التهريب إلى الخارج .. والمتاجرة بالأعضاء .. وراء تفاقم الظاهرة


تحقيق / أسماء حيدر البزاز –
> نفسيون: دوافع العنف والانتقام والصدمة النفسية والعقلية تقود إلى جريمة الاختطاف

> مراقبون: غياب الوعي المجتمعي وضعف التشريعات الوطنية سبب رئيسي

> وزارة حقوق الإنسان: تنفذ برامج توعوية لتأمين حياة الطفل من الانتهاكات

الطفلة ك – أ- أ في ربيعها الرابع عشر لم تكن تعلم أسرتها بأن يوم 20/12/2013 م هو يوم تغيب فيه صغيرتها لتدخل رحلة المجهول بعد أن تم اختطافها بواسطة سيارة هيونداي بدون أرقام من جوار مدرسة إخوان ثابت الكائنة في منطقة السبعين في ظروف غامضة بحسب البلاغ المقدم للشرطة لتْخلف الواقعة مأساة وفاجعة تنذر بكارثة إنسانية تقف وراءها عصابات إجرامية ويؤكد ذلك ارتفاع ملحوظ للظاهرة بدون حسيب ولا رقيب !!

>> الطفلة البريئة (ساترين) إبنة المحامي المعروف عبدالملك أحمد المتوكل لم تسلم هي الأخرى من بطش عصابات الخطف والإجرام بعد أن تم اختطافها من أمام مدرسة عائشة بأمانة العاصمة (منطقة الثورة), وبعد جهد البحث والعناء والصدمة التي لحقت أسرتها رفعوا يد الرجاء للسماء واكتفوا بمناشدتهم للحكومة والأجهزة الأمنية مطالبين باتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة والسريعة لضمان استعادة الطفلة من خلال متابعة خيوط الجريمة وكشف وضبط الجناة في أسرع وقت.
فاجعة تعز
الجريمة البشعة التي لحقت منذ أيام بالطفل اليتيم سفيان العديني -12 عاما ” الطفل البريء المجتهد ذو الابتسامة الجميلة والأخلاق الحسنة , والمحبوب بين زملائه وأقرانه والمتفوق في دراسته حسب وصف جيرانه إلا أن أرباب الإجرام من الوحوش البشرية اغتالوا طفولته وبراءته بعد خطفه والاعتداء عليه ثم شنقه بقطعة قماش على عمود كهربائي , في جريمة لا أخلاقية ولا إنسانية هزت تعز بل الإنسانية لتخرج جموع الغضب في حي الظاهرية بمحافظة تعز منددة ومستنكرة بالانفلات الأمني الذي يدفع ثمنه فلذات أكبادنا بلا سبب ولا ذنب ومطالبة بإنزال أشد العقوبات لمرتكبي الجريمة وهو الحد الشرعي شنقا في نفس المكان الذي شنقوا فيه الطفل سفيان .
حالة حرجة
فيما كان مصير الطفلة المختطفة ريماس اسكندر من أمام منزلها في شارع تعز بالعاصمة صنعاء العناية المركزة في أحد المستشفيات بعد ثلاثة أيام من اختطافها , فبعد إن ضيقت الأجهزة الأمنية الخناق عليهم والتعميم على المطارات والمنافذ ونشر التحريات في المناطق المشتبهة , فضلا عن التفاعل الإعلامي والشعبي الكبير مع القضية جعل الخاطفين يضطرون لإعادة الطفلة ذات العامين وتركها جوار جامع قرب منزل والدها ليعثر عليها حارس الجامع الساعة التاسعة صباحا وهي في حالة غيبوبة وحرجة للغاية, ليجرى الكشف الأولي على الطفلة ويتبين تدهور شديد في حالتها الصحية وشبه توقف لكليتيها .
حوادث الاختطافات المتكررة بشكل يومي قد تصبح ظاهرة بالفعل حيث توثق المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر بقيادة رئيسها نبيل فاضل, حالات الاختطاف والاتجار ببعضها إذ تقوم المنظمة بدور بارز بمساعدة الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض على الجناة وتسليمهم للعدالة .. وهذا أمر يبعث على الأمل.
شبكات منظمة
وعن دور الأجهزة الأمنية في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم كشف لنا مصدر أمني عن تمكن الأجهزة الأمنية من ضبط شبكة مكونة من ثلاثة أشخاص من أصحاب السوابق وبحوزتهم ثمانية أطفال تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة والثالثة عشرة من العمر .. موضحا أنه بعد اختطافهم يتم استغلالهم وفي أعمال السرقة وتهريبهم للمتاجرة بهم إلى الخارج وأفاد المصدر بأن عمليات البحث والتحري استمرت لوقت طويل تمكنت خلالها الأجهزة الأمنية من ضبط أعضاء الشبكة ومداهمة وإغلاق عدد خمسة من محلات الانترنت المتورطة في تلك الجريمة وكذا مداهمة بعض اللوكندات ذات العلاقة وتشير المعلومات الأولية إلى أن الشبكة كانت تستدرج بعض ضحاياها عبر شبكة الانترنت وإنها كانت تمارس ضغوطات على الأطفال وأن أفراد الشبكة هم من أصحاب السوابق.
دوافع
من جهته يقول رئيس منظمة رواد لحقوق الإنسان في اليمن مهدي بلغيث : إن ظاهرة اختطاف الأطفال جريمة بحق الطفولة والإنسانية وهي ظاهرة دخيلة على المجتمع اليمني بدأت تنتشر بشكل مخيف ينذر بضياع العادات والتقاليد الحميدة في نفوس مرتكبيها مذ كانت تلك القيم تجرمها وتنبذ أربابها.
موضحاٍ أن البلاغات التي تصل للمنظمة عن حالات اختطاف للأطفال هي لدوافع انتقامية بين طرفين متنازعين الهدف منه هو الثأر أو في حالة الزواج المختلط بقيام أحد الأطراف بخطف الأولاد والعودة بهم إلى بلده وحرمان الآخر منهـم وعرفت هذه الظاهرة انتشارا فائقا بسبب تزايد الهجرة مما أدى إلى ارتفاع عدد الأطفال المخطوفين.
ويضيف بلغيث: إلى جانب ذلك تأتي حالات الاختطاف التي يكون سببها عامل الشذوذ الجنسي ويكون أكثر عرضة له الأطفال الضحايا مما يفاقم حجم المأساة في ظل التدهور الأمني الحاصل في البلاد, ولهذا عمدنا إلى إقامة البرامج التوعوية والتثقيفية بمراقبة الأبناء وعدم تركهم بمفردهم عند الخروج من المنزل ومعرفة أقرانهم والإشراف على البرامج التي يتابعونها وزيارتهم بشكل دوري للمدرسة حتى لا يقعوا فريسة سهلة بيد عصابات وشبكات الاجرام .
تأمين الحياة
بعد ذلك كانت وجهتنا نحو وزارة حقوق الإنسان, حيث أفادنا الناطق الإعلامي بالوزارة عبد السلام الدروبي إن الجانب الإعلامي والتوعوي الخاص بالوزارة ينشط في مجال التثقيف المجتمعي للأسر في حماية أبنائها من جرائم الاختطاف وتخصيص برامج للأطفال في كيفية التعامل مع الغرباء والتعاون مع منظمات دولية بارزة في تأمين حياة الأطفال من الابتزاز والمساومة والصراعات التي لا ناقة لهم بها ولا جمل أو الوقوع كضحايا جرائم جنائية جسيمة .
عقوبات رادعة
وعن العقوبات المترتبة على جرائم اختطاف الأطفال في التشريع اليمني يفيدنا القانوني والمحامي الدولي حميد الحجيلي بالقول: إن التشريع اليمني ينص بجلاء ووضوح على حظر أي شكل من أشكال الاختطاف ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة حيث نصت المادة (252) من قانون العقوبات اليمني (كل من خطف طفلاٍ حديث العهد بالولادة أو أخفاه أو يدل به غيره أو عزاه زوراٍ إلى غير والديه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات) بالإضافة إلى أن قانون مكافحة جرائم التقطع والاختطاف اليمني قد نصت المادة (2) منه على :(إذا وقع الخطف على أنثى أو حدث تكون العقوبة الحبس مدة عشرين سنة وإذا صاحب الخطف أو تلاه إيذاء أو اعتداء كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن خمسة وعشرين عاماٍ وذلك كله دون الاخلال بالقصاص أو الدية أو الإرش على حسب الأحوال وإذا صاحب الخطف أو تلاه قتل أو زنا أو لواط كانت العقوبة إعدام) كما نصت المادة (5) من ذات القانون (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن أثنتي عشرة سنة كل من احتجز أي شخص كرهينة وذلك بغية التأثير على السلطات العامة في أدائها لأعمالها أو الحصول منها على منفعة أو مزية من أي نوع له أو لغيره وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة إذا استخدم الجاني القوة أو العنف أو التهديد بها).
عدم الانصاف والمماطلة
وقال الحجيلي : إن هذه الجريمة كافحتها كل القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية, فهذه الظاهرة ليست أمنية فحسب وإنما هي بحاجة إلى وعي وتنسيق اجتماعي لتضييق الخناق على محاولات الاختطاف التي أصبحت تتم على الطريقة الهوليودية, مؤكداٍ أنه ينبغي في إطار مناقشة هذه الظاهرة الانتباه إلى ارتفاع نسبة العزوبية والبطالة والترويج لثقافة الدعارة في مختلف الفضائيات الإباحية مقابل الافتقار إلى ثقافة جنسية إسلامية مما يستدعي إيجاد تكامل اقتصادي وقانوني وتربوي لمواجهة آفة اختطاف الصغار .
مضيفا : بأن المماطلة في الأحكام القضائية أحد أهم الأسباب وراء حالات الاختطاف حيث يلجأ الطرف الأضعف والمظلوم إلى الإقدام على اختطاف ابن أو قريب الطرف الأقوى الظالم بغية أن يعيد إليه حقه بعد أن أصبح اللجوء إلى القضاء أمراٍ غير ذي جدوى .
استراتيجية وطنية
القاضي الدكتور هيكل أحمد عثمان مساعد رئيس هيئة التفتيش القضائي لشؤون القضاء المختص وأستاذ في المعهد العالي للقضاء أكد على ضرورة وجود استراتيجية وطنية إرشادية وتوعوية تعمل على توفير بيئة آمنة للأطفال الضحايا في اطار مؤسسات الرعاية لضمان حصولهم على خدمات الدعم النفسي والاجتماعي وخدمات اعادة التأهيل وفرض سياسة متكاملة تبدأ بتشريعات ونصوص دستورية صارمة ضد أي انتهاك لحقوق الطفل كمصدر الزام للدولة وكل الجهات المعنية بحماية حق الطفل اليمني من أي انتهاكات, مع ضرورة تسليط الضوء على أهمية دور كل من المدرسة والأهل ووسائل الإعلام والمرشدين الدينيين في التوعية .
آثار نفسية
ولأساتذة علم النفس والاجتماع حديثهم عن تداعيات هذه الظاهرة الخطيرة وأسبابها حيث ترى الدكتورة فاتن عبده محمد – أستاذة علم النفس بجامعة صنعاء: إن اختطاف الأطفال ظاهرة مرضية نفسية عقلية , ناتجة عن أسباب عدة, منها أن من يرتكب هذه الجريمة عانى في حياته ظروفاٍ طفولية كانت مؤلمة مثل هتك عرضه وتعذيبه وغير ذلك من الانتهاكات غير الأخلاقية لذا فهو ينتقم من غيره لنفسه عن طريق الانتقام بالمثل لهؤلاء الأطفال الضحايا الأبرياء .
وترى أن السبب الأكبر والأهم يتمثل في انتشار المخدرات وغيرها التي تؤدي إلى ارتكاب أعمال عنف مختلفة بحق الأطفال أبرزها اختطافهم وانتهاك براءتهم إلى جانب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والوضع الأمني الذي تشهده البلاد لما لذلك من أثر بالغ في ارتفاع وتيرة الاختطاف !!.
مصير الضحايا
الدكتورة أمانة الشريف – اختصاصية في علم الاجتماع فقد تحدثت عن الآثار الاجتماعية المترتبة على هذه الظاهرة على الطفل الضحية والمجتمع ككل قائلة : إن بروز ظاهرة الاعتداء على الأطفال واختطافهم يعود في المربع الأول إلى اضطراب المجتمع وعدم استقراره نتيجة لإفرازات المرحلة الانتقالية التي كان الانفلات الأمني هو المتصدر فيها, الأمر الذي أعطى الضوء الأخضر لتفشي ظواهر إجرامية عدة أبرزها الاختطافات والتي قد تندرج ضمن جريمة الاتجار بالبشر واستخدام الأطفال في والتسول والاتجار بأعضائهم .
مستعرضة الآثار والتداعيات الناجمة عن هذه الظاهرة على واقع الطفل الضحية الذي تعرض للاختطاف ومن ذلك القلق النفسي وما تلحقه من آثار بعدية تؤثر بشكل كبير على تكوين شخصيته المستقبلية التي قد يغلب عليها طابع العنف والانتقام وما تصحب شخصيته من حالات الفزع والخوف البسيط واضطرابات في النوم والشعور بالعصبية وعدم الإحساس بالأمان وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالتهديد والضياع والعجز وشعور النقص والمهانة والاضطراب النفسي والعقلي والصدمة النفسية الطويلة الأمد.
مؤكدة على ضرورة وجود حملة وطنية مجتمعية لحماية الطفل من جميع أشكال العنف والضرر أو الإساءة البدنية وجرائم الاعتداءات الجنسية وعمل مراكز تأهيلية لضحايا الاختطاف .

قد يعجبك ايضا