سامي محمد.. نحات الغضب

> تشكل أعمال النحات سامي محمد في مجموعاته: المكبلين والصناديق والاختراق خلاصة تجربته النحتية التي بدأت هواجسها الأولى مع معجونات الطين وتشكلاتها الطفولية من قبل أصابع الفنان المولود في الكويت عام 1943 ليظهر هذا المنحى أكثر وضوحا مع منحوتة الجوع عام 1970م.
أمضى سامي محمد عدة مراحل فنية جمع فيها بين التصوير والنحت عاد خلالها إلى التراث البيئي المحلي ليشكله بصورة حديثة مختلفة كما في مشروع السدو ومع تمرسه على التقنيات الفنية أثناء دراسته في مصر والولايات المتحدة بقي القلق الفني يحفزه إلى البحث عن صيغة تشكيلية تمثل هواجسه الخاصة بدربتها التقنية وخبرتها الجمالية فوجدها بعد بحث طويل في كلمة واحدة كما يقول هي: الإنسان.
والإنسان في تشكله بإزميل سامي محمد وبخامات الجص والرخام والأحجار والخشب والبرونز لم يعد هو الإنسان المحتل موقع الهامش المعبر عنه في كتل سكونية مقهورة ومعذبة ومسحوقة كما يحلو للبعض وصف هذه الأعمال بل هو الإنسان كما يراه أو يريده سامي محمد فما يبدو عليه هذا الإنسان في هذه الكتل هو الانفعال لا الخنوع والغضب لا الاستسلام والحركة لا السكون وكأن العالم الذي تلتقطه عين الفنان يخلص في وصف فلسفي تتلازم فيه المادة والحركة. وإذا ما استكشفنا فعالية لتوليد الحوار والتأمل والسؤال لدى هذه التجربة فإنها تبدو فعالية واضحة ومباشرة فالكتل النحتية في المجاميع الثلاث المشار إليها تصدم المشاهد من أول لحظة في حركيتها الصاخبة العالية فهي إذ تظهر ككتل من الصخب والرفض والمقاومة والتمرد تثير كوامن الدهشة المفاجئة وبالتالي تولد أسئلة وحوارات تأملية لا أظن أن من الممكن الخلاص منها.
يمكن للملاحظة المتفاجئة والخاطفة أن تحيل تعبيرات المنحوتات المباشرة إلى فن الملصق الدعائي إلا أن المشاهدة المتفحصة لتقنيات الكتل والفراغات والزوايا وتشكل الخطوط والمنحنيات وكيفية تشكل هيئاتها الكلية تكشف عن رؤية جمالية تنحاز إلى قلق إنساني وجودي يتخطى التوجيه والتحريض كصفتين لازمتين لفن الملصق.
في هذه المجاميع التي بدأ ينجزها في أواخر سبعينات القرن الماضي والموزعة بين الكويت والشارقة وأبوظبي ودبي ومتاحف كثيرة لا يبدو الإنسان في وضع المقهور أو المسحوق كما أنه لا يبدو في حال تعبير عن مستقبل مرجو. فهو إذ يتشكل لدى سامي محمد في حال حركة وتوتر جسدي يحاول فيه أن يقطع الحبال المكممة لفمه ويخترق الحواجز والصناديق المحددة والحابسة له فإنه يكون بذلك قد تعدى مرحلة الانسحاق والسكون القهري إلى حال بدا فيه مقاوما ورافضا وغاضبا دون أن تكون له وجهة مستقبلية ما كأن مبتغاه الوحيد الأول والأخير هو قطع الحبال وكسر الأغلال وتحطيم الحواجز. كأنه وهو يقوم بذلك يؤكد تحقق وجوده كإنسان.
مع إزميل سامي محمد ومنحوتاته الغاضبة والمتمردة سنكتشف أن النحت ليس صياغة شعرية للواقع أو بعض حياة بل هو الحياة كلها.

قد يعجبك ايضا