مجزرة قانا.. شاهدة على جرائم وإرهاب الاحتلال الإسرائيلي

 

بيروت /

الجرائم المروعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي عبر العقود الماضية كثيرة، لكن مجزرة قانا الأولى التي راح ضحيتها ما يقارب 250 قتيلاً وجريحاً مدنيا، معظمهم من الأطفال اتسمت بوقوعها في مقر تابع للأمم المتحدة في لبنان أمام مرأى ومسمع العالم أجمع وفي ظل انحياز تام من القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
واليوم يستعيد اللبنانيون أجواء المذبحة في ذكراها الـ25، لتكون شاهدة على أنها واحدة من أبشع الجرائم وعمليات الإرهاب التي نفذتها قوات الاحتلال ضد أبرياء عزل بعد أن لجأت عائلات لبنانية للاحتماء من العدوان الذي شن على لبنان باسم عناقيد الغضب في مقر تابع للأمم المتحدة ظنا منهم أنهم في آمان .
خمسة وعشرون عاما مضت على مجزرة قانا الأولى وما زالت ذكرى هذه المجزرة الدموية ماثلة في أذهان اللبنانيين وشعوب المنطقة كأكبر دليل على وحشية الكيان الإسرائيلي وعقليته الإرهابية التي تكشفت أمام الرأي العام العالمي بعشرات المجازر المروعة التي ارتكبها في فلسطين المحتلة ولبنان وغيرهما من دول المنطقة.
ففي مثل يوم أمس -18 أبريل 1996م- حدثت مجزرة قانا الأولى التي تمت في مركز قيادة فيجي التابع ليونيفل في قرية قانا جنوب لبنان، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه هربا من عملية عناقيد الغضب التي شنتها إسرائيل على لبنان .
وأدت حرب أبريل عام 1996م إلى بروز معادلة جديدة صنعتها المقاومة في لبنان رغم المجازر الإنسانية التي ارتكبتها “إسرائيل” في تلك الحرب.
واستطاعت المقاومة في لبنان مواجهة هذا العدوان وافشلت مشاريع الاحتلال الصهيوني واضطرّته إلى الاستنجاد بالإدارة الأمريكية لوقف القتال فكان “تفاهم “/ أبريل.
يومذاك تمكّنت المقاومة في لبنان من انتزاع اعتراف دولي بشرعية سلاحها ونضالها، وأرست أولى معادلات الردع بحماية المدنيين.
في تلك الحرب، ارتكبت “إسرائيل” أبشع مجازرها في بلدة قانا، في مقر للأمم المتحدة، حيث احتمى الأطفال والنساء بالمجتمع الدولي دون أي نتيجة، فارتكبت مجرزةٌ أُضيفت إلى قائمة طويلة من مجازر تفنّن الاحتلال في ارتكابها منذ أن بدأ احتلاله للمنطقة.فاشلةٌ كانت محاولة “إسرائيل” إجبار المقاومة على وقف عملياتها ضد جنودها فيما كان يعرف بالحزام الأمني، فمضت بسياسة القتل والتدمير والتهجير، فشنت أكثر من 1100 غارة جوية وقصف شامل لتطبع في ذاكرة العالم سلسلة مشاهد من أبشع المجازر ضد المدنيين في التاريخ المعاصر.
خلفية عن المجزرة
في أبريل 1996م، خرقت إسرائيل اتفاق مايو 1993م ، وبدأت عملية عناقيد الغضب بهدف ضرب المقاومة اللبنانية ومحاولة القضاء عليها.في حين كان ينص الاتفاق على أن أي اعتداء على المدنيين لدى أي طرف يسمح للطرف الآخر بالرد فورا وبالوسائل التي يراها مناسبة.
و قامت “إسرائيل” بغارات جوية على أهداف تضمنت قاذفات الكاتيوشا وتجهيزات لحزب الله ، ومواقع للجيش السوري، وحاصرت موانئ بيروت وصيدا وصور، وهاجمت محطة الطاقة الكهربائيةَ في منطقة الجمهور.
وكان تركيز القصف على الجنوب معقل المقاومة ما دفع أهل القرى إلى النزوح شمالاً وأخليت ما يزيد على 100 قرية ،وبعض من بقي من أهلها لجأوا أيام القصف المكثف إلى مراكز هيئة الأمم المتحدة العاملة في الجوار طلباً للمأوى والحماية.
ومع استمرار القصف الإسرائيلي لقرى الجنوب والبقاع الغربي وضواحي بيروت ردت المقاومة الإسلامية لتقصف مواقع الإسرائيلية فيما أعلن الأمين العام لحزب الله أن المقاومة سترد بقوة على الاعتداء.
وردت المقاومة بالمثل وطالت صواريخها المستوطنات الشمالية، ثم بدأت إسرائيل بقصف المدنيين العزل واستهدافهم، وكذلك البنى التحتية، واقترف المجازر بحق اللبنانيين عامة والجنوبيين خاصة،حيث نفذت الطائرات الإسرائيلية أكثر من 1100 غارة جوية على لبنان وأطلقت أكثر من 25 ألف قذيفة.
أحداث المجزرة
أجبر مجموعة من اهالي المدنيين من بلدات: قانا، جبال البطم، صديقين، رشكنانيه، حاريص، والقليلة اللجوء إلى معسكر للأمم المتحدة في بلدة قانا، وهي إحدى أكبر البلدات الجنوبية في صور، لحماية حياة الاطفال والنساء والشيوخ ، ظنا منهم أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تقصف مراكز قوات الطوارئ الدولية وأن هذا الموقع سيكون بمنأى عن نيران الكيان الإسرائيلي، احتراما لعلم الأمم المتحدة.
ولكن في الساعة الثانية بعد ظهر 18 أبريل 1996م أطلقت مدفعية الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة على الحدود مع لبنان بعيدة المدى من عيار 155 ملم، 17 قذيفة على القاعدة المترامية الأطراف لقوة حفظ السلام الدولية في قانا الكبيرة،انفجرت بعض القذائف قبل ارتطامها بالأرض وعلى ارتفاع حوالي سبعة أمتار منها، في الجو فوق الهدف،وانفجر الباقي مع ارتطامه بالأرض،وأدى ذلك إلى قتل أكثر من 100 من الأطفال والنساء والرجال الذين لجأوا هناك، وأصيب بعض الناجين بجروح فظيعة ووصلوا إلى المستشفيات المحلية بأجساد مشوهة ومحروقة ومصابة بشظايا.
ويرجع العدد المرتفع للضحايا إلى نوع القذائف التي كانت أكثرها من القذائف التي تنفجر في الجو فوق الهدف.
وفي تحقيق الأمم المتحدة قال شمعون بيريز رئيس وزراء الإسرائيلي”ان الجيش الإسرائيلي لم يكن على علم بوجود مدنيين في مقر الامم المتحدة”، وما يؤسف له أن صور المجزرة الصادمة وأشلاء الضحايا الممزقة وما تبعها من مأساة ودمار فشلت في تحريك الضمير العالمي، فقد تغاضت حكومات القوى الكبرى عن المجزرة وسارعت الولايات المتحدة إلى التغطية على جريمة حليفتها “إسرائيل” بتحميل الضحايا مسؤولية رفضهم مغادرة بلداتهم بعد تهديدات سلطات الاحتلال لهم.
وبعد عشر سنوات من هذه الجريمة الشنيعة كرر كيان الاحتلال عدوانه على لبنان في يوليو عام 2006م وارتكب خلاله مجزرة ثانية في بلدة قانا عندما قصفت قواته مبنى لجأ إليه المدنيون هرباً من جحيم العدوان ما أدى إلى استشهاد أكثر من 55 شخصاً واصابة العشرات ليستكمل حربه المفتوحة ويؤكد همجيته وإرهابه من جديد.
الجرائم المروعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي عبر العقود الماضية كثيرة فمن مجزرتي قانا إلى مجازر صبرا وشاتيلا وبنت جبيل وغيرها في لبنان وصولاً إلى مجازر دير ياسين وقبية وخان يونس والقدس وغيرها في فلسطين المحتلة والتي راح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين.
مجازر الاحتلال المروعة وممارساته الوحشية وعمليات القتل والتهجير المرتكبة بحق أبناء شعوب المنطقة العربية قوبلت على الدوام بانحياز تام إلى جانبه من قبل قوى الاستعمار الغربي وعلى رأسهم الولايات المتحدة في وسائل الإعلام وفي المحافل الدولية والدفاع عن جرائمه في تجاوز وخرق فاضحين للقرارات الدولية وميثاق الأمم المتحدة فيما استكملت واشنطن انحيازها لكيان الاحتلال في السنوات الأخيرة بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بمدينة القدس المحتلة كعاصمة لهذا الكيان ونقل السفارة الأمريكية إليها إضافة إلى إعلانه بشأن الجولان العربي السوري المحتل محاباة لهذا الكيان الغاصب.

قد يعجبك ايضا