كثيرة هي المساجد والآثار الإسلامية التي تزخر بها اليمن والتي تعكس عظمة وأصالة هذا الشعب العظيم
ويوجد في مدينة زبيد التاريخية قرابة مائتي جامع، كلها تعود لعصور قديمة غير أن من ابرز هذه المعالم الإسلامية التي لازالت تنبض بالحياة جامع الاشاعرة الذي يعود تأسيسه إلى الصحابي الجليل ابو موسى الأشعري في السنة الثامنة للهجرة الموافق سنة 629ميلادية ليبقى واحدا من اهم المعالم التي تحظى بمكانة روحانية وتاريخية في نفوس اليمنيين
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الجامع الذي يقع بالقرب من سوق زبيد التاريخي تعرض عقب تأسيسه من قبل الصحابي أبو موسى الأشعري في صدر الإسلام لعدة عمليات ترميم وتوسعة ومن تلك التوسعات ما قام به الحسين بن سلامة كما تعهده سلاطين بني رسول بالعناية والتجديد، غير أن أهم الإضافات التي تمت فيه كانت في عهد بني طاهر على يد الملك المنصور عبدالوهاب بن داوود سنة (891هـ/1486م) ,وظل الجامع على وضعه الحالي حتى اليوم، وقد أشار إلى ذلك المؤرخ الكبير ابن الدبيع في كتابه “بغية المستفيد”.
يشغل جامع الأشاعرة حاليا مساحة مستطيله أبعادها (50.35×50.24 م) وتحتوي على صحن مكشوف مقاساته (11×5م) وتحيط به أربعة أروقة أعمقها رواق القبلة، يمكن الدخول إليه عبر البوابة الرئيسية الواقعة في الجهة الجنوبية أو من خلال الأبواب الأخرى الموزعة على جدران الجامع والتي تفتح مباشرة على رواق القبلة ,والجدير بالذكر أن المحراب لا يتوسط جدار القبلة ,ويعزى السبب في ذلك إلى الزيارات المتكررة على الجامع ,كما وضع منبر خشبي داخل الجدار إلى الشرق من المحراب ,وهو منبر يرجع تاريخه إلى عام (949هـ/1542م) وينسب إلى الوالي العثماني مصطفى باشا النشار, ويغطى المسجد سقف خشبي مسطح وضع أسفله أزار خشبي لم يبق منه إلا النزر اليسير.
أما مئذنة الجامع فتقع في الرواق الجنوبي، وترتكز على قاعدة مربعة يعلوها بدن مثمن تزينه أشكال معينات متكونة من تقاطع الخطوط, وتغطي المئذنة من أعلى قبة مقر نصة وهي بذلك تشبه طراز المآذن المنتشرة في زبيد ولا سيما مئذنة الجامع الكبير.
يلحق بالجامع عدد كبير من المنشآت من أهمها مدرسة الأشاعر في الجهة الغربية وكذلك مكتبتان كانتا تظم نوادر المخطوطات وكذلك مقصورة للنساء, كما احتوى الجامع على كرسي من خشب كان مخصصا لقراءة الحديث النبوي الشريف وما زال موجودا في رواق القبلة إلى اليوم منذ تاريخ صنعه في عام (927ه/1520م).
لقد كان جامع الشاعر جامعة إسلامية كغيره من الجوامع والمدارس التي عمرت عبر التاريخ، فضلا عن الأربطة والمقاصير التي أنشئت لطلاب العلم الغرباء من جميع أنحاء اليمن والعالم الإسلامي, وأصبح يمثل كعبة للزهاد والعباد والصالحين الذين أمُّوه لما له من قدسية وروحانية ولايزال حتى يومنا عامرا ويؤمه الكثير من المصلين الذين يجدون في جنباته الشعور بتجليات الأيمان وروحانية المكان وقداسة وعبق التاريخ الأصيل.