رئيس جمعية الصداقة الإيرانية الفلسطينية الدكتور محمد البحيصي لـ”الثورة”:رسالة تقدير للسيد عبدالملك وللشعب اليمني ورسالة إجلال للجيش واللجان والشهداء
• اليمنيون كانوا أنصاراً لله ولرسوله منذ فجر الإسلام واليوم يستعيدون دورهم التاريخي
•الأمة التي تعيش بهدي القرآن وأعلام الهدى هي أمة منتصرة ودول التطبيع هي وجه آخر للمشروع الصهيوني
المعركة أسقطت الرهانات على مشاريع التسوية الوهمية التي باعدت بين شعبنا وتحقيق أهدافه الوطنية
هناك أنظمة عربية تقوم بدور وظيفي لحماية الكيان الصهيوني منذ نشأته
النظام اليمني السابق كان يتلاعب بالألفاظ مع فلسطين وتحت الطاولة يفتح الخطوط مع الإسرائيليين
حريٌ بالفصائل الفلسطينية استغلال هذه اللحظة التاريخية لبناء جبهة واحدة
أوضح رئيس جمعية الصداقة الإيرانية الفلسطينية الدكتور محمد البحيصي، أن فصائل المقاومة الفلسطينية نجحت في معركة «سيف القدس» بتلقين الأعداء درسا آخر في مسار الصراع الذي يمتد معه إلى نحو قرن من الزمن.
وأكد الدكتور البحيصي في حوار لـ”الثورة”، أن المعركة خدمت اللحمة الداخلية الفلسطينية إذ دفعت الجميع للالتفاف حول المقاومة.
وحيا الدكتور البحيصي اليمنيين والقيادة الثورية، للنموذجية التي يقدمونها في مناصرة قضايا الأمة.
واستنكر رئيس جمعية الصداقة الإيرانية الفلسطينية، سقوط بعض الدول في مستنقع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مؤكدا أنه لا خير في هذه الأنظمة فهي حسب تعبيره تمثل الوجه الآخر للمشروع الصهيوني.
تفاصيل الحوار..
الثورة / وديع العبسي
* قدمت كتائب المقاومة للعدو الغاصب وللعالم درسا في الثبات والإصرار على الحق، كيف تصفون المشهد؟
– بداية أقدم خالص التحية والشكر لك ومن خلالك أتوجه للشعب اليمني وقيادته الحكيمة ممثلة بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بكل التهاني بعيد الفطر المبارك وبصمود وانتصارات الشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية وبمواقفه المشرفة تجاه القضية الفلسطينية، القضية المركزية للأمة.
– بالنسبة للدرس الذي قدمته المقاومة في فلسطين، لم يكن الأول، فعلى امتداد قرن من الزمن كان الشعب الفلسطيني يخوض المعارك والثورات والانتفاضات والنهضات المسلحة والشعبية في مواجهة الغزو البريطاني ومن ثم الغزو الصهيوني الذي اغتصب أرضه، لكن في هذه المرة كان هناك تميز يدل على أن المقاومة باتت أكثر جهوزية وأكثر قدرة على التحكم في إدارة المعركة، مستفيدة من الخبرات الطويلة التي اكتسبتها عبر سنوات المواجهة، ولا تنسى أن قطاع غزة على سبيل المثال محتل من العام 1967م، ومنذ تاريخ احتلاله وإلى اليوم لم تتوقف المقاومة في غزة على الإطلاق، كانت أحيانا تتوهج وأحيانا تخبو قليلا ولكنها بالنتيجة لم تتوقف، واستطيع أن أقول إن المقاومة والثورة في غزة هي التي من خلالها انطلقت شرارة الثورة والمقاومة في فلسطين كل فلسطين وفي العام 2005م، انسحب الكيان الصهيوني من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة وصمود أبناء المقاومة في غزة، المقاومة اليوم في غزة بلغت أشدها واستطاعت أن تقدم نموذجا متميزا في معركة سيف القدس، ما يدل على مدى الوعي والإرادة والثبات والصمود والتحدي والقدرة على التعاطي مع مجريات المعركة على نحو استراتيجي قادر على أن يظل ممسكا بزمام المبادرة في توجيه هذه المعركة.
فضيلة المعركة
* وقت الشدائد يعود الجسد الفلسطيني للالتحام مؤكدا على لُحمته الطبيعية، كما هو حاصل اليوم والفصائل الفلسطينية في خندق واحد لمواجهة المشروع الصهيوني، كيف رأيتم هذا الأمر؟
– لعل أهم ما ميز معركة (سيف القدس) أنها وحّدت الجهد الفلسطيني والجبهة الفلسطينية التي أرادها الكيان الصهيوني أن تكون مشتتة ما بين الـ48 والقدس والضفة وغزة، أربع جبهات في حدود فلسطين التاريخية يضاف إليها جبهة الفلسطينيين خارج حدود فلسطين في بلاد المهجر ومخيمات اللجوء، هذه كانت خطة العدو الاستراتيجية من ثم تمزيق الشعب الفلسطيني وإخضاعه لرغبات إقليمية جغرافية، هذه المعركة ولعلها للمرة الأولى بهذا المستوى من التنسيق ومن الشمولية وحدت الجهات الفلسطينية في جبهة واحدة، ورأينا أن غزة قد استجابت بسرعة لنداء القدس بعد أحداث باب العمود والشيخ جراح ومحاولات اقتحام الجنود الصهاينة والمستوطنين لباحات المسجد الأقصى، ودخلت على خط المعركة، استجابت لها كافة مدن الضفة الغربية وشعبنا هناك، ومعروف أن أهلنا في الضفة الغربية هم أهل غيرة ونخوة وهم الذين يقفون في الخط الأمامي لحماية مقدسات هذه الأمة في المسجد الأقصى، واتسع نطاق المواجهة ليشمل الفلسطينيين في مناطق الـ48 ورأينا ما يشبه الانتفاضات الكبيرة في مدن اللد وحيفا وعكا والناصرة والفحم، الطبرية وغيرها، بالتأكيد أن هذه اللحمة الفلسطينية وهذا الالتحام في الجبهة الواحدة كرست وحدة الهوية الفلسطينية وكرست وحدة الدم والتراب التي أراد حتى بعض الفلسطينيين إيجاد الشقاق فيه من خلال النعرات الفصائلية والتنظيمية والتعصب التنظيمي والفئوي لهذا الفريق أو ذاك، وهذا طبعا أثر فيها سلبا على مدار عقود طويلة.. المعركة التي عشنا فصولها جاءت لتعيد الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، جاءت لتؤكد أن وحدة المواجهة هي أحد أهم أوراق القوة في مقارعة ومنازلة هذا الكيان الغاصب، من هنا فإن أحد أهم الدروس المستفادة من هذه المواجهة هذه المنازلة التي عشنا أيامها المجيدة هي أنها رفعت من الاعتبار الشعبي والجماهيري للمقاومة ووحدت كل أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني في حدود فلسطين التاريخية خلف خيار وواجب المقاومة وأسقطت كل الرهانات على مشاريع التسوية الوهمية التي باعدت بين شعبنا وبين تحقيق أهدافه الوطنية في الاستقلال والتحرير والعودة.
بالنوايا الصادقة
* هل يمكن البناء على هذا لنبذ الخلافات الداخلية؟
– نعم بالإمكان البناء على هذا الموقف الملحمي التلاحمي في توحيد الجبهات الفلسطينية، يمكن أن نبني عليه لنبذ الخلافات الداخلية إذا توفرت النوايا الصادقة وتوفر الوعي لدى القيادات، لدى الطبقة السياسية لأنه كما نعلم الطبقة السياسية الفلسطينية بالفصائل المتعددة ولدينا أكثر من عشرين فصيلا ولعل كل يغني على ليلاه، وقد توحدوا في الميدان في أرض المعركة في مواجهة العدو بنسب مختلفة، لأنه لا يتساوى هذا الفصيل مع ذاك الفصيل، وأخشى كل ما أخشاه أن نعود بعدها إلى سيرتنا الأولى من صراعات على سلطة وهمية وعلى الغنائم هنا وهناك، فعندما ينزل الناس عن التل ربما تتولد الفرقة، وأنت تعلم في التاريخ أن النزول عن الجبل عندما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة في غزوة (احد) أن ينزلوا عن الجبل بأي حال من الأحوال إلا أن يؤذن لهم من قبله هو، لكنهم نزلوا وخالفوا الأمر وكان ما كان يوم أحد وقتل من قتل من الصحابة الكرام، لذا بإمكان الطبقة السياسية وفصائل المقاومة إذا ما التقطت هذه اللحظة التاريخية المجيدة المميزة في حياة الشعب الفلسطيني أن تبني عليها جبهة وطنية بعيدة عن النفس الفصائلي، جبهة وطنية بعنوان واحد وبمرجعية واحدة وبرنامج وطني واحد يعتمد نهج المقاومة نهجا واحدا في مواجهة هذا المحتل هذا ما يتمناه كل الشرفاء في هذا الوطن وفي هذه الأمة وعسى أن يتحقق وأن تكون فاتحة خير لوحدة هذا الشعب ووحدته على البرنامج المقاوم الجهادي إن شاء الله تعالى.
أكثر من ذلك
* أحزاب وحركات سياسيّة مصرية وعدد من الشخصيات العامة الرفيعة، وفي الأردن نواب وشخصيات سياسية وحزبية، جميعهم يطالبون بقطع العلاقات مع تل أبيب وطرد سفيرها، هل تتوقع تحولات سيشهدها مسار القضية في اتجاه استعادة الحقوق؟
– حول الأحزاب المصرية والنواب الأردنين الذين طالبوا بقطع العلاقات مع تل أبيب وطرد السفراء، هذا موقف نعتز به موقف متقدم ومهم لا سيما ونحن نعلم أن مصر هي التي افتتحت سياسات الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها في كامب ديفيد ثم تلتها السلطة الفلسطينية ثم جاءت اتفاقية وادي عربة مع النظام الأردني، كون أن يخرج حزب هنا وحزب هناك هذا مهم ومفيد ويرفع من وتيرة المواجهة مع هذا المشروع في الدوائر الأوسع من فلسطين في دول الطوق وما بعد الطوق، لكن هذا لا يكفي فان مطالبة هذه الأنظمة التي ما فتئت تتعاطى مع الكيان الصهيوني كحقيقة واقعة ومن ثم بنت جسورا من العلاقات مع هذا العدو وأنا لا أريد أن اذكّر بان مصر تقوم بمحاصرة غزة على سبيل المثال وأن الأردن تقف حارسا أمينا على أطول حدود ما بين فلسطين والأردن ما بين الكيان الصهيوني والأردن، بالتالي مجرد المطالبة هي جيدة ولكنها غير كافية يجب أن يُحشد لتشكيل رأي عام ضاغط على هذه الأنظمة من خلال المسيرات، من خلال الإضرابات، من خلال الندوات، من خلال المهرجانات، من خلال الحراك الشعبي الأوسع التي تضغط على هذه الأنظمة التي ترفض بأي حال من الأحوال أن تتعاطى مع القضية الفلسطينية كقضية مركزية وتتعامل معها على أنها قضية فلسطينية، إسرائيلي لا علاقة لهم بها ويرون انهم تخففوا من أحمالها ومن أثقالها وبالتالي نحن نثمن هذه الدعوات في قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وطرد السفراء الإسرائيليين وهذا أضعف الإيمان، لكن هذا ليس كافيا إنما يجب أن يكون مقدمة ومفتاحا لخطوات أخرى للتأكيد.
حتى الدعم معنويا
* إلى جانب خذلانها للقضية وتورطها العميق في ما يسمى بصفقة القرن، هناك قيادات عربية تمنع شعوبها حتى عن التعبير عن دعمها النفسي على أقل تقدير للشعب الفلسطيني، ما رأيك؟
– حول القيادات العربية التي تمنع شعوبها من التعبير عن دعمها النفسي -على أقل تقدير- للشعب الفلسطيني، للأسف هي لا تمنع فقط حتى الدعم النفسي، فهي تقف في خندق القضية الفلسطينية وإلا بماذا نفسر حاليا ما يسمى التطبيع؟ فهي عملية إلحاق هذه الدول بالكيان الصهيوني عبر تحالفات ومشاريع اقتصادية وأمنية وعسكرية وثقافية كبيرة، وبالتالي فإن لهذه الأنظمة وهذه القيادات العربية برامجها الخاصة المتعلقة بها وبعروشها ولا علاقة لها بالأساس بشعوبها وتطلعات شعوبها فضلا عن أن يكون لها علاقة بتطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وتطلعات الأمة لمقدساتها ولحقّها في فلسطين كل فلسطين، هذه القيادات خذلت القضية منذ فجر هذه القضية، نعم هناك قيادات عربية متواطئة متآمرة متعاونة مع العدو منذ نشأة هذا الكيان الصهيوني، وأنا هنا لا أريد أن أسمي أسماء بعينها، كثير من الأنظمة العربية قامت بدور وظيفي وما تزال تقوم بهذا الدور الوظيفي لحماية الكيان الصهيوني ودعمه، وفتح بلدانها كسوق لاستهلاك المنتجات الإسرائيلية والبضائع الأمريكية، هذه الأنظمة تسير في ركاب أمريكا، وتقوم بدور الشرطي والحارس للكيان الصهيوني.
الوجوه القبيحة
* نحن نتحدث هنا عن القيادات.. فأين دور الشعوب؟
– والشعوب عليها أن تنتفض في وجه هذه القيادات وألا تبقى مهادنة معها لأنه لا يمكن تغيير الواقع إلا بتغيير هذه الوجوه القبيحة التي تمثلها هذه القيادات، وقد رأينا في اليمن على سبيل المثال بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر كيف تغيرت السياسة اليمنية تجاه فلسطين وتجاه قضايا الأمة عندما كان النظام السابق يتلاعب بالألفاظ وهو عمليا لم يكن حقيقة منخرطا على الإطلاق في تبني القضية الفلسطينية، كان يتلاعب وحسب بمشاعر الإخوة اليمنيين الذين كان يدرك جيدا مدى إيمانهم بهذه القضية بينما من تحت الطاولة ومن فوق الطاولة كان يفتح الخطوط مع الإسرائيليين ويبني معهم علاقات ثقة، وقد شاهدنا ورأينا وسمعنا الزيارات المتبادلة والوعود المتبادلة والوجود الأمريكي الذي كان يتحكم في مفاصل النظام السابق، وأنا أعرف قصصا لشباب أرادوا العمل من اجل فلسطين والدخول إلى فلسطين للانخراط في العمل المقاوم، ومن ذلك على سبيل المثال في ثمانينيات القرن الماضي حين عاد إلى صنعاء عدد من الشباب بعد رحلة جهادية إلى فلسطين، أودعوهم في سجن الأمن السياسي وعذبوهم، وقصص من هذا النوع وأخرى كثيرة لا أريد أن أفتحها في هذا الحوار المتعلق بمعركة سيف القدس.. في كل الأحوال كان نموذجا والنموذج الخليجي مثل ذلك، النموذج المصري وكذا الأردني مثل ذلك، وقس على ذلك نماذج من هذا النوع، وفي كل الأحوال هذه القيادات العربية ومن المؤسف أن تكون قيادات يجب أن تسقط لأنها جزء من مشروع الاستكبار، جزء من المشروع الغربي الذي أسسه الغرب ليكون حاميا للكيان الصهيوني ويطيل من عمر هذا الكيان.
تحالفوا ضدنا
* قيادات عربية لم تكتف فقط بسلبيتها في مناصرة ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله لاستعادة الأرض وانتشال الأماكن المقدسة من بين براثن العد، لا بل هرولت مثل هذه القيادات إلى توريط بلدانها في تطبيع مع العدو الصهيوني، لماذا وكيف حدث هذا؟
بدل أن تأخذ موقفا واضحا في معاداة هذه الشرذمة اليهودية الصهيونية اذا بها تأتي لتركع تحت أقدامها وتتحالف معها في هذه المعركة، ظنا بأن إسرائيل قادرة على حماية هذا الدول، وهي الآن ترى في معركة «سيف القدس» أن إسرائيل غير قادرة على حماية نفسها من قطاع غزة الذي يبلغ تعداده فقط مليونين يعني الذين ذهبوا يستجيرون بإسرائيل ظنا أن إسرائيل قادرة على حمايتهم الآن يرون إسرائيل وهي تتهاوى وتهتز بنيتها الداخلية من ضربات المقاومة فهم ذهبوا للاستجارة بها وهي تحتاج من تستجير به، نعم هؤلاء إلى خسران مبين والخسران المبين هنا هو خسران الدنيا والآخرة.
وهنا أيضا أؤكد على أن شعوب المنطقة تعيش الحالة الفلسطينية.. تعيش القضية الفلسطينية لم تفارقها أبدا، هي متعاطفة لكنها تفتقر إلى البرامج التي من خلالها تستطيع تقديم العون والخدمة للقضية الفلسطينية، كل الجماهير العربية والمسلمة بمعظمها الساحق تلتف حول القضية الفلسطينية لكنها محتارة كيف تدعم هذه القضية، هل تدعمها بالمال أم بالكلمة أم بالموقف أم بالدعاء لا يوجد برامج في هذا القُطر أو ذاك توجه الجماهير وتحشد الجماهير حول خطة محددة واضحة المعالم تجاه خدمة القضية الفلسطينية لهذا المشهد في المنطقة يسير في اتجاه تصعيد الفعل الشعبي في اتجاه دعم القضية الفلسطينية، وهذا جيد وهو من نتائج هذه المعركة المباركة.
أعداء طبيعيون
* وكيف يمكن إيضاح حجم الخسارة التي لحقت بالدول المطبعة جرّاء هرولتها إلى أحضان العدو الأزلي للأمتين العربية والإسرائيلية؟
– يحدثنا التاريخ أنه ما من أحد مد يده ليتعامل مع إسرائيل أو اليهود إلا وخسر لأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، ذلك بأنهم كفروا بآيات الله، ذلك بأنهم قتلوا الأنبياء بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ذلك بأنهم يكتبون الكتاب بأيديهم، ذلك بأنهم عادوا دين الإسلام، هم أعداء طبيعيون غير قابلين للتصالح مع الإسلام والمسلمين، وبالتالي رأينا الأنظمة التي بكرت في التطبيع -وكان يفترض أن يتعلم الناس منها – كمصر والأردن، رأينا ما حدث في اقتصادها أو بنيتها الاجتماعية، وبنيتها السياسية وكيف كان الدخول الإسرائيلي إليها مدخلا للفساد ومدخلا لتدمير الاقتصاد ومدخلا لإنهاك القوى.. على كل لا نتوقع من الدول المطبعة شيئا، لا نرى غير أن إسرائيل مصاصة الدماء، هذا اليهودي المرابي الجشع العنصري الذي يرى نفسه فوق البشر ويرى نفسه مميزا، لا يمكن أن تعقد معه صفقة رابحة على الإطلاق.. وقد رأينا عندما كان اليهود في أوروبا قبل أن ترسلهم إلى فلسطين عبر المؤامرة لإنشاء الكيان الصهيوني، كيف كان الفلاسفة وكبار المفكرين وكبار الساسة حريصين كل الحرص على طرد هؤلاء اليهود، إذ كانوا يرون فيهم فسادا مطلقا وشرا مطلقا، حتى أمريكا لو رجعنا إلى رسائل أبراهام نلكولن لرأينا كيف كان يحذر من الوجود اليهودي، العجيب أن الغرب الذي كان يحذر من الوجود اليهودي هو الذي يدعم هذا الوجود في فلسطين، والعجيب أن هذه الأنظمة العربية لا تتعلم الدرس لا في التاريخ ولا الواقع لا الماضي ولا الحاضر.
لا خير فيهم
* هل من تعويل لا يزال هناك على الدول المطبعة في الانتصار للقضية والشعب الفلسطيني؟
– أما هل هناك من معول على دول التطبيع لنصرة القضية الفلسطينية فهذا السؤال غريب لأن هذه الدول مطبعة، طلقت القضية الفلسطينية منذ نشأة هذه الدول للأسف الشديد وخاصة دول الخليج والسعودية التي تقود قاطرة التطبيع بشكل مباشر وغير مباشر فكيف ينتصرون للقضية الفلسطينية!!هم ينتصرون لما أسموهم بأبناء عمومتهم وقاموا باتفاقية (أبراهام) وهي اتفاقية تعلن بشكل جلي بأن هؤلاء باتوا موالين لإسرائيل موالاة مطلقة كما قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ…) الآية (11) سورة الحشر، أذن هم إخوانهم، قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى? أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) سورة المائدة.. الحقيقة، لا خير في هذه الأنظمة أنظمة التطبيع على الإطلاق فهم لم ينتصروا سابقا للقضية الفلسطينية ومن باب أولى أن لا ينتصروا لها في الحاضر أو في المستقبل فهم وجه آخر للمشروع الصهيوني للأسف الشديد.
في غرفة الإنعاش
* هل يمكن القول اليوم بأن «سيف القدس» قد وضعت نهاية حاسمة لمؤامرة «صفقة القرن»؟
– بتقديري أن صفقة القرن جاءت في سياق تاريخي لا يتعلق فقط بالحالة الفلسطينية، له علاقة بالوضع الفلسطيني ثم بالوضع الإسرائيلي ثم بوضع الإقليم، أقصد الإقليم العربي، ثم بالوضع الإسلامي، هناك جملة من المعطيات قادت إلى صفقة القرن، أي أنها لم تأت من فراغ وإنما في سياق الحرب المعلنة على الشعب الفلسطيني وحقوقه، هذه المعركة بالتأكيد كشفت أن الشعب الفلسطيني قادر على مواجهة هذه الصفقة بعناوينها المختلفة، ونحن لا نعول على إدارة بايدن، ربما البعض من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين عول على إدارة بايدن وأنها مختلفة عن إدارة ترامب، والحقيقة أن الإدارات الأمريكية كلها تتكامل وتصب في مجرى واحد منذ تأسس هذا الكيان وإلى اليوم وإلى ما شاء الله في خدمة هذا الكيان وفي توفير الحماية والتفوق العسكري له، وبالتالي فإن هذه الصفقة يمكن أن تكون قد عُرقلت كثيرا خاصة والجميع يعلم أن الشعب الفلسطيني بكل فئاته وقف موقفا واحدا تجاه رفض هذه الصفقة التي تصادر حقوقه التاريخية في وطنه وكل بطريقته في الرفض، اليوم جاء الشعب الفلسطيني كله ليعلن من خلال هذه المعركة المفتوحة أن لا مكان لصفقة القرن كما انه لا مكان لمن يدعون إليها سواء كانوا من الفلسطينيين أو من غيرهم، نستطيع أن نقول أنها – أي هذه المعركة- لم تُسقط صفقة القرن لأنها كما قلت لها علاقة بمرحلة تاريخية لها تطلعات استراتيجية في موقعية إسرائيل في المنطقة، وفي موقعية الكثير من الأنظمة العربية في علاقاتها مع إسرائيل في المنطقة، والمشروع الاستكباري الأمريكي الغربي الذي يرى في إسرائيل نقطة مركزية في مشروعه في المنطقة لتحقيق مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، إنما بالتأكيد وُجهت ضربة قاسية للصفقة من خلال هذه المعركة، ضربة يمكن أن تجمدها طويلا وتضعها في غرفة الإنعاش لفترة أطول مما يتوقع الأعداء.
بالسلاح الأمريكي
* كيف تقيّمون التعاطي الأمريكي والبريطاني مع التصعيد الأخير للعدو الصهيوني في الأراضي المحتلة؟
– التعاطي الأمريكي والبريطاني مع المستجدات على الساحة الفلسطينية ومعركة سيف القدس وهذا العدوان الغاشم الهمجي البربري الذي يقوم به جيش العدوان الصهيوني اليهودي على كل فلسطين وبالأخص على غزة لا جديد فيه، على العكس سمعنا منذ بداية هذه المعركة أن الأمريكان تكلموا بشكل واضح وسافل ووقح أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وقد صادقوا على إمداد إسرائيل بصفقة سلاح بـ 750 مليون دولار، الطائرات الأمريكية هي التي تقصف أهلنا في غزة، الباتريوت الذي يمثل القبة الحديدية هو نتاج أمريكي إسرائيل تقاتلنا بالأدوات الأمريكية ومثل هذا بالنسبة لبريطانيا، وبالتالي فإن هذا الموقف المخادع الذي يظهر بين الحين والآخر لا يعني شيئا ويؤكد على أن هذا الغرب الظالم هذه الإدارة الأمريكية ومعها بريطانيا التي أسست للكيان الصهيوني في فلسطين وأسست لخراب هذه المنطقة من بلادنا في غرب آسيا وفي المنطقة العربية عموما، لم تغير سياساتها ولن تغير سياساتها على الإطلاق لأن الذي يقرأ حقائق الأشياء يرى ويدرك أن بريطانيا وجهها الآخر هو إسرائيل وأن أمريكا وجهها الآخر لإسرائيل، فهذا الثالوث يمثل حالة واحدة بمسميات ثلاث بمعنى أن أمريكا بريطانيا إسرائيل هي شيء واحد ولهذا فلا جديد في موقفهم سوى انهم يتلونون لدعم الكيان الصهيوني وخذلان الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة، ولا أرى أن هناك إمكانية في تغيير هذا الموقف على الأقل في المدى المنظور إلا من خلال المزيد من الصمود والتحدي والإصرار وضرب هذه المستوطنة المتقدمة، ضرب هذه القاعدة الأمريكية البريطانية المتقدمة التي تسمى إسرائيل حينئذ عندما يدرك الأمريكان أن وجود إسرائيل يحقق لهم خسارة اكثر من ربح وجودها فإنه يمكن أن يعيدوا النظر، أما وهم يرون أن إسرائيل لا زالت بالنسبة لهم نموذجا للمشروع الغربي في المنطقة وأن هناك أنظمة عربية تتساقط وتتهاوى كالفراش على أقدام الصهاينة فإن هذا التغيير والتبديل في المواقف غير وارد على الأقل في المنظور القريب.
المثل الأعلى
* هل من رسائل توجهونها في نهاية هذا الحوار؟
– في النهاية أجد نفسي بكل حب وتقدير متوجها إلى الشعب اليمني العزيز الحبيب وإلى قياداته المتمثلة بقائد المسيرة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله ونصره الله، وإلى القيادة السياسية ممثلة بالرئيس مهدي المشاط وبجيشه ولجانه الشعبية، أتوجه إليه برسالة المحبة والتقدير، أتوجه إلى شهدائه بالجلال والإعزاز، أتوجه إلى صموده إلى ثباته ويقينه وإلى بصيرته ووعيه وأقول أن الشعب اليمني ضرب المثل الأعلى واستعاد دوره التاريخي الذي يعتز به ونعتز به جميعا منذ أن كان في فجر الإسلام ناصرا لله ولرسوله، وها هو اليوم يستعيد هذا الدور نصرة لنفسه أولا ثم نصرة لهذه الأمة، وأتوجه إلى شعبنا الفلسطيني العزيز الشجاع المقاوم الصابر بمزيد من الدعاء له أن يثبته الله، أن ينصره الله، الرحمة لشهدائنا والشفاء لجرحانا والحرية لأسرانا.. هذه الأمة أمة حية هذه الأمة التي تعيش بالقرآن تسير على هدي القرآن وبهدي أعلام الهدى، هذه الأمة التي تكتنز كل هذا التراث الإنساني السماوي، هذه الأمة المرتبطة بالسماء المرتبطة بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، تستحق أن تعيش تحت الشمس بجدارة وحرية واستقلال وبنهضة.
في رسالة أخرى أقول: آن لهذه الشعوب أن تنهض وتنفِّض عنها أدران العجز والكسل واليأس وأن تلفظ كل العملاء من المطبعين ومن الخونة ومن المعتدين الذين خزنوا السلاح ليدمروا به أبناء الأمة، الذين اشتروا هذه الأسلحة بمليارات ليقتلوا بها أطفال اليمن ونساء اليمن ويدمروا بنية اليمن ويدمروا فلسطين وبنية فلسطين وأبناءها، الأمة يجب أن تنهض كما نهض اليمنيون وكما ينهض الفلسطينيون وكما هو الحال في محور المقاومة الذي يمتد من طهران إلى العراق إلى سوريا الحبيبة إلى لبنان حزب الله إلى فلسطين إلى اليمن العزيز وكل أحرار العالم الذين يعشقون هذا المحور ويلتفون حول راية هذا المحور أؤكد لهم أن هذا المحور هو محور المستقبل لهذه الأمة وأن أولئك المرجفين المطبعين اللاهثين وراء الكيان الصهيوني مكانهم الذي يستحقونه هو مزابل التاريخ وأما في الآخرة فإن جزاءهم هناك عند الله لن يكون اقل من اللعن والغضب والنار.. كلمتي الأخيرة أحييكم في جريدة «الثورة» التي هي صوت من أصوات الحق، أحيي العاملين فيها وأتمنى لكم دوام التوفيق وأتمنى لليمن دوام النصر والتمكين ليظل نبراسا لأمته ونموذجا يُحتذى به لكل المستضعفين في هذا العالم.