقدان معظم المغتربين اليمنيين لأعمالهم كون أغلبهم يعملون في هذه المجالات، وهو ما اعتبره مراقبون وقتها أنه استهداف للعمالة اليمنية .
طرد وترحيل نهائي
حرب السعودية على العمالة اليمنية بلغت ذروتها في نهاية شهر يوليو المنصرم، حيث كشفت وسائل إعلام عن توجيهات سعودية لكافة المواطنين والمؤسسات في المناطق الجنوبية وتحديداً جيزان ونجران وعسير، تمهلهم 4 أشهر فقط للتخلي عن العمالة اليمنية واستبدالهم بجنسيات أخرى.
وبحسب وثيقة مسربة، فقد تضمنت التعليمات ليس فقط إنهاء عقود العمل، لكن أيضاً منع اليمنيين من تجديد عقودهم السكنية في هذه المناطق، وهو ما اعتبره مراقبون أنه استهداف لنحو 800 ألف يمني يعملون بمناطق جنوب السعودية .
أكاديمي يمني يعمل في جامعة نجران، أوضح في حديث إعلامي له أن “جميع المتعاقدين اليمنيين في جامعة نجران والبالغ عددهم 106 أساتذة جامعيين، وهو من بينهم، تلقوا بلاغاً بإنهاء التعاقد معهم بدون إبداء الأسباب”، رغم أنهم يشكلون العمود الفقري لهيئة التدريس في أغلب جامعات هذه المناطق.
فيما أكد مغتربون يمنيون يعملون في المناطق الجنوبية للمملكة في جيزان ونجران وعسير، منهم أطباء وأكاديميون، تلقيهم إشعارات من السلطات السعودية بإنهاء التعاقد معهم دون سابق إنذار، وإعطاء مهلة لملاك الأعمال السعوديين محددة بنحو 4 أشهر لتنفيذ النسب المحددة من قبل وزارة العمل السعودية للعمالة الأجنبية في المملكة.
في الأيام القليلة الماضية طردت جامعة نجران 106 أكاديميين يمنيين من أعضاء هيئة التدريس، وكلهم من حملة الدكتوراة. بالمثل، تقوم جامعات الجنوب السعودي في عسير وجيزان والباحة وغيرها، بطرد كل الأكاديميين من الجنسية اليمنية، لا استثناء تحت أي مسمى، عليك فقط أن لا تكون يمنياً إذا أردت أن تنجو من المحرقة، هكذا قالت المراسلات والخطابات الرسمية”.
“المستشفيات (السعودية)، من جهتها، ألغت عقودها الجديدة مع الأطباء اليمنيين ومنعت تجديد عقود وإقامات الأطباء القدامى.
المؤسسات غير الصحية وغير الأكاديمية أبلغت الموظفين من الجنسية اليمنية بانتهاء عقودهم وطلبت منهم مغادرة البلاد”.
حتى المشاريع والمحلات الدنيا والأصغر، طُلب منها أن تتخلص من حملة الجنسية اليمنية، وجاء: “في التعميمات الصادرة من الأعلى إلى الأسفل، تعد السلطات السعودية أصحاب المؤسسات باستجلاب عمالة من جنسيات أخرى بتأشيرات مجانية وبحوافز، من أجل سد الفراغات الحادة. بدا وكأن الأمر مقتصراً على محافظات الجنوب السعودي. مؤخراً، وصلت نُذر الفعل حتى محافظات الشمال”. وكشف: “أطباء وأكاديميون من العاملين في شرق المملكة وشمالها هذه الأخبار.
فقد تصاعدت موجة عودة العمال اليمنيين المغتربين في السعودية إلى اليمن بشكل كبير، حيث استقبلت عدد من المحافظات – تأتي محافظات: تعز وحضرموت وإب على رأسها – المئات من المغتربين اليمنيين، نتيجة بدء السلطات السعودية بحملات تعسفية وملاحقات للعمالة اليمنية ضمن سلسلة من الإجراءات النازية والهمجية التي استهدفت المغتربين اليمنيين وفقا لجنسيتهم، بدأتها بتحديد نسبة العمالة اليمنية في كل المنشآت وقطاعات الأعمال بنحو 25 %، ثم تلاها القرار الأخير بمنحهم مهلة ثلاثة أشهر لترحيلهم .
وبحسب تقرير حديث للأمم المتحدة، فإن نحو 3052 مغترباً يمنياً عادوا من السعودية خلال شهري يونيو ويوليو الماضيين.
وقال تقرير لمنظمة الهجرة الدولية أن 3545 يمنياً عادوا إلى بلادهم خلال الشهرين الماضيين “يونيو ويوليو”، المثير في التقرير أنه تم اعتبارهم “نازحين” من السعودية إلى اليمن ولم يشر إلى أنهم مرحلون قسرياً من قبل النظام السعودي.
الحرب السعودية على المغتربين اليمنيين تتسع
تقود السلطات السعودية حرباً شعواء على المغتربين اليمنيين، اتسعت مؤخراً لتمتد من جنوب المملكة إلى شرقها. فبعدما منحت السلطات، العمال اليمنيين في مناطق جيزان ونجران وعسير، مهلة لتصفية أعمالهم ومغادرة البلاد، عمدت الرياض إلى شمْل العاملين في المناطق الشرقية أيضاً، بتلك الإجراءات.
فقد أكدت مصادر مطلعة أن «توجيهات سعودية جديدة صدرت قبل أيام تقضي بإنهاء التعاقد مع كلّ مَن يحمل الجنسية اليمنية من المناطق الشرقية، وتحديداً الأكاديميين والعاملين من أطبّاء ومساعدي أطباء». وأضافت المصادر أن «الرياض أمهلت كافة أرباب العمل وملّاك الشركات الخاصة في منطقتي الدمام والأحساء شرقي المملكة، مدّة أربعة أشهر فقط، لتسريح العمّال اليمنيين، وتوعّدت بفرض عقوبات على الأشخاص والشركات الخاصة في حال لم تنفّذ القرار، فيما منحت مهلة شهرين فقط لتسريح الأكاديميين اليمنيين من المملكة».
صنعاء تستنكر
القرارات السعودية المجحفة بحق المغتربين اليمنيين لاقت إدانات واستنكارات من قبل سلطات صنعاء، حيث استنكر المجلس السياسي الأعلى ما تقوم به السلطات السعودية تجاه المغتربين اليمنيين وطرد وترحيل الأكاديميين بسبب هويتهم اليمنية.. معتبراً هذه القرارات أنها تذّكر بممارسات السعودية إبان حرب الخليج.
كما استنكر رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، ما يحدث للمغتربين اليمنيين في المملكة السعودية من مضايقات، معبراً عن أسفه لتلك التصرفات التي وصفها بـ ” السيئة وغير الإنسانية “.
وزارة شؤون المغتربين في حكومة الإنقاذ الوطني أدانت بشدة قرار السلطات السعودية وإجراءاتها التعسفية بترحيل المغتربين اليمنيين، والتي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان التي كفلتها الشرائع والمواثيق والقوانين الدولية، مؤكدة الاحتفاظ بحقوق اليمنيين ورفعها أمام المحاكم والمنظمات الدولية، فيما تلتزم حكومة فنادق الرياض الصمت.
دعوات لإلغاء العمل باتفاقية الطائف
قانونيون يعتقدون أن ما تقوم به السعودية اليوم سيفتح باباً قديماً تجاهلته المملكة طويلاً في ظلّ وصايتها على اليمن قبل سبتمبر 2014، موضحين أن وجود العمالة اليمنية في الأراضي السعودية محكوم بنصوص «اتفاقية الطائف» وملحقاتها المُوقَّعة بين اليمن والسعودية عام 1934، ومن بعدها «اتفاقية جدّة» المُوقَّعة بين الجانبين عام 2000.
ويبيّن القانونيون أن «الاتفاقيتَين منحتا المواطن اليمني حق العمل والإقامة المفتوحة وحرّية الاستثمار والملكية وعدم مصادرة الممتلكات أو الحجر عليها»، بحسب المادة 14 من «اتفاقية الطائف» على وجه الخصوص، مشيرين إلى أنه لم يتمّ اختراق هذه الاتفاقية والتنصّل من الامتيازات التي مُنحت للمغترب اليمني في الأراضي السعودية بموجبها، منذ ستينيات القرن الماضي وحتى مطلع عام 1990.
وفي هذا السياق، طالب ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حكومة صنعاء، بإلغاء العمل بـ«اتفاقية الطائف»، بما يتيح لها الحق في المطالبة باستعادة الأراضي اليمنية «المستلَبة» من الجانب السعودي في جنوب المملكة، والتي تشمل: جيزان ونجران وعسير ومناطق أخرى.