الشكر هو أن يعترف الإنسان بنعم الله عز وجل بلسانه إقراراً واعترافاً وأن يمتلئ قلبه حباً وحمداً وأن تنصاع جوارحه طاعة وانقياداً.
وأمر الله تعالى عباده بشكره والاعتراف بفضله قال تعالى :{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة].
و كان الشكر خلقًا لازمًا لأنبياء الله صلوات الله عليهم، يقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.[النحل].
ووصف الله عز وجل نوحًا عليه السلام بأنه شاكر، قال جل في علاه :{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } [الإسراء]
و كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثير الشكر لربه، وقد علَّمنا أن نقول بعد كل صلاة: (اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيده وقال (يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )
و يحكى أن رجلا ذهب إلى أحد العلماء، وشكا إليه فقره،
فقال العالم: أَيسُرُّكَ أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا.
فقال العالم: أيسرك أنك أخرس ولك عشره آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا.
فقال العالم: أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا.
فقال العالم: أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفًا؟ فقال الرجل: لا.
فقال العالم : أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك نعم بخمسين ألفًا.
فعرف الرجل مدى نعمة الله عليه، وظل يشكر ربه ويرضى بحاله ولا يشتكي إلى أحد أبدًا.
و إذا تحلى المسلم بخلق الشكر والحمد لربه، فإنه يضمن بذلك المزيد من نعم الله في الدنيا، ويفوز برضوانه وجناته، ويأمن عذابه في الآخرة قال تعالى : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم].
وقال تعالى : { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء].
قال الحسن البصري : إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء ، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذاباً
وذكر ابن أبي الدنيا عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : أنه قال لرجل من همدان :إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد .
وقال عمر بن عبد العزيز عن الشكر: تذكروا النعم؛ فإنَّ ذكرها شكرٌ..
وقال الحسن البصري : إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادراً على أن يزيدهم وإذا كفروه كان قادراُ على أن يبعث نعمته عليهم عذاباً.
وقال مخلد بن الحسين : كان يقال :الشكر ترك المعاصي.
قال ابن رجب رحمه الله : كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر وهكذا أبدا فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر…
أنواع الشكر:
المسلم يشكر كل من قدم إليه خيرًا، أو صنع إليه معروفًا، ومن أنواع الشكر:
1 – شكر الله: المسلم يشكر ربه على نعمه الكثيرة التي أنعم بها عليه، ولا يكفر بنعم الله إلا جاحد، قال تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } [البقرة].
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة].
ونعم الله على الإنسان لا تعد ولا تُحْصَى، قال تعالى : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم].
وقال تعالى : { وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال].
ويتحقق شكر الله بالاعتراف بالنعم، والتحدث بها، واستخدامها في طاعة الله،
قال تعالى: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى].
(من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، و من لم يشكر الناس ، لم يشكر الله ، و التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ، و الجماعة رحمة ، و الفرقة عذاب ) [البيهقي].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلَة فيحمده عليها أو يشرب الشَّربة فيحمده عليها)
2 – شكر الوالدين: أمر الله عز وجل بشكر الوالدين والإحسان إليهما قال تعالى:{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
فالمسلم يقدم شكره لوالديه بطاعتهما، وبرهما، والإحسان إليهما، والحرص على مرضاتهما، وعدم إغضابهما.
3- شكر الناس: المسلم يقدِّر المعروف، ويعرف للناس حقوقهم، فيشكرهم على ما قدموا له من خير. قال الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يشْكُرُ اللهَ من لا يشْكُرُ الناسَ) .