السياسة الخارجية المتوازنة في ظل المرحلة الانتقالية جنبت اليمن مساوئ المرحلة والانصياع للإملاءات الأجنبية
رغم المعوقات التي يشهدها الداخل على صعيد الممارسات التي تحاول إعاقة التسوية السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية التي أفضت إلى حوار وطني شارف على الانتهاء وتحقق لليمن في مجال السياسة الخارجية تطورات لافتة تظهر في المواقف الدولية المؤيدة لبقاء اليمن موحدا وأكثر أمنا واستقرارا والداعمة لإنجاح التسوية السياسية والمرحلة الانتقالية برمتها في هذا الاستطلاع نقرأ مزيدا من النجاحات السياسية الخارجية اليمنية وأسباب ذلك في ظروف معقدة يعيشها البلد.
البداية مع السياسي الدكتور عبد الله التميمي والذي بدوره تحدث عن واقع السياسة اليمنية الخارجية في ظل المرحلة الانتقالية قائلا: السياسة اليمنية الخارجية في ظل المرحلة الانتقالية اكتسبت أهمية كبيرة كونها وليدة ثورة شبابية عارمة وتوافق وطني ترعاه دول إقليمية ودولية وفي تصوري هذا تطور لافت تحقق للسياسة الخارجية في ظل زمن قصير جدا.
مشيرا إلى أهم ملامح السياسة الخارجية في المرحلة الانتقالية الحالية التي تتضح في الرؤية الثاقبة لضرورة فتح آفاق جديدة وعقد مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية خلال الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس هادي إلى الصين والرسائل الرمزية للمجتمع الدولي تدل على أن علاقاتنا القادمة ستقوم على الصراحة والشفافية والوضوح والاحترام المتبادل بالإضافة إلى حرص السياسة الخارجية على تقديم تطمينات للمجتمع الدولي تؤكد قدرتها على كبح الجماعة الإرهابية والتعامل بكل صرامة مع هذا الملف خاصة وأنه يترتب عليه إيفاء لمانحين بوعودهم تجاه اليمن لارتباط موضوع المنح بهذا الملف الخطير.
المنظومة الإقليمية
من جهته يقول الدكتور عبدالملك الضرعي –جامعة صنعاء: إن عام 2011م مثل تحولاٍ مهماٍ في سياق السياسات المحلية والإقليمية والدولية في الوطن العربي نتيجة الثورات الشبابية الشعبية السلمية التي بدأت في تونس ولحقتها دول أخرى من ضمنها الجمهورية اليمنية وبالعودة لما قبل2011م سنجد أن النظام السياسي في الجمهورية اليمنية كان يقيم تحالفاته الإقليمية والدولية في إطار النظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها في الإقليم لكن الربيع العربي الذي تجلى في 2011م جعل الدول الكبرى تعيد قراءة المشهد وتحاول إعادة مسار منظومة العلاقات الدولية والإقليمية إلى سابقها مع التحكم بالتوجهات السياسية المحلية مرة أخرى.. غير أن المتغير الجديد فرض واقعا جديدا.
موضحا أن المبادرة الخليجية كانت الخطوة الأولى لإعادة ترتيب المشهد اليمني وبما يتناسب مع عناصر المعادلة السياسية الجديدة في اليمن والتي نجمت عن الثورة الشبابية وبالتالي مثلت المرحلة الانتقالية أحد نتائج المبادرة الخليجية التي وقعت عليها الأطراف السياسية المتصارعة في اليمن لتغدو توجهات السياسة الخارجية اليمنية في المرحلة الانتقالية جزءاٍ أصيلاٍ من مضمون المبادرة الخليجية واستطاعت من خلالها المحافظة على حالة من التوازن الإيجابي في علاقاتها الخارجية.
مشيرا إلى التحديات التي تحاول عرقلة التوازن في علاقات اليمن الدولية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني والتي وصفها بغير المسبوقة كما صاحبت تلك التحديات الداخلية محاولات تدخل لبعض الدول في الشئون الداخلية اليمنية وما تواجه الحكومة اليمنية من تحديات يومية متعددة تستدعي وضع استراتيجية خاصة لكيفية بناء علاقات خارجية طويلة المدى تعزز من الأمن الداخلي وتوفر متطلبات التمويل الضروري لدعم موازنة الدولة .
وقال الضرعي إن ثبات سعر صرف العملة واستمرار تدفق المساعدات الدولية والدعم الدولي المساند لتوجهات الدولة السياسية وخاصة ما يتصل منها بدعم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني كل تلك مؤشرات على النجاح النسبي للسياسة الخارجية اليمنية في المرحلة الانتقالية.
المجتمع الدولي
الدكتور عبدالعليم باعباد –مستشار أمين العاصمة ومختص بالقانون العام والعلاقات الدولية يقول: إن تعزيز الثقة والإيجابية تعتبر من المواجهات التي ينبغي أن ترافق المراحل الانتقالية التي تعقب الأزمات والثورات لأن هذه المراحل تعد من المحطات الخطيرة التي تمر بها الدول لأنها تعيش وضعا استثنائيا وبالنتيجة تكون السياسة الخارجية في نشاطها وعملها استثنائية.
موضحا أن السياسة الخارجية اليمنية استطاعت وبرغم هذه الظروف كسب ثقة وتأييد المجتمع الدولي بل وتبني قضيته والعمل عل? حلها لصالح أمن واستقرار ووحدة اليمن وتجنيبه مغبة الصراع والعنف والحفاظ عليه من التردي والانهيار بالرغم من كثرة العوائق أمنيا وجعلته يتبنى القضية اليمنية ويعمل سياسيا وبهذا تمكنت من حشد وكسب ثقة المجتمع الدولي ومواقفه المستمرة خلال المرحلة الانتقالية إل? جانب اتساق هذه المواقف مع مصالح هذه الدول .
منوها بأن هذه السياسة توجت بثقة المانحين الدوليين ودعمهم الاقتصادي في مؤتمراتهم الدولية العديدة المنعقدة في هذا الاتجاه والتي انعكست إيجابا على إنجاح التسوية السياسية واستكمال تنفيذ المبادرة الخليجية بالإضافة إلى مبادرات وإجراءات اتخذتها القيادة السياسية في سبيل تفعيل العلاقات السياسية وتنشيطها مع هذه الدول منفردة بما يضمن الحضور الدولي ولو في حده الأدنى عملا بالمتاح وإيمانا بضرورة النظر لليمن نظرة تقدير واحترام وشراكة وصولا إل? الندية والتكافؤ.
زيارات مثمرة
باعباد تطرق في السياق ذاته إلى الزيارات الخارجية التي قام بها رئيس الجمهورية لعدد من الدول وحضور المؤتمرات الدولية المنعقدة بشأن اليمن كمؤتمر أصدقاء اليمن المنعقد بنيويورك في 27 سبتمبر من العام الماضي أو القمة العربية الأفريقية الثالثة المنعقدة في الكويت خلال هذا العام وزيارته للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا العام المنصرم وإل? كل من روسيا والصين خلال هذا العام 2013. وقال لقد عملت تلك الزيارات على تحقيق استمرار وحدة وفاعلية الموقف الدولي من ناحية وكذا فتح آفاق جديدة للعلاقة مع هذه الدول منفردة تتمثل في الشراكة والاستثمار والمساعدة الاقتصادية بما يخدم مصالح اليمن ومصالح هذه الدول من ناحية أخرى.
مؤكدا أن هذا النهج وفي هذه الظروف بالذات قد جنب اليمن مساوئ المراحل الانتقالية كالضغوط الدولية والانصياع للسياسات الخارجية والأطراف الفاعلة خصوصا مع الحاجة وقلة ذات اليد رغم تغلغل النفعية في توجهاتها ومضامينها.
داعيا إلى تجاوز الفتور في النشاط الدبلوماسي بالإضافة إل? تجاوز ترهل وكثافة حجم التمثيل الدبلوماسي الذي يتسم بعدم الفاعلية وقلة الخبرة في بعض جوانبه مع ضرورة أن تقوم السياسة الخارجية عل? دراسات تختص بها مؤسسات علمية متخصصة بحيث تعكس هذه السياسة الخارجية الإرادة الشعبية وتحقق التوازن بين حمل الرسالة الوطنية والضرورات السياسية وكذا تحقيق مصالح البلد ومصالح المجتمع الدولي وإعادة هيكلة الجهاز الدبلوماسي ليكون التمثيل بحجم الفائدة والحاجة والالتزام بمعايير الكفاءة والأهلية عند اختيار العاملين بهذا السلك.. وبذلك نضمن سياسة خارجية ناجحة تحقق بأقل كلفة مصالح الشعب .
الأولويات
فيما يرى الدكتور نبيل الشرجبي –أستاذ العلاقات الدولية السياسية بجامعة الحديدة- أن السياسة الخارجية اليمنية لم تتغير بشكل جذري عما كان عليه في السابق ولكن المشهد اليمني وظروف اليمن وخاصة مسألة انتقال السلطة وقضايا الحوار جعلت هناك تداخلاٍ أكبر في سياسة اليمن بالأطراف الأخرى.
موضحا بأن هنالك قضايا احتلت الأولوية عن غيرها من القضايا وربما من أجل إخراج اليمن من محنته مع وجود سبب آخر لم يؤد إلى تغير الحال وهو بقاء الجهاز الذي كان يقود السياسة الخارجية في السابق دون تغيير جذري ومن ثم فإن الأطراف الخارجية هي التي تضع أولويات سياسة اليمن معها خلال هذه الفترة.
إنعاش الاقتصاد
فيما يؤكد الحقوقي سمير البدري: إن السياسة الخارجية كانت ناجحة بعض الشيء خاصة فيما حققته من جهود في تنظيم اجتماعين لكل من المانحين وأصدقاء اليمن في كل من الرياض ونيويورك بمشاركة دولية وإقليمية واسعة تمخضت عنها تعهدات مالية تقترب من 8 مليارات دولار لدعم وإنعاش الاقتصاد اليمني ومن المنتظر أن تبدأ مطلع العام 2013 عملية تخصيص المشاريع وتمويلاتها لتنفيذ المشاريع العاجلة والضرورية لاستعادة الخدمات وتحسينها وتشغيل الشباب وخلق فرص العمل والتخفيف من الفقر والبطالة ومعالجة الأوضاع الإنسانية للنازحين في أبين وصعدة ومناطق أخرى وتعويض المتضررين نتيجة الحروب والأزمة السياسية .
الحقوق الدولية
محمد الأحمدي -الناشط في مجال حقوق الإنسان بمنظمة الكرامة الدولية لحقوق الإنسان- يقول هناك تقدم نسبي في أداء الحكومة الانتقالية اليمنية لجهة السياسة الخارجية خاصة ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان كقرار الحكومة اليمنية بإنشاء لجنة لمتابعة أوضاع المعتقلين اليمنيين في الخارج سواء المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو وباجرام أو معتقلي اليمن في العراق والسعودية أو غيرها ولو لم تحرز هذه اللجنة أي خطوة أو إنجاز حتى الآن بسبب عدم توفر الإمكانيات المطلوبة لأداء الدور المنوط بها .
وأوضح الأحمدي بأن هناك تنشيطاٍ ملحوظاٍ لأداء وزارة حقوق الإنسان في ما يتعلق بالتعاطي مع آليات حقوق الإنسان الدولية خاصة آليات الأمم المتحدة فالخارجية اليمنية المكلفة بإدارة الدبلوماسية اليمنية تبدي تفاعلها الجيد أحياناٍ إزاء العديد من القضايا الحقوقية ذات البعد الدولي لكنها في ذات الوقت لا زالت تتعاطى مع تلك القضايا بعقلية الأنظمة السابقة .
تقديم التنازلات
ومن جهة أخرى يرى البرلماني كهلان صوفان –رئيس لجنة الحقوق والحريات بمجلس النواب- بأن السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية لم تتغير سواء في المرحلة الانتقالية أو قبلها غير أن ظروف المرحلة الانتقالية وحاجة اليمن للدعم الدولي في مختلف المجالات وخاصة في المجالين الاقتصادي والأمني في ظل ما رافق هذه المرحلة من تدهور اقتصادي حاد واختلالات أمنية غير مسبوقة.. قد ساعد على وجود مواقف إيجابية تجاه اليمن خاصة وأنه بؤرة مركزية في المصالح الدولية بحكم الموقع الجغرافي.
موضحا بأن كل تلك الإرهاصات جعلتنا نقدم لدول مؤثرة في صناعة القرار الدولي كأمريكا تنازلات أكثر كفتح الأجواء للطائرات بدون طيار تضرب متى ما تشاء وأين ما تريد وهذا بدوره كان على حساب السيادة الوطنية وأثار الكثير من السخط الداخلي بسبب ما يرافق ذلك القصف من إزهاق أرواح الكثير من المدنيين الأبرياء أما فيما عدا ذلك فهي سياسة حكيمة ومتوازنة.
تحت الوصاية
السياسي الدكتور جياب مسعود اليهري يقول: من الصعب تقييم السياسة الخارجية لليمن في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها وانشغالها بالوضع الداخلي وربما جهود وتنسيق الخارجية اليمنية في المرحلة القادمة ستكون في أعلى مستوياتها حتى تخرج اليمن من قاعات مجلس الأمن إلى فضاء الأمن والاستقرار.