كشف العدوان على اليمن كثيراً من الحقائق بعد أن كانت مغطاة ، وفضح ما لم يتوقعه أحد سواء على مستوى المنظمات الإنسانية وشعاراتها الكاذبة أم الدول أم الحكام وكذا على مستوى الأشخاص ، تعالوا بنا لنسرد بعض الأمثلة.
أولاً بالنسبة للمنظمات الإنسانية لم يكن أحد يتصور أنها تقتات من ألم وأسى الشعوب بهذا الشكل البشع إلى أن اعتدى تحالف الشر والظلام على اليمن فسقطت كل الأقنعة واتضحت الحقائق، ولا شك أن البعض كان يدرك انتهازية المنظمات الإنسانية إلا أن الصورة لم تتضح كما هي اليوم .
فمثلاً كان البعض يعلم أن منظمة الغذاء العالمي تنهب أكثر من نصف المساعدات بحجة تغطية النفقات التشغيلية لكننا لم نكن نعرف أن حقارتها ولصوصيتها وصلت إلى الحد الذي يجعلها تقتل المحتاجين بأغذية فاسدة أو منتهية الصلاحية أو كأفضل تقدير توشك على الانتهاء علماً بأنها تحصل على بعض الأغذية مجاناً بينما تدون قيمتها بمبالغ باهظة جدا وكأنها اشترت أغلى الأصناف وليس أرخصها بل إنها كانت أداة لتخليص بعض الدول من الأغذية الفاسدة ولتسويق المنتجات المغشوشة ، كما أننا كنا نعلم أن منظمة الغذاء العالمي وغيرها من المنظمات مرتبطة بسياسة وتوجهات الدول المانحة لكننا لم نتوقع أن ذلك الارتباط يصل إلى الدرجة التي تجعلها وسيلة لتنفيذ أجندات حقيرة لخدمة المانحين سواء في مجال الإحصائية السكانية والمعلومات والبيانات المطلوبة استخباراتيا أو في مجال العمل على تفسخ وانحلال المجتمع ونشر الرذيلة والفساد المالي والأخلاقي .
بمعنى آخر، إن القليل منا كان يدرك قبح هذه المنظمات لكن العدوان على اليمن كشف المستور وفضح للجميع أكثر من كل ما كان متوقعاً .
وبالتأكيد أن هذه المنظمات لم تتحول بشكل مفاجئ إلى شيطان فالشر موجود بداخلها منذ نشأتها كنتيجة حتمية تعكس توجه وأهداف المنشئين لها .
وكمثال آخر بإمكاننا التطرق إلى قبح وسفالة وحقارة منظمة الصحة العالمية التي تاجرت بأرواح البشر واستغلت الأوبئة أسوأ استغلال وظهر قبحها في كل الدول إلا أنه ظهر في اليمن بشكل غير مسبوق حيث استغلت المنظمة حاجة اليمنيين الشديدة للأدوية والمعدات الطبية أقبح استغلال.
فلم يصل إلى اليمن إلا 20 إلى 30 % من إجمالي المساعدات الطبية الفعلية المرصودة والمحددة لليمن ولم يقتصر الدور الخبيث لمنظمة الصحة في نهب الجزء الأكبر من المساعدات الطبية فأيضا لم يصدر عنها أي دعوة أو مناشدة للسماح بدخول المساعدات الطبية المحتجزة في عرض البحر ، كما لم تضغط لوصول المشتقات النفطية إلى المشافي والمراكز الصحية رغم الكارثة الصحية التي تسبب بها العدوان باحتجاز سفن الوقود منذ أكثر من عام ، ولا ننسى بأن المنظمة وضعت لوزارة صحة حكومة الإنقاذ شروطاً مجحفة وغالبا ما كانت شروطاً تصب في خدمة العدوان، وهذا ما أوضحه وزير الصحة في إفادته لمجلس النواب بالإضافة إلى كل ما ورد في إفادة وإحاطة الوزير بشأن تعسفات المنظمة وانتهازيتها ولولا لطف الله عز وجل وعنايته لاجتاحت الأوبئة والمجاعات كل ربوع اليمن ولكان الشعب اليمني أبيد عن بكرة أبيه .
وكمثال آخر: كنا نعلم أن صندوق النقد والبنك الدولي يمارسان ألاعيب قذرة لإنهاك الدول بأعباء مالية وبالتالي إخضاعها للسياسة الأمريكية لكن العدوان على اليمن كشف أنهما أسوأ وأقبح المؤسسات المالية العالمية وتجلى ذلك عند موافقة البنك الدولي على نقل البنك المركزي إلى عدن رغم أن مركزي صنعاء كان مستمراً آنذاك في صرف مرتبات جميع موظفي اليمن وكافة النفقات التشغيلية لكل الجهات الحكومية بجميع المحافظات مبرراً موافقته بأنها تمت بعد تعهد ما تسمى «الشرعية» بصرف المرتبات كما كانت تفعل حكومة صنعاء ورغم عدم الإيفاء بالتعهد إلا انه لم يصدر أي موقف من البنك الدولي ولم يتخذ أي إجراء إزاء ذلك والأكثر انحطاطا كان صمت البنك على الحرب البشعة التي شنها العدوان على اقتصادنا وعملتنا وتجاهله لكل عمليات الطباعة الرديئة للأموال بأضعاف مضاعفة للاحتياج الفعلي وبالمخالفة لقوانين السياسة النقدية العالمية، بل إن البنك ساهم في خنقنا ماليا من خلال إيصال الدفعة الأولى المطبوعة إلى عدن رغم الاتفاق بأن تصل إلى صنعاء وعدن مناصفة وقد كانت الدفعة الوحيدة التي تمت طباعتها في روسيا بطلب من مركزي صنعاء وكانت الكمية بالحد المسموح وفق الاحتياج الفعلي (400 مليار ريال ) وهي أيضا الدفعة الوحيدة التي تمت طباعتها بشكل العملة القديمة وفي إحدى المطابع المعتمدة عالمياً وبجودة ممتازة بعكس ما يتم حاليا في مطابع إماراتية مما انهك الاقتصاد اليمني كثيرا وتسبب بارتفاع جنوني للدولار وانهيار غير مسبوق للريال اليمني .
وبالنظر إلى الدور الذي لعبته بقية المنظمات والمؤسسات العالمية في اليمن أثناء العدوان نجدها قامت بدور عكسي تماما.
وجعلت من معاناة اليمنيين بيئة خصبة للثراء غير المشروع من خلال الاستثمار البشع واللاإنساني مما تسبب بتفاقم معاناة الشعب اليمني حتى بات يعيش أسوأ كارثة إنسانية دون أن نلمس أي دور للحد ولو نسبيا من المعاناة كما أننا لم نر أي تحرك جدي لأي منظمة في إطار رفع الحصار وإيقاف استهداف العدوان للمدنيين باستثناء بعض التصريحات التي سرعان ما اتضح أنها مجرد وسيلة ابتزاز لا أكثر، (كالتصريحات والقرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان والتي سرعان ما تلاشت بل وتغيرت 180 درجة بعد قبض الثمن).
أما على مستوى الدول وبالرغم من علمنا أن أغلبها خانعة وخاضعة وتابعة لتحالف الشر والظلام، إلا أن العدوان على اليمن أظهر حجم هذه التبعية ومدى قبحها واتضح ذلك من خلال الصمت العالمي المخزي عن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها اليمنيون منذ أكثر من ستة أعوام فلم نسمع تنديدا أو شجبا من أي دولة (باستثناء بضع دول لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة) تجاه عشرات المجازر والجرائم ومئات الانتهاكات التي ارتكبها العدوان بحق أكرم وأنقى شعوب العالم .
وفي المقابل يضج العالم ويقوم ولا يقعد عند قصف القوات اليمنية لمنشآت سعودية ردا على استمرار العدوان والحصار رغم عدم سقوط أي ضحايا من المدنيين .
حتى الدول المعادية لتحالف العدوان أو ما تسمى بمحور الضد لم تبد أي موقف عادل تجاه مظلومية وقضية اليمن باستثناء التصريح الوحيد للصين بشأن مخاطر الباخرة صافر باعتبارها أحد المتأثرين تجاريا في حال تسرب الوقود من خزانات الباخرة صافر (الميناء العائم) ولم تشر الصين إلى من يعيق صيانة الباخرة ومن يهدد بقصفها في حال أقدمت حكومة المجلس السياسي الأعلى على تفريغها، وهناك أيضا تصريح وحيد لروسيا وهو تصريح براجماتي بحت ولا يعد أكثر من كلمات في خضم صراعها مع أمريكا .
بينما كانت روسيا والصين عاملا مساعدا ومساندا للعدوان من خلال صفقات الأسلحة والمواقف السياسية وهو موقف غريب جدا ولم يسبق أن حدث من قبل حيث يفترض وفق المنطق والعقل أن تقف الدولتان مع خصوم أمريكا لا العكس ويبدو أن موقفهما ناتج عن تفاهمات بشأن تقاسم المنطقة وأيضا لإطالة العدوان على اليمن باعتباره وسيلة لفضح السياسة الأمريكية ولاستنزاف أدوات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط وهذا معناه أن اليمن تكفل بفضح سياسة الشيطان الأكبر (أمريكا) وتولى مهمة كسر قرن الشيطان (السعودية) .
صحيح أن السياسة الأمريكية كانت مفضوحة لا سيما في عهد المفضوح ترامب إلا أن الكثيرين كانوا مخدوعين ولم يروا الحقيقة كما رأوها اليوم بعد العدوان على اليمن فمثلا كنا نعلم أن أمريكا تستخدم الجماعات الإرهابية للحصول على مكاسب خاصة لكننا لم نتوقع أبدا أن الطائرات الأمريكية ستغطي سماء محافظة البيضاء دفاعا عن أكبر معقل للإرهابيين في الشرق الأوسط (قيفة) .
وعلى مستوى الأشخاص فالسقوط كان رهيبا وفوق كل الاحتمالات والتوقعات، فكنا نعلم أن رأسي النظام اليمني السابق (عفاش والجنرال العجوز علي محسن ومن معهما ) باعوا أرض اليمن ونهبوا ثرواته وتخلوا عن سيادته واستقلاله وكنا نعلم أنهم يتقاضون مرتبات شهرية من السعودية نظير خيانتهم وعمالتهم لكننا لم نكن نتوقع أن يؤيدوا إبادة الشعب اليمني مقابل الحصول على المال وإعادتهم إلى السلطة ولم نكن نتوقع أن يضعوا أيديهم بيد المطبعين مع الكيان الصهيوني بل ويبدون استعدادهم الكامل للتطبيع مع الكيان ، ورغم أن عفاش قالها ذات مرة ضمن حوار في إحدى القنوات إلا أننا اعتقدناها مناورة سياسية، إلى أن جاء العدوان على اليمن الذي أظهر سوءتهم وكشفهم على حقيقتهم .
وكنا نعلم أن كثيراً من ساسة اليمن مرتهنون للسلطة كياسين سعيد نعمان والمخلافي وبن دغر ومن على شاكلتهم لكننا لم نتوقع أبدا أن يصل الأمر بهم إلى الرضوخ والانبطاح والارتهان الكلي لدول تحالفت وتآمرت على تدمير اليمن وقتل شعبه .
وكنا نعلم بوصولية وانتهازية كثير ممن اعتبرناهم مثقفين وأدباء مثل عادل الشجاع ومحمد عايش (وبعض الموجودين في الداخل ممن يتقمصون دور الحياد وهم في حقيقة الأمر مع العدوان قلبا وقالبا) لكننا لم نكن نتخيل أن يتحولوا من أقلام مأجورة إلى عملاء وخونة والى مكانس تكنس جرائم العدوان وتبررها.
هذا بالنسبة للشخصيات اليمنية، وكذلك الأمر بالنسبة لحكام وساسة ومثقفين وأدباء من الدول الأخرى .
بالنظر إلى ما سبق نجد أن اليمن بفضل الله عز وجل كان صاحب دور البطولة ليس فقط في مواجهة تحالف الشر والظلام وإنما في جعل هذا العالم أكثر وضوحا وشفافية مما سبق .