معركة سيف القدس وجهت ضربة مميتة لصفقة القرن وقاصمة لقطار التطبيع.. اتفاقيات “أبراهام” المذلة تترنح ودولها تعاني الصدمة والعزلة
الثورة / إبراهيم الوادعي
ضربة قاضية تلقتها اتفاقيات التطبيع الجديدة أظهرت مدى هشاشتها مقارنة بهشاشة دولها واتفاقيات التطبيع القديمة مع مصر والأردن والتي لم تمر شعبيا، 11 يوما من القتال في فلسطين وجهت لها ضربة قاضية.
خلال أيام المعركة الملحمية في فلسطين عاشت أنظمة التطبيع “الإبراهيمي” – الإمارات ، البحرين ، النظام العسكري في السودان ، منع انضمام السعودية إلى الاتفاقية الإبراهيمية، حالة الحرب الدائرة في اليمن وكسب انصار الله ورقة جيدة ضدها قد تسهم بخسارتها مزيدا من الأرض هناك – عاشت حالة إغماء وصدمة، بعد شهور من الضجيج و الترويج لخيار السلام وسوق مبررات التطبيع مع “إسرائيل” تارة من منطلق قوة العدو الإسرائيلي الذي لا يقهر وضعف العرب ، وتارة من باب الرفاه الاقتصادي الذي لم يتحقق بالنظر لدول التطبيع القديمة مصر والأردن ، حيث يعيشان ظروفا اقتصادية صعبة .
على مدى أحد عشر يوما هي فترة معركة سيف القدس ، بلعت الإمارات والمنامة والرياض لسانها الرسمي ، مع ظهور الفلسطينيين بموقف قوي لأول مرة منذ النكبة في عام 1948م ، وصراخ إسرائيل وتهافت رسل الدول الغربية لطمأنه الكيان ومحاولة إنقاذه ، يجري الحديث عن 80 مكالمة بين الإدارتين الأمريكية والصهيونية ودول أخرى إقليمية لوقف اطلاق النار عوضا عن مبعوثين أمريكيين وصلا إلى المنطقة لمحاولة تثبيت وقف اطلاق النار ، بعد أن شلت الصواريخ الفلسطينية ثلثي الكيان الصهيوني ، وعصب الحياة فيه ، وأصبح الوصول إليه صعبا إلا عبر طائرات عسكرية تخاطر بالرحلات في سماء تملؤها عشرات الصواريخ التي كانت تنهمر على مدن ومغتصبات الكيان الصهيوني على مدار الساعة .
وفي الأسبوع التالي للمعركة خرجت الإمارات والسعودية وبحرين بيانات خجولة للغاية تجنبت الحديث عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى باعتباره مقدسا إسلاميا ، واعتمدت الإمارات في بيانها تحديدا الحديث عن صراع بين طرفين وأهمية احترام المبادئ الإنسانية ، ما يوحي أن تلك البيانات أمليت عليها لمغادرة حالة الحرج في عدم إعلان التضامن مع “إسرائيل” بما تفرضه اتفاقيات التطبيع ، وأمام شعوبها التي أعاد “سيف القدس” لها وللأمة كلها ثقتها بنفسها وللقضية الفلسطينية عنفوانها.
أشبه بورقة عرفيه ظهرت اتفاقيات “أبراهام” الخيانة ، بعد نحو أقل من عام من أبرامها ، خلال تلك الفترة دفعت الأنظمة الخليجية الرسمية “بكلابها” إلى السوشيل ميديا في الأسبوع الثاني لمعركة سيف القدس لمهاجمة المقاومة الفلسطينية تحت ذرائع شتى إنسانية وغير إنسانية ، وتبنت وسائل إعلامها الروايات الصهيونية بشكل أكثر سفورا ، فعلى قناة العربية والحدث السعوديتين وسكاي نيوز الإماراتية اقتصر نقل الخطابات على المسؤولين الصهاينة فقط ، ولم تنقل تلك القنوات أي تصريح لمسؤول في المقاومة ، والترويج للرواية الإسرائيلية حول أسباب اندلاع المواجهات بإطلاق صواريخ المقاومة وليس الاستفزازات الصهيونية خلال شهر رمضان في القدس ، وطرد الفلسطينيين من منازلهم في الشيخ جراح وتهويد القدس.
تبنت القنوات السعودية والإماراتية حملة مركزة في الأيام الأخيرة للمعركة حملة مركزة لتمجيد القبة الحديدية الصهيونية وثباتها بوجه صواريخ المقاومة الفلسطينية ، وكانت تتعمد تلك القنوات وصفها بالعشوائية بعد أن انتفت صفة ضعفها ، وبحسب مراكز صهيونية فإن تأثير الصواريخ الفلسطينية خلال 11 يوما من المواجهات فاق ما أحدثته خلال مواجهات 2014م التي استمرت 59 يوما – اشترت السعودية والإمارات منظمة القبة الحديدية في إطار مواجهة الصواريخ اليمنية- .
خلال المواجهات السابقة في 2008م و2012م و2014م، انتهجت الماكينة الإعلامية الخليجية العائدة للدول المطبعة وصف صواريخ المقاومة الفلسطينية المنطلقة من غزة بالضعيفة والعبثية والتي تستفز ردا إسرائيليا قويا يلحق خسائر أكبر .
معركة سيف القدس أجهزت على ما يسمى “صفقة القرن” نهائيا ، وبات من الهزلية الحديث عنها ، والخميس 27 مايو محكمة صهيونية ترجئ البت في قضايا التهجير لعائلات مقدسية في حي سلوان ، والحال ذاته قائم في حي الشيخ جراح ، وهو مالم تفعله الدول المطبعة مجتمعه ، ويؤشر بوضوح إلى الطرف الذي انتصر في جولة التصعيد الأخيرة تحت أي تخريجة كانت.
بالمتابعة لمواقع التواصل الاجتماعي فقد خفتت بشكل كبير الصفحات والمنتديات التي كانت قد فتحت للترويج لاتفاقيات التطبيع الجديدة مع العدو الصهيوني ، وبعد معركة سيف القدس والانتصار الفلسطيني باتت الإمارات تنفذ خطواتها التطبيعية المطلوبة منها دون الإضاءة الإعلامية عليها والاكتفاء فقط بتغريدة رفعا للحرج ، بعد أن كانت تغرق القضايا التافهة مع العدو الصهيوني بكثير من البروبجندا على مدى الأشهر الماضية.
لقد كان أحد أهم أهداف اتفاقيات التطبيع الأخيرة ونقل العلاقات بين دول خليجية وإسرائيل من تحت الطاولة إلى فوقها – منع السعودية وجود حرب دائرة في اليمن تخشى استغلالها ضدها – هو تحويل بوصلة العداء إلى ايران بدلا عن إسرائيل وهذا الهدف أيضا تلقى ضربة قاضية وموجعة بتتالي تصريحات قادة المقاومة الفلسطينية عن تبيان وجهة الدعم التسليحيى الذي انعكس قوة وتغييرا للمعادلة العسكرية مع العدو للمرة الأولى منذ احتلاله فلسطين من إسماعيل هنية إلى السيد حسن إلى يحيى السنوان رئيس حركة خماس في غزة إلى قادة الفصائل الفلسطينية في الجهاد الإسلامي وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب أبو علي مصطفى .
خروج من المعادلة
بعد 73 عاما من التلطي بالقضية الفلسطينية والتخلي عنها لاحقا باتفاقيات التطبيع وجدت الأنظمة العربية نفسها خارج الميدان العملي والمعادلة الإقليمية كلية في الصراع مع العدو الصهيوني وأمريكا، وانحصرت تأثيرها إلى الدور الوظيفة تلعبه لصالح الطرف الأمريكي الصهيوني كما هو حال مصر في وقف اطلاق النار الأخير بإيعاز أمريكي وطلب أوروبي، وإعلانها عن منحة في إعمال غزة تصل لـ500 مليون دولار .
والمراقب لوضع الدول المطبعة أخيرا مع العدو الصهيوني والتي تباهت بخيانتها أنها دخلت في عزلة حيث أسقطت معركة سيف القدس والانتصار الفلسطيني الواضح كل مبرراتها التي سوقتها للتطبيع وقبول حالة الذل التي سوقتها لنفسها وحاولت تسويقها لشعوبها وللمنطقة ، تحت يافطة – تعبنا من الصراع – وهي التي لم تطلق طلقة واحدة ، أو المصلحة الاقتصادية ، وإلغاء الإسلام من قاموس مسئولياتها بتاتا ووفق خطوات متدرجة لم تكشف بعد “اتفاقيات أبراهام” عن هدفها الخطير والكلي بعد الذي يتجاوز التطبيع إلى هدم أركان الإسلام لصالح “الإبراهيمية”، في مقابل “إسرائيل” تحافظ على يهوديتها وتشرعن القوانين الوضعية التي تربطها بالدين .
التناغم الذي ظهر به قادة المقاومة وحديث قادتها عن التنسيق الكامل في إدارة المعركة مع العدو الصهيوني بقدر ما يسقط آخر ترهات دول التطبيع عن تخلي محور المقاومة عن بعضه في وقت الشدة ، رسالة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي من اليمن عن مراقبة المعركة والجهوزية للتدخل ضمن مور المقاومة في بداية المعركة ، وبعد المعركة حديث يحيى السنوار قائد حركة حماس عن تنسيق كامل بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية وان اطلاق الطائرة المسيرة والرشقات الصاروخية من جنوب لبنان تم بتنسيق وإدارة متكاملة ألجمت كل الأفواه ،وبينهما التناغم الكامل مع خطاب السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله في لبنان في أن المسِّ بوضع القدس والأقصى يعني حربا إقليمية أكثر من مجرد رسالة بل إعلان حرب مسبق له ما بعده ، وتقرير لمعادلة جديدة في الصراع والمنطقة .
من الواضح وفق مراقبين أن قرار الإدارة الأمريكية الجديدة عقب معركة سيف القدس إعادة فتح قنصليتها في القدس رغم معارضة كيان العدو هو تراجع أمريكي عن الخطوات التي قامت بها الإدارة السابقة باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني ، وإقرار بالواقع الجديد الذي افرزه محور مقاومة على الصعيد الميداني ، ونعي مبطن لصفقة القرن ، الصفقة التي ذهبت بموجبها دول خليجية إلى التطبيع والخيانة العلنية ..
ومن المؤكد أننا سنشهد نكوصا إسرائيليا عن المسِّ بالقدس والأقصى ، قد يكون ترك لكيان العدو التخريجة التي يحفظ بها ماء وجهه بعد الهزيمة التي لحقت به ، ويبقى السؤال ما إذا كانت الدول التي هرولت في قطار تطبيع تملك تخريجه هي الأخرى عما أوقعت نفسها فيه وتتراجع عن الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها .