الإرهاب هو التحدي الأول لليمن والعائق الرئيسي للتنمية


• لاشك أن بث شريط الفيديو الذي كشف تفاصيل جريمة مجمع وزارة الدفاع .. قد خلق سخطاٍ شعبياٍ عارماٍ ضد تنظيم القاعدة .. بل وأربك قياداته الذين حاولوا ترميم الصورة بتلك الاعترافات التي حملت صيغة اعتذار, زاد من سخط الناس ورفضته الجهات الرسمية ..
بيان الاعتذار الذي فسر الحادث الإجرامي بالخطأ لقتله مدنيين .. بدا مثار سخرية واستهجان أكثر من المراقبين والمجتمع بشكل عام .. هنا .. نتابع تحليلاٍ لبيان تنظيم القاعدة وتزايد عملياته الأخيرة .. في اليمن ومصادر تمويل التنظيم وعلاقة ذلك بالصراع السياسي .. من خلال الخبير والباحث في شؤون الإرهاب سعيد عبيد الجمحي .. نتابع:
دحر فلول ما يسمى ” بأنصار الشريعة ” من أبين جعل من الرئيس هادي شوكة في حلق الإرهابيين
الصيد الجائر يحرم الكثير من الصيادين من مصدر رزقهم الأساسي
دحر فلول ما يسمى ” بأنصار الشريعة ” من أبين جعل من الرئيس هادي شوكة في حلق الإرهابيين
* لتكن البداية من البيان الصادر عن تنظيم القاعدة والذي جاء على لسان المسؤول العسكري في التنظيم .. ما تفسيرك لهذا البيان خاصة أنه تضمن اعترافاٍ واعتذاراٍ لما حدث في مستشفى مجمع وزارة الدفاع¿
– جاء هذا البيان نتيجة لما وصل إليه التنظيم من حالة توتر بعد انكشاف وجههم القبيح أمام العالم أجمع .. وهذا الاعتذار البارد والذي دون شك قد أضاف ألماٍ ووجعاٍ إضافياٍ لأهالي الضحايا الأبرياء قد حمل لغة الاستعلاء والمغالطة .. فاعتبار ذلك القتل الجنوني مجرد خطأ وتشبيهه بما جرى من خالد بن الوليد رغم الفوارق الكبيرة بين الواقعتين ومخاطبة أهالي القتلى بـ(ضحاياكم) بما تحمل من دلالة كون أنتم طرف ونحن طرف آخر فهؤلاء ضحاياكم وليسوا (ضحايانا) .. كل ذلك يكشف عن مستوى عال من الغطرسة وكذا الجهل بالشريعة الإسلامية ومحاولة تسخير الأدلة الشرعية لمقاصد التنظيم وليس العكس.
* ما التناقضات التي تضمنها البيان الصادر عن تنظيم القاعدة حول هذه الجريمة الشنيعة¿
– من البديهي أن العنصر الذي يتم تكليفه بعملية من عمليات التنظيم قد مر بالكثير من مراحل الإعداد والتجهيز حتى يصبح مؤهلاٍ للعملية .. لكن تبرير الخطأ الذي جاء في خطاب الريمي والذي ذكر بأنه تم التأكيد للمهاجمين بعدم استهداف المستشفى والمصلى (فتنبه لذلك ثمانية من إخواننا ولم ينتبه أحد إخواننا) مع أن قتل الأبرياء من النساء والرجال ليس ضمن منهج التنظيم باعتبارهم ليسوا مقاتلين هذا الأمر لا يحتاج إلى تأكيد أو تنبيه من القائد لأفراد الخلية فهو مسألة لا يكاد يجهلها عوام المسلمين .. ثم إن مشاهد القتل التي كان يقوم بها هذا المجرم (المخطئ بلغة الريمي) تكشف عن وضعية وحالة نفسية وطبيعية لدى القاتل ولم يكن واقعاٍ في إشكالية التمييز بين المستهدفين بل كان يتلذذ بالقتل حتى أنه كان يوجه رصاصة إلى الرأس ليكون الموت محققاٍ في الضحية.
* كونك خبير في شؤون الجماعات الإرهابية .. كيف ترى إعلان القاعدة استعدادها لدفع الديات والتعويضات لما حصل في جريمة مستشفى العرضي¿
– أبدى الريمي الاستعداد لدفع الديات والتعويضات والعلاج وغير ذلك مما يؤكد امتلاك القاعدة أموالاٍ ضخمة تم تحصيلها من عمليات الاختطافات التي قام بها التنظيم واستلم مقابل الإفراج عن المختطفين مبالغ ضخمة وصل بعضها بحسب تقارير عربية إلى 20 مليون دولار تم دفعها كفدية من بعض الدول فضلاٍ عن ما تم الاستيلاء عليه من أموال حين استطاعت القاعدة بسط نفوذها على بعض المناطق وتحويلها إلى إمارات يديرها التنظيم ويتحكم بكل مقدراتها.
* في هذا البيان ذكر (الريمي) بأن القاعدة ستستهدف أي وزارة أو معسكر أو أي ثكنة عسكرية أو (غير ذلك) يثبت للمجاهدين أنها تتعامل مع الطيران الأميركي ما المقصود (بغير ذلك)¿
– لنضع خطاٍ تحت (غير ذلك) التي كررها الريمي فمن الممكن أن تكون مدرسة أو منزلاٍ وما شابه ذلك فقط بمجرد أن يثبت لديهم أنه موقع للتجسس بحسب رأيهم ويتعامل مع الطائرات الأميركية فأنه (هدف مشروع) ثم إنه بحال استهداف ذلك الموقع وظهر لهم بأن المعلومة التي حصلوا عليها كانت (خطأ) فإن مجرد الاعتذار وتقديم التعازي تكفي فهم يربطون واقعهم بواقع مخالف تماماٍ فأعمالهم لا شأن لها بالإسلام من أي جانب.
* برأيكم لماذا تم تنفيذ هذه العملية الإجرامية في هذا التوقيت¿
– لقد صعد تنظيم القاعدة من عملياته بشكل غير مسبوق لا سيما خلال المرحلة الانتقالية التي تعيشها اليمن مع انعقاد الحوار الوطني الشامل والجهود المبذولة لإخراج البلاد من أزماتها الخانقة فصار التنظيم أكثر شراسة وهو يترقب نتائج الحوار ويرصد لعملية هيكلة الجيش وعمليات إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها خلال عقود مضت وتسببت بحالة الضعف والتفكك التي تمنعها من القيام بكافة واجباتها وحماية البلاد من كافة المهددات والمعوقات والتي يأتي تنظيم القاعدة في مقدمتها.
* برأيكم إلى ماذا تستند القاعدة في هذا العمل الإجرامي الذي لا يميز بين الجندي والأطباء والممرض والمرضى وحتى الأطفال خصوصاٍ¿
– هم يعتبرون أنفسهم أصحاب مشروع ودعاة للإسلام ويريدون إقامة خلافة إسلامية لذا فهم يعتبرون الدولة الحالية كافرة ومن منطلق بأن هؤلاء الأطباء يتعاونون مع وزارة الدفاع فهم يعينون الكفر بحسب رأيهم وهذه العملية الإجرامية أثبتت بما لا يدع مجالاٍ للشك بأن هؤلاء ليسوا دعاة للإسلام وليسوا أصحاب مشروع خلافة إسلامية فالإسلام حرم قتل النفس وإراقة الدماء فهم بعيدون كل البعد عن تعليمات ديننا الحنيف.
* ما الأسباب التي قادت الإرهابيين إلى الوصول إلى هذا الحد من الإجرام¿
– تنظيم القاعدة أعلنها حرباٍ مفتوحة توعد بها الرئيس عبدربه منصور هادي منذ الأيام الأولى من انتخابه في فبراير 2012م واعتمد التنظيم استراتيجية تنويع الأهداف ما بين أهداف فردية من خلال اغتيال القيادات العسكرية ورجال الأمن إلى هجمات على معسكرات ونقاط ومبان أمنية مع توسيع البقعة الجغرافية لتمثل عدة محافظات بما فيها العاصمة صنعاء وبأساليب إجرامية جديدة ليبعث برسالة مفادها بأن التنظيم رقم صعب ولا يمكن للرئيس هادي التخلص منه.
* ما تقييمك لواقع الجيش اليمني بعد هذه الضربات التي تستهدفه ولماذا تستهدف الجيش بهذه الصورة¿
– واقع الجيش أظهرته عدد من الحقائق وأهمها تكرار مشاهد الاغتيالات على الضباط والأفراد كذلك تعرضه للعمليات الإرهابية الكبيرة كعملية استهداف معسكر المنطقة العسكرية الثانية بحضرموت وعملية الهجوم على مجمع وزارة الدفاع وهذه العمليات تحمل صفات (نوعية) من حيث الإعداد والتنفيذ كما تؤكد وجود (اختراق) ولطالما تغنى تنظيم القاعدة في بياناته التي يكشف فيها عن مسؤوليته عن هذه الهجمات متوعداٍ بالمزيد منها وكأنه يختار أرض المعركة والزمان المناسب واستهداف الجيش باستمرار يهدف من خلاله تنظيم القاعدة إلى خلق مناخات محبطة للمواطن اليمني وفقدان ثقته بالجيش والأمن كما أنه يعتبر حربه ضد الجيش معركة بين الإسلام والكفر.
* يقول بعض المحللين أن القاعدة مخترقة من بعض القوى السياسية التي تتصارع في البلد ما يمكن عناصر هذه القوى من تحويل مسار العمليات الإرهابية لمصلحتها .. ما هو تعليقكم على هذا الطرح¿
– تنظيم القاعدة يستثمر الخلافات السياسية بين الفرقاء السياسيين وكلما اقترب موعد الانتهاء من مؤتمر الحوار تصعد القاعدة عملياتها فمن مرامي القاعدة تكريس الخلاف السياسي وبالتالي توسيع الفوضى الأمنية وإضعاف المؤسسة العسكرية والأمنية وإظهارها بصورة العاجز عن الدفاع عن الأمن والاستقرار وعن نفسها وهو بذلك يهدف إلى خلق مناخات محبطة للمواطن اليمني وفقدان الثقة بالقيادة السياسية وبالجيش والأمن وإضعاف هيبتها أيضاٍ وسيبقى خطر هذا التنظيم طالما ظل الجيش والأمن بؤر صراع ومكايدات تدفع بالبلاد نحو الهاوية لا قدر الله.
* هل نجحت الهيكلة في إعادة توحيد الجيش وما الذي ينقص الجيش في هذه الظروف العصيبة¿
– دون شك أن الرئيس هادي يبذل كل ما لديه من قوة لاستكمال هيكلة الجيش ويستعين بخبراء عسكريين ومتخصصين بهذا الشأن للوصول بالجيش إلى وضع مستقر بعيد عن الانقسامات وتعدد الولاءات التي عصفت به وأضعفته بحيث تكون المؤسسة الأمنية والعسكرية مبنية على أسس حديثة ومتطورة ويكون مبدأ حماية اليمن ومواطنيه هو الأساس وليس حماية الحاكم والدفاع عن السلطة لهذا أصدر الرئيس عدداٍ من القرارات الرئاسية بإعادة هيكلة الجيش.
وفي المقابل يقوم تنظيم القاعدة بمحاولة استباق زمني ويصعد من عملياته المستهدفة للجيش والأمن قبل أن يستكمل الرئيس كافة جوانب الهيكلة وتقوية الجيش ومن خلال الثغرات الأمنية التي بدت واضحة في العمليات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة على مواقع ومعسكرات في أكثر من محافظة مما أكد وجود اختراقات خطيرة داخل بنية الجيش والأجهزة الأمنية لذا فإنه قد بات من الضروري الإسراع في عملية الهيكلة في وتنقية القوات المسلحة من الولاءات غير الوطنية وإعادة بنائها وفق أسس مهنية ووطنية وهيكلية حديثة.
* إلى أي مدى نجح الرئيس هادي في رأب الصدع في المؤسسة الأمنية¿
– التحديات التي تواجه الرئيس هادي كبيرة جداٍ وهو العامل الرئيسي الذي جنب اليمن الكثير من الويلات وهو يسعى جاهداٍ لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي سيضع الحل للمشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد لإدراكه الشديد بأن الاختلال السياسي يعد العامل الأبرز في عدم تماسك المؤسسة الأمنية والعسكرية وقد استطاع الرئيس هادي إنهاء انشقاق الجيش في أحلك وأصعب الظروف بل وأنهى سيطرة تنظيم القاعدة ومن يسمون أنفسهم أنصار الشريعة على محافظة أبين وهذا في حد ذاته أعاد الثقة إلى نفوس المواطنين بقدرة القوات المسلحة على الدفاع عن الوطن إلا أن المؤسسة العسكرية والأمنية يتم استهدافها بأساليب جديدة وبالتالي تحتاج إلى عملية إصلاح وتأهيل سريع.
* ما تفسيرك لدخول بعض الأجانب من الجنسيات المختلفة في تنفيذ تلك العمليات الإرهابية في اليمن وما علاقة ذلك بمحاولة إفشال التسوية السياسية¿
– هذا دليل إضافي لكون الذي يقف وراء العملية هو تنظيم القاعدة فالتنظيم لديه أعداد وفيرة من عدة جنسيات ويأتي في مقدمتهم السعوديون الذين يشكلون نصف التنظيم وهيكلة سواءٍ في القيادة أم الأتباع كما أن وجود نسبة أعلى من السعوديين في العملية جاء انتقاماٍ للعديد من العناصر السعودية التي تم القضاء عليها مؤخراٍ وفي مقدمتهم نائب أمير التنظيم (سعد الشهري) كما يفسر ذلك حالة الوحشية التي جرت في مستشفى العرضي والقتل بدم بارد للنساء والمرضى والأطباء والطبيبات.
* ما مدى التأثير الذي لحق باليمن من العمليات الإرهابية وهل تعتبر القاعدة التحدي الأول الذي تواجهه البلاد¿.
– نعم .. سيبقى هذا الجسم الغريب – تنظيم القاعدة – يشكل أهم التحديات التي تواجه اليمن ويحول دون أي استقرار وتنمية حقيقية وإلى الآن دفعت بلادنا الثمن باهظاٍ نتيجة العمليات الإرهابية حيث تقدر الأمم المتحدة خسائر البلاد بـ 50 مليار دولار وعلينا أن ندرك بأن محاربة الإرهاب والتطرف مطلب مجتمعي وسيبقى الخطر ماثلاٍ طالما تم تنحية مخاطر تنظيم القاعدة من أولويات الحكومة وعجزها عن إيجاد خطط تنموية واقتصادية واجتماعية وتربوية شاملة وسيبقى خطر التنظيم طالما ظل الجيش والأمن رهن الصراع السياسي والمكايدات.
* أخيراٍ كيف ترى الوضع العام في اليمن¿
– الوضع العام في اليمن يبدو معقداٍ ويزداد تعقيداٍ مع استكمال جلسات مؤتمر الحوار الوطني ونجاحه في تقديم الحلول المرجوة منه لإخراج البلاد من حالة الفوضى الأمنية والانقسامات ومواكبة النجاح السياسي في مؤتمر الحوار سيناقشها القيادة السياسية لتتمكن استكمال الهيكلة العسكرية والأمنية بما يقطع الطريق على كل المشاغبين والساعين لإغراق اليمن في الأزمات والحروب وفي مقدمتهم (تنظيم القاعدة) الذي سيكون في أضعف حالاته إذا تمكن اليمنيون من بناء دولة مدنية حديثة بل سيتلاشى الإرهاب وستجفف منابعه بإذن الله تعالى.

قد يعجبك ايضا