يقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- في فوائد الإنفاق :
الله “سبحانه وتعالى” يقول في القرآن الكريم وهو يتحدث عن الإنفاق: {وَآتَى الْمَالَ} في سياق الحديث عن البر {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}[البقرة : 177]، نجد هنا التزامات واسعة، يعطي الإنسان لها من المال.
فالله لم يعطينا عبثاً، الله “سبحانه وتعالى” أنعم علينا، وقرن هذه النعم بمسؤوليات، يقترن بها مسؤوليات، ونجد في المسؤوليات المالية هذه القائمة: الإنفاق:
{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} في محيطك الأقرب، بدءاً من أسرتك، عندك اهتمامات بالإنفاق على أسرتك، عليك مسؤولية الإنفاق على أسرتك. ثم كذلك المحتاجين، وصلة الأرحام في محيطك الأسري أيضاً، على مستوى أوسع. ثم اليتامى, والمساكين, وابن السبيل, والسائلين, وفي الرقاب.
يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: من الآية24]، حتى الزكاة هي تأتي مرتبطةً بموضوع المال، وتساهم في معالجة مشكلة الفقر لدى الفقراء.
ويقول “سبحانه وتعالى” عن الإنفاق: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}[الليل: الآية17]، يعني: يجنَّب النار، نار الله وعذابه الشديد، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}[الليل: 17-20]، هو لا يبتغي في مقابل ما ينفقه من المال، لا يبتغي به مقابلاً من الناس، من أيِّ أحدٍ من الناس، كبيرٍ أو صغير، سمعة عامة، أو مكانة خاصة، عند شخص معين، عند شخص قيادي، عند شخص له مكانة معينة، أو لدى الناس عموماً، أو في محيط معارفه أو مجتمعه؛ إنما هدفه الحصري: {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}، ما يريده هو يريده من الله، وليس من الناس، هو في المقدِّمة يبتغي مرضاة الله “جلَّ شأنه”، {وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل: الآية21].
ويقول الله “جلَّ شأنه” في ما يتعلق بالإنفاق: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة: الآية265]، الإنفاق {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}، {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}: يرجون لأنفسهم التثبيت من الله، فكل هدفهم ومبتغاهم هو من الله، وليس من الناس، لا سمعة، ولا مديح، ولا ثناء، ولا مكانة معينة يطلبونها من الناس، مَثَلُهم في هذا المثل، في هذه الآية المباركة، {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ}، جنة في مكان مرتفع وممتاز، وموقع متميز، خصب، مُنتِج على المستوى الزراعي، {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ}، فيأتي للإنفاق أثره الكبير في نفوسهم، ويأتي للإنفاق أثره العظيم في أجرهم المضاعف، وفي نتائجه وآثاره الطيِّبة، {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}، ولو لم يصبها وابل، ولو لم يصبها إلَّا القليل يأتي عطاؤها الواسع.
الإنفاق في سبيل الله
وفي ما يتعلق بالإنفاق في سبيل الله، في خدمة قضايا الأمة الكبرى: في الدفاع عن دينها، وقيمها، وأخلاقها، وممتلكاتها، وأوطانها، وأعراضها.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: من الآية111]، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية41]، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: من الآية195].
الله “سبحانه وتعالى” جعل الجهاد في سبيله عنواناً لذلك، وهو يتصل بالمال، {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}، هناك كثير من الأعمال التي تحتاج إليها الأمة للجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”؛ لتذود عن عرضها، وأرضها، واستقلالها، وكرامتها، ومبادئها، وقيمها، وتدفع الخطر عن نفسها، كثير من الأمور تحتاج إلى مال، تحتاج إلى نفقات، تحتاج إلى تمويل، كثير من الأعمال، من الاهتمامات، من الأنشطة، من المواقف، من الاحتياجات لذلك، على المستوى القتالي كم هناك من احتياجات مالية تحتاج إليها الأمة في ذلك، {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فنجد هنا الجهاد بالمال، الجهاد بالمال، لتمويل الأعمال التي هي في إطار الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى” وفق المفهوم القرآني.
ويقول “جل شأنه”: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}؛ لأن بخل الأمة عن الإنفاق في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، وهذا يأتي إلى قضاياها الكبرى، إلى دفع المخاطر عنها، إلى دفع شر عدوها، إلى الحفاظ على أمنها، واستقرارها، واستقلالها، وكرامتها، والحفاظ على أوطانها، وشعوبها، وممتلكاتها، إذا لم تنفق من أجل ذلك، فمعنى ذلك: هو التمكين للعدو منها؛ لأنه لا يمكن أن يكون هناك تحرك فاعل لحماية الأمة والدفاع عنها، إلا وهناك تمويل مالي، بدون المال لا يمكن أن يكون هناك تحرك، لا عسكري، ولا غيره، فالمسألة تحتاج إلى تمويل، إذا لم يكن هناك تمويل، فالنتيجة هي الهلاك، البخل نتيجته الهلاك؛ لأن العدو سيتمكن، والعدو يهتم بالإنفاق في سبيل استهداف هذه الأمة، كم ينفق على مؤامرات، كم يعد من إمكانات، وتجهيزات، وخطط، وبرامج، وأنشطة، تستهدف هذه الأمة، وينفق عليها مليارات كثيرة، ينفق في الاستهداف العسكري لهذه الأمة مليارات الدولارات، ينفق في الاستهداف الإعلامي، في الاستهداف الاقتصادي، في كل المجالات، فالأمة لا بد أن تكون منفقة.
Prev Post