عاماً بعد آخر تتكشف مطامع دول العدوان في الجزر والسواحل اليمنية، فمنذ انطلاق العدوان على اليمن 2015م، تحولت الإمارات إلى دولة احتلال تنفذ أجندات سيدها الأمريكي وحليفها الإسرائيلي، مواصلة العبث في المناطق والأجزاء الحيوية والاستراتيجية في اليمن .
تحاول أبوظبي اليوم استنساخ سيناريو الهيمنة الذي نفذته في جزيرة سقطرى في جزيرة ميون الواقعة في قلب مضيق باب المندب، والتي تربط بين البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.الثورة / محمد شرف
واعترف تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي، ببناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون ، مقدما مغالطات وتبريرات واهية لهذا الوجود العسكري في الجزيرة.
التحالف – الذي تآكل وتشظى- لم يكشف في بيانه الأخير عن هوية القوات المتواجدة في القاعدة العسكرية في الجزيرة، ما يُشير إلى أن الرياض وأبوظبي ليستا سوى مجرد غطاء وأداة لتمرير مخططات العدوان الحقيقي التي تقف وراءه محركا وداعما، أمريكا وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، التي كشفت عن وجود القاعدة الجوية واصفة إياها بـ(الغامضة)، تعمدت في تقريرها إخفاء الدور الأمريكي – الإسرائيلي في الوجود الاستعماري في الجزيرة الذي بدأ أواخر 2015. فواشنطن و(تل أبيب)، تدركان ما للسيطرة على جزيرة ميون من أهمية في حماية مصالح الولايات المتحدة وضمان أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث اكتفت الوكالة بالإشارة إلى وقوف الإمارات وراء إنشاء القاعدة الجوية في الجزيرة، مُتجاهلة أي دور أمريكي في هذا المخطط الاستعماري.
في سباق الأجندات والمصالح؛ كان باب المندب على رأس أطماع الولايات المتحدة، كونه يشكل أهم ممر يربط البحر العربي بالأحمر ويشرف على أهم الطرق الدولية التي تصل شرق العالم بغربه.
وهذا ما يُفسر تحرك تحالف العدوان في اتّجاه باب المندب بتوجيه وإشراف من القيادة المركزية الأمريكية، بعدما أعلن الجانب الأمريكي، في النصف الثاني من العام 2015م، جزيرة ميون منطقة عسكرية مغلقة، ممهّداً بذلك لمشروع قاعدة جوّية تتحكّم في مضيق باب المندب، وتشرف عليها كلُّ من الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي، بغطاء إماراتي، لتكونَ إحدى نقاط الارتكاز في عمليات التحشد الاستراتيجي الأمريكي لمواجهة إيران وروسيا والصين.
وخلال النصف الأخير من عام 2016م، بدأ العمل الأمريكي – الإسرائيلي، عبر أبو ظبي، على إنشاء القاعدة، بدءاً من بناء مدرج للطائرات بطول 2000 متر أُنجز أواخر عام 2017م. ولكن قدرات المدرج كانت محدودة، وهو ما استدعى بناء مدرج آخر، وأنشئ فعلياً بعد عَقْد الرياض مؤتمراً أطلقت عليه “تعزيز أمن البحر الأحمر” في عام 2018م، بمشاركة عدد من الدول، من بينها مصر.
وبحسب تقارير صحفية، فقد أقامت دول العدوان أكثر من ثمانية مدارج عملاقة في الجزيرة، واستبدلت المدرج الخاص بالطائرات الحربية الذي سبق إنشاؤه بمدرج أكبر لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الطائرات مع مرابضها”، بالإضافة إلى غُرف عمليات عسكرية، يتواجد فيها عناصر من عدد من الدول (سعوديون وإماراتيون وبريطانيون وأمريكيون)، تمّ نقل بعضهم إلى الجزيرة مطلع العام الجاري، عبر مروحية إماراتية، من ميناء عصب الإريتري.
فيما قالت صحيفة جيروزاليم بوست التابعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، إن التطبيع بين “إسرائيل” ودول تحالف العدوان السعودي الإماراتي يجعل لـ “إسرائيل” مصلحة مباشرة في العدوان على اليمن، أكثر من أي وقت مضى.
وأشارت الصحيفة إلى أن تقارير تؤكد نوايا سابقة للولايات المتحدة لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون بالقرب من مضيق باب المندب .
وقالت الصحيفة إن “إسرائيل” والسعودية والإمارات تعتبر المضيق ذا أهمية استراتيجية رئيسية في ضمان الوصول إلى المحيط الهندي وما وراءه.
الأهمية الاستراتيجية لجزيرة ميون
استراتيجياً؛ تقع جزيرة ميون، والتي تُسمّى (جزيرة بريم) في منتصف مضيق باب المندب، وتربط هذه الجزيرة بين البحر الأحمر، وبحر العرب، وكذلك المحيط الهندي، ويُشار إلى أنَّ موقع الجزيرة ساعدها في ربط الشرق بالغرب، وتصل مساحتها إلى ما يُقارب 13 كيلومتراً مربعاً، وتتميز بموقعها الاستراتيجيّ المميز؛ فهي محمية بالجبال، وتحتوي على ميناء طبيعيّ في الجهة الجنوبيّة الغربيّة منها.
وفي فبراير 2017م، كشفت مجلة “جاينز” الأسبوعية المتخصصة في الأبحاث العسكرية، شروع الإمارات في بناء قاعدة عسكرية في الجزيرة، وُنشرت حينها صورة فضائية تبين وجود بناء جديد لمدرج طائرات بطول 3200م على جزيرة ميون .
وفي أبريل 2020م، قامت الإمارات بعزل جزيرة ميون عن محيطها اليمني، بعد احتلالها معتبرة إياها منطقة عسكرية مغلقة.
كما عمدت إلى نقل أجزاء من قاعدتها العسكرية في جزيرة عصب في إريتريا إلى الجزيرة، التي شهدت مؤخرا حركة كثيفة، حيث تم إدخال الكثير من المعدات إليها بواسطة سفن إماراتية، وكذلك نقل الجنود إليها من إريتريا، وإعطاء بعض القوات المتواجدة فيها إجازة، وحصر الدخول والخروج من الجزيرة بأشخاص بعينهم. كما قامت بتهيئة الميناء، وتحسين مهبط الطائرات الذي يبلغ طوله حوالي 3500 متر للسماح باستقبال وإقلاع طائرات الدعم الثقيل. كما تم بناء ثكنات وحظائر للطائرات وأسيجة عبر المنشأة التي تبلغ مساحتها 9 كيلومترات مربعة .
وفي المستجد؛ كشفت وكالة “أسوشييتد برس” الإخبارية، انتهاء أبوظبي من تشييد قاعدة عسكرية في الجزيرة، تضم ثلاث حظائر للطائرات ومهبط للطائرات بطول 1.85 كيلومتر ، تسمح بالسيطرة على باب المندب ومهاجمة الداخل اليمني، وتنفيذ عمليات عسكرية في البحر الأحمر، وخليج عدن ومنطقة شرق أفريقيا القريبة. وبحسب خبراء يمكن أن يستوعب مدرج بهذا الطول طائرات هجومية وطائرات مراقبة وطائرات نقل.
الأطماع الإسرائيلية في باب المندب
يعدّ باب المندب البوابة البحرية الوحيدة للكيان الإسرائيلي نحو الشرق. لذلك، تجد المؤسسة الأمنية لكيان الاحتلال الإسرائيلي نفسها معنيَّة به وفق اعتبارات بالغة الأهمية. فكيان الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على الشحن البحري في معظم تبادلاته التجارية. ووفق صحيفة ” هآرتس”، تجري 90 % من واردات وصادرات “إسرائيل” عبر البحر، و12 % من هذه العمليّات تمرّ في مضيق باب المندب.
من هنا برز اهتمام الكيان الإسرائيلي بباب المندب منذ وقت مبكر؛ فحين انتصرت ثورة الـ21 سبتمبر في العام 2014م، خرج نتنياهو ليُحذّر من خطورة وصول “أنصار الله” إلى باب المندب، وكان ذلك تعبيراً مُبكراً عن الهواجِس من صعود دولة عربية جديدة إلى خطّ الصراع الأول مع الصهيونية.
ومؤخرا؛ كشفت تقارير عن استعانة الإمارات بضباط “إسرائيليين” لتكريس احتلال جزيرة ميون . ونقل موقع إمارات ليكس عن مصادر خليجية قولها إن ضباطاً إسرائيليين يتواجدون في جزيرة ميون بعد استقدامهم مع قوات وميليشيات الإمارات. ورجحت المصادر أن يكون هؤلاء الضباط يعملون في الاستخبارات العسكرية (أمان) وجهاز الأمن العام (الموساد).
وذكرت التقارير أن قيام أبوظبي قامت ببناء مواقع محصنة وإنشاء أنظمة متطورة للرصد والمراقبة في الجزيرة اليمنية الاستراتيجية. إضافة إلى إقامة الإمارات مع الضباط الإسرائيليين قواعد تجسس واستخبارات لرصد الملاحة بحرا وجوا في المنطقة.
وأكدت أن هذه الأنظمة متطورة جدا، وقادرة على رصد أهداف على بعد مئات الكيلومترات. ونبهت المصادر ذاتها إلى جملة من الإجراءات المشددة التي اتخذتها القوات الإماراتية في الجزيرة، تهدف لمنع حصول أي من الأطراف على معلومات عن الضباط الإسرائيليين أو الأعمال التي تقوم بها في الجزيرة.
تضييق الخناق على سكان جزيرة ميون
مارست الإمارات العديد من الإجراءات التي هدفت إلى عزل الجزيرة التي تبلغ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً، عن محيطها اليمني، ضمن محاولة لاقتطاعها وحرمان أي طرف يمني التحكّم بمضيق باب المندب، فعمدت إلى تضييق الخناق على السكان اليمنيين في الجزيرة. ومنذ سيطرة الإمارات ووكلائها على ميون أواخر 2015، فرضت أبوظبي جملة من الإجراءات الهادفة إلى منع الوصول إلى الجزيرة باستثناء قلة في صفوف أدواتها ومليشياتها .
ومع هذه الإجراءات ازدادت حياة السكان تعقيدا وجحيما، فالسكان الذين يبلغ عددهم نحو ربع مليون نسمة تعرضوا لحملات تهجير ممنهجة من قبل القوات الإماراتية والميليشيات الموالية لها. حيث تقوم تلك المليشيات بمداهمة المنازل واستجواب العشرات من السكان الرافضين لسياسة التهجير مما أدى إلى سجن العديد منهم في معتقل تم إنشاؤه لهذا الغرض داخل الجزيرة، وإلقاء التهم على معارضيهم بحجة التهريب ونقل معلومات استخبارية عن تحرُّكات الإمارات وشركائها في الجزيرة.
كما عمدت إلى تضييق خيارات العيش على سكان الجزيرة، فتم منعهم من ممارسة الصيد التقليدي رغم اعتمادهم على الصيد كمصدر رئيسي للرزق . بالإضافة إلى تشجيع الشباب على السفر إلى الإمارات للعمل .
وفي هذا السياق، تقول مصادر حقوقية إن الإمارات سلّمت الجزيرة، عام 2016م، لميليشيات جنوبية موالية لها، حاولت تهجير السكّان الأصليين إلى منطقة ذوباب الواقعة على بعد 25 كيلومتراً من المضيق، فقوبلت تلك المحاولات بالرفض، ما دفع أبو ظبي إلى التراجع عن التهجير القسري تحت ضغط المنظمات الحقوقية.
وكشفت نفس المصادر، قيام مليشيات أبوظبي في الجزيرة شهر مارس من العام الماضي، بالتفاوض مع السكان من خلال إغرائهم بحوافز مالية ومساكن بديلة في مدينة سكنية تمّ بناؤها بتمويل أمريكي- إماراتي في منطقة يختل، بالقرب من مدينة المخا.
مصادر أكدت للصحيفة، إصدار أبوظبي لمليشياتها في الجزيرة تعليمات صارمة بمنع دخول أي مسؤول في السلطة المحلية بعدن المحتلة من زيارة الجزيرة، منذ احتلالها شهر أكتوبر عام 2015م . فيما اكد مواطنون غادروا الجزيرة للصحيفة أن العلم اليمني محرم رفعه في الجزيرة، حيث تم استبداله بالعلم الإماراتي .
المحاولات الاستعمارية للجزيرة
وبالنظر إلى تاريخ هذه الجزيرة، فقد جرت محاولات عدة للسيطرة عليها من قبل العديد من القوى الاستعمارية في المنطقة، كالبرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين.
وكان لـ”إسرائيل” أيضاً محاولات لفرض السيطرة على الجزيرة بعد حرب أكتوبر في العام 1973م، بعد أن فرضت مصر حصاراً بحرياً على “إسرائيل” آنذاك، من خلال إغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية بالتنسيق مع اليمن، وعبر هذه الجزيرة، غير أن كل محاولات السيطرة عليها باءت بالفشل.