درس في الأخلاق ..

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

كالعادة حاولت قنوات الدفع المسبق المأجورة توظيف ما ورد على لسان الأخ محمد علي الحوثي – عضو المجلس السياسي الأعلى، بطريقة انتهازية ساذجة اعتبرت الكلام إقراراً بالفعل الذي حدث في مارب ، في حين أن كلامه واضح أراد من خلاله أن يُقدم درساً عالياً في الأخلاق وأن يُفهم المرتزقة أن الخطأ وارد في مثل هذه الحروب الطاحنة ولا يُستبعد أن يحدث فيها أي شيء، ويتوقع أن تحدث أخطاء وتجاوزات ، لكنه قدم بطريقة أخرى نموذجاً راقياً جداً في الأخلاق والتمسك بالقيم والمشاعر الإنسانية عندما طالب بلجنة دولية محايدة للتحقيق ووعد بتقديم التعويضات اللازمة إذا تأكد أن صاروخ الجيش واللجان الشعبية هو الذي تسبب في الحادث ، وأنه أخطأ الهدف الذي أطلق من أجله.
الموقف من حيث المبدأ كشف عن مستوى المصداقية العالية والشفافية التي لا تتحرج في الحديث عن أي خطأ، وتستعد لمعالجته إذا ثبت أنها من تسببت فيه ، لكن أولئك المتربصين القابعين في دهاليز الارتزاق بما في ذلك “العرادة” كلهم تدافعوا لاستغلال التصريح واعتباره إقراراً بالجُرم، ولم تكتف بعض القنوات بذلك لكنها تعمدت خلط الأوراق من خلال الربط بين موقف اليمن الراسخ من القضية الفلسطينية والحادث في مارب ، لا لشيء إلا لكي تخدم الصهاينة وتتعمد تشويه صورة المقاومة الفلسطينية بالذات حماس التي تعتبرها السعودية سيدة هؤلاء الناس وصاحبة قرارهم الحقيقي “منظمة إرهابية” واعتبروا أن تسليم درع المقاومة لعضو من أنصار الله مباركة لما حدث في مارب ، هنا قمة السخرية!! تدفعني إلى القول “ليت العقول تشترى” القول الذي تردده النساء عندما تشاهد مجنوناً في الشارع عاري الجسد ، وهؤلاء بالفعل قد تعروا من كل شيء حتى من الأخلاق والقيم وأصبحوا خُداماً لأسيادهم ، لذلك لا يترددون عن المجاهرة بمثل هذه المواقف كي يرضى عنهم أسيادهم ، الحقيقة أن المواقف تداخلت في هذا الجانب وامتدت إلى دول ومنظمات للأسف لم نسمع أنها تأثرت يوماً بالمآسي الكارثية التي تسبب فيها طيران العدوان السعودي ، فالسفير البريطاني مثلاً لم يتحدث عن أي جريمة ولم يصفها أنها مروعة رغم أنها أدت إلى قتل مئات الأطفال والنساء ، والسفير الأمريكي كذلك لم يُصب بالصدمة أمام حافلة الأطفال في ضحيان وجريمة الصالة الكبرى وغيرها من الجرائم المروعة فعلاً، ولم نسمع صوته أمام أي جريمة من الجرائم التي يهتز لها الضمير الإنساني ، واليوم كلهم يتحدثون عما جرى في مارب !! ويخلعون عليها الأوصاف قبل أن يتأكدوا مَنْ الجاني ومَنْ المتسبب ، وهذا هو حال المواقف الدولية المهزوزة التي تخدم دائماً المصالح الذاتية وفي سبيل ذلك تتاجر بكل شيء حتى بالقيم التي تتشدق بها .
الحقيقة أننا جميعاً لا نقبل مثل هذه الحوادث ونرفض تماماً حشر المدنيين في ما يجري ، إلا أننا نستغرب كيف يتصرف هؤلاء بمعايير مزدوجة؟! رغم أن تصريحات الحوثي قد قدمت الدليل الكامل على الاستعداد لتحمل المسؤولية في حالة ثبوتها، إلا أن المدعو “العرادة” أو “المعراد فاقد الإرادة” لم يقتنع بهذا الكلام ولم يُدرك أن هذه الأخلاق وهذه القيم هي التي أجلت حسم المعركة في مارب ، وأنه استفاد منها من خلال حشره للنازحين وتحويلهم إلى متارس بشرية للحيلولة دون وصول الجيش واللجان الشعبية إلى أهدافهم المرسومة وتأجيل الحسم ، وهذا هو حال هؤلاء الناس الذين يعتبرون الالتزام بالأخلاق والقيم نكرة وغير مقبولة مع أنها تعبر عن القوة المعنوية واستقلال الإرادة وامتلاك ناصية القرار ، بينما مواقفهم المهزوزة تعبر عن التبعية المطلقة والاستعداد المبالغ فيه لخدمة الأعداء بما في ذلك العدو الصهيوني .
هنا تحدث المفارقة العجيبة التي كان على العرادة وأمثاله أن يفهموها ويستفيدوا منها كما استفادوا من تأخير عملية الحسم للمعركة الجارية في مارب عبر توظيف النازحين المساكين المغلوبين على أمرهم ، أما السفراء فلا نقول لهم إلا أين المصداقية وأين الأخلاق والقيم؟! أم أن المشاعر الإنسانية قد تكلست والأخلاق والقيم انعدمت وأصبحت معروضة للمتاجرة والدفع المسبق كما هو حال القنوات الآثمة، لعل من مزايا هذا العدوان وفوائده أنه كشف الكثير من الخفايا عن انحدار الأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية للدول العظمى التي تتباهى بحماية حقوق الإنسان، بينما نجدها في ميادين عملية تنحاز للمصلحة وإلى من يترجم هذه المصلحة ، كما هو الحال في فلسطين الجريحة التي تكابد الأمرّين وتصطلي بنار الأعداء، بينما المسلمون لا تتجاوز مواقفهم وردود أفعالهم مستوى الإدانة والتنديد، ولا يقفون عند هذا الحد لكنهم يحاولون التشكيك بمواقف الآخرين الصادقة، وبالذات دول محور المقاومة، وهذا يجعلنا نتساءل بمرارة: لماذا كل هذا الهوان؟! لماذا حوّل النفط وأمواله المدنسة دولاً بذاتها إلى مسخ بشري وأوجد أعداء لكل ما هو إنساني وعظيم؟! الأسئلة كثيرة لكني أختم بالقول :
تلك أخلاقنا تدل علينا فلتقلي بما يباهي العرادة
والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا