لأن ذهنية الغباء المُركّب لدى بعض القيادات العربية متوفرة جداً ، فإنها تدفعهم إلى التبعية المطلقة والانقياد الساذج للأقوى بأي ثمن وتحت أي مبرر ، هذا هو حال كلٍ من النظامين السعودي والإماراتي ، حيث تبينت الحقيقة في اجتماعات أوبك الأخيرة التي فشلت بسبب أن الإمارات تمسكت بموقفها الداعي إلى زيادة الإنتاج وإغراق السوق بالنفط لتحقيق رغبة أمريكية تُعيد الأسعار إلى ما كانت عليه قبل الصعود الأخير ، ولأن نظام الإمارات يُدار من قبل الشركات وأجهزة الاستخبارات الأمريكية ، فقد بادر إلى تبني وجهة النظر هذه وكان سبب إفشال اجتماعات أوبك ، من خلال التمسك بموقفه الرافض لبقاء الأمور على ما كانت عليه في الماضي ، والمطالبة بزيادة الإنتاج بعد أن تحسنت أسعار النفط ووصلت إلى ما يجاوز 75$ للبرميل الواحد ، وكما يُقال ( كلاً يغني على ليلاه ) .
أمريكا دفعت بالإمارات إلى اتخاذ هذا الموقف لكي تضمن استمرار تدفق النفط بأسعار مناسبة يمكنها من استعادة الناقص في المخزون الاستراتيجي بعد أن تجاوز النقص فيه نسبة الـ50% ، والصمت على هذا التصاعد في أسعار النفط تبعاً لتقديرات الخبراء الذين قالوا إن البرميل في هذه الظروف قد يصل إلى 90$ و 95$ نهاية هذا العام ، وهذا يعني أن أمريكا ستعوض المفقود من المخزون الاستراتيجي بثلاثة أضعاف الكميات التي تم تصريفها، ولهذا السبب صممت الإمارات على موقفها الذي هو في الأساس موقف أمريكا ، أما السعودية فيا للعجب فلقد كان تصلب موقفها ناتجاً عن الخوف من إخراجها من قائمة العمالة المباشرة إلى القائمة الثانوية واستباق الإمارات إلى القيام بهذه المهمة ، ولهذا السبب تصلبت في موقفها وأصرت على بقاء الأوضاع كما هي عليه ، وفي حين أن الزيادة المطلوبة لا تتجاوز (500) ألف برميل في اليوم ، إلا أن إقرارها سيمثل هزة لأسعار النفط ويُعيدها إلى ما كانت عليه ، وليت السعودية تمسكت بالأمر استناداً إلى هذا الهاجس ، لكنها انطلقت من هاجس آخر خاص، وهو السباق على العمالة لأمريكا ، إلى جانب خوفها من أن تعود إيران بقوة إلى السوق في حال تم الاتفاق على إعادة الخطوات المستندة إلى اتفاقية البرنامج النووي بين الدول 5 + 1 .
والآن بعد أن جاء بايدن وفي محاولة لتصحيح أخطاء من سبقه يعتبر أن العودة إلى الاتفاق مع إيران من أولويات السياسة الأمريكية ، وهذا ما يزعج السعودية ويجعلها تحسب ألف حساب لكل شيء بما في ذلك أي زيادة في أسعار النفط، وهو ما جعل موقفها متذبذباً بين الموافقة والرفض ، لتجسد نفس المواقف المتسمة بالتناقض في كل سياساتها الخارجية والداخلية..
إنه لأمر مُخيف أن يصبح سباق الدول مُنصباً على هذا الجانب المُعبر عن الخساسة وحقارة النفس والاستعداد الكبير للاستسلام والخنوع للهيمنة الأمريكية بشكل مُخيف يعكس الانهيار الأخلاقي ويكشف الفشل الذريع لسياسة هذه الدول ، وعلى نفس المنوال يأتي الموقف من العدوان على اليمن ، فها هي أمريكا الدولة الراعية والممولة للعدوان من أوله إلى آخره ، بل والمستفيدة منه بنهب ثروات ما يُسمى بدول التحالف وابتزاز مخزوناتهم النقدية، اليوم تحاول توظيف الأحداث لصالحها من خلال التمويل والإشراف المباشر على الأحداث في البيضاء ، فهي التي جمعت شذاذ الآفاق من أتباع القاعدة وداعش والنصرة ، وجلبتهم من كل العواصم الأجنبية والعربية لتحقيق أي ثغرة في جدار الصمود الأسطوري لمقاتلي الجيش واللجان الشعبية ، بهدف الضغط على الجانب الوطني المدافع عن سيادة وحياض الوطن، لكي يقبل بمبادرة السلام الهزيلة ، التي لا تكفل حقاً ولا تصنع كرامة ، بل تمثل دعوى للقبول بالمزيد من الإذلال والخنوع، لذلك حتى ما يُسمى بالعمالقة الممولة من دولة الإمارات تم إشراكهم في هذه المغامرة لكي يعطوا ثقلاً أكبر لدور الإمارات في الموضوع اليمني، وزحزحة السعودية من موضع السبق في هذا الجانب مع بقاء التزاماتها المادية الممولة لجماعات أخرى ، وهذا يعني أن الإمارات باتت تحتل الصدارة في العمالة لأمريكا وخدمة أهدافها ، وهو ما أزعج السعودية وجعلها تتخذ ذلك الموقف المتصلب ، على الأقل لكي تضمن بقاء سمعتها لدى دول منظمة أوبك وتؤكد لهم انحيازها إليهم ، وكما قال أحد المحللين، فالإمارات لها همومها وأهم تلك الهموم تعويض المخزون النقدي بعد أن تم استنفاده في حروب خارجية من ليبيا إلى اليمن ، وكلها حروب تخوضها هذه الدولة بالوكالة ، لأن لا ناقة لها فيها ولا جمل ، بل تحاول من خلالها أن تتحول إلى دولة ذات وزن وإمكانية ، وهو ما يؤكد الفشل الذريع في سياستها الخارجية ، وإلا لما تركت إيران بالقرب منها وفي الجزر التي تدعي أنها لها وجاءت تحاربها في اليمن ، مهانة لا توازيها مهانة ، ومؤشر خطير وهام يُشير إلى قرب سقوط هاتين الدولتين في مراتع الذل والهوان، ، وليس ذلك إلى الله ببعيد ، والله من وراء القصد ..