الثورة / جمال أحمد
مميزون ومثابرون .. يعملون بصمت ولا يتذمرون حين يتباهى غيرهم وينسب إلى نفسه نجاحاتهم.
يعملون فرادى وجماعات.. وينفذون المهام الخطيرة ويعيشون بيننا ويتنقلون بهويات مزيفة .. ينقذون البعض ويسلبون روح أو حرية البعض الآخر حسب المهام التي توكل إليهم.
موزعون حسب التدريب والتأهيل الذي تلقوه .. منهم من يحمل الصفة الرسمية وأغلبهم وأخطرهم بدون هوية حقيقية ويجيد الكثير من الأعمال ولا يأنف أن يمتهن أي عمل يساعده في تنفيذ مهمته.
اغلب المنتسبين إلى اجهزة الاستخبارات لا يخبر أهله وأقرب الناس إليه عن طبيعة عمله ولا يبوح لأحد بسبب اختفائه أو ظهوره في مكان أو زمن بعينه وإن فعل فهو يكذب بحرفية وإتقان ويمتلك الحجج اللازمة لتمرير كذبه.
البعض يخافهم الكثيرون ويطمئن إليهم القليلون في حين أنهم من يرسم ويضبط الحدود للمسموح والممنوع في نشاط الجميع وفق نظام دقيق وإجراءات صارمة لا مجال فيها لأي استثناء.
يمارسون عملهم الرئيسي بسرية تامة وحذر شديد مدربون على تخطي أصعب الاختبارات, وعلى تحمل اشد أنواع التعذيب وعلى المراوغة والتمويه والكذب المقنع ومؤهلون لاستنباط ومعرفة ما يدبره أو يديره الآخرون من خلال بضع كلمات يسمعونها أثناء حوار أو من خلال إشارات ترد في حوار أو نقاش بين اثنين أو أكثر.
يغلب على نشاطهم العملي المخاطرة ويتهدد حياتهم العادية وحياة المحيطين بهم في حال كشفوا الموت أو الخطف والتعذيب.
يعيشون كل تلك المخاطر من أجل قضايا وتطلعات كبيرة وأهداف سامية وغايات عظيمة آمنوا بها وبأنها تستحق أن يخاطروا من أجلها بأرواحهم.
هل كان ما أوردته من صفاتهم وما يتميزون به كافيا؟ هل عرفتم من هم ولماذا هم مميزون ولماذا يجب علينا أن نكون ممتنين لهم رغم ارتيابنا ونفورنا منهم؟
نجاحات مبشرة
قبل بضعة أسابيع أعلن تحقيق نجاح جديد لجهاز المخابرات والأمن حيث أعلن القبض على خلية تجسسية جندتها ودربتها المخابرات الأمريكية والبريطانية بغرض الحصول على معلومات عسكرية وأمنية ورفع إحداثيات عن مواقع يعتقدون أنها تتبع سلاح الصواريخ والطيران المسير.
وقبل أيام كشف جهاز الأمن والمخابرات معلومات استخبارية هزت أركان العدوان ويتوقع أن تفقده الثقة بعناصره وأجهزته, وهذه إحدى الغايات التي يسعى إليها أي جهاز مخابرات لا سيما في أوقات الحرب.
رصد ومعلومات تفصيلية
كما كشف جهاز المخابرات عن تمكنه وحصوله على معلومات دقيقه عن العناصر والهيكل التنظيمي لـ”القاعدة” في مارب، وعن قياداتهم وأماكن تواجدهم ومعسكراتهم في مارب, وسمت أميرهم “أمير ولاية مارب” المدعو سمير ريان والمكنى بـ معتز الحضرمي، ومسؤولهم العسكري أكرم حسين حسن القليسي، المكنى بأويس الصنعاني.
وكشف الجهاز في تقرير استخباراتي مفصل عن معلومات وأسماء أكثر من 100 قياديٍ وعنصرٍ مما يسمى “ولاية مارب” في القاعدة وعرضَ المهام الموكلة إليهم، ومعلوماتٍ عن 20 قياديا وعنصرا من “القاعدة” في مارب من الذين فروا من البيضاء إلى مارب خلال الفترة الماضية.
وأكد التقرير أن 8 قياديين من تنظيم “القاعدة” يقاتلون في مارب إلى جانب المرتزقة، وهم من الذين فروا سابقا من محافظة الجوف.
وأشار إلى أن محافظة مارب تمثل الشريان الرئيسي لتنظيم “القاعدة” الذين تواجدوا في محافظة البيضاء وخصوصًا منطقة قيفة قبل تطهيرها من الجيش واللجان، كاشفا عن أسماء بعض العاملين في مصلحة الجوازات في مارب الذين يقومون بتسهيل المعاملات لعناصر “القاعدة” بقطع جوازات وهويات مزورة لهم.
وقال التقرير “تمتلك “ولاية مارب” عددا من المعسكرات تتنوع بين معسكرات دعوية فقط، أو عسكرية ودعوية إذا كانت في مكان يعد حاضنة شعبية للتنظيم مثل قرية الخثلة الفقراء، مضيفا أن “معسكر شعب علي” يتواجد في جبهة جبل مراد ويقوم هذا المعسكر باستقبال عناصر “القاعدة” التي ستقاتل مع قوات المرتزقة في جبهتي العبدية وجبل مراد”.
ولأهمية حرب المعلومات وخطورتها في وضع التصورات والخطط العسكرية أثناء الحروب نورد بعض التعاريف والمفاهيم للمصطلحات المتعارف عليها في الأعمال الاستخبارية والأمنية كمعلومات تثقيفية.
الدور الحاسم للمخابرات
يذكر التاريخ- العسكري منه بشكل خاص- أهمية عمل المخابرات والاستطلاع والتجسس، ودورها في الحروب، ذلك أن هذا العمل يرتبط بمفهوم آخر، ويعتبر مبدأ أساسيًا من مبادئ الحرب وهو الأمن، أي أمن الجيوش وسلامة انتقالها وتمركزها وحركات وحداتها، سواء أكان ذلك في فترة السلم أم في فترة الحرب, فالأمن من أهم عناصر نجاح القائد في تأمين النصر في المعركة أو في الحرب، وهو يتطلب عملًا مستمرًا، لمعرفة العدو, لذلك كان القائد يرسل «العيون» أي الجواسيس لاستطلاع طبيعة الأرض وتضاريسها، الأنهار والجبال والمسالك المحتملة لتقدم العدو، أو لتقدم الصديق وخصوصًا تلك التي لا يمكن توقعها… الخ، وهذا الفن مارسه أكثر القادة العسكريين منذ القدم، مرورًا بالإسكندر وهنيبعل والرومان والمسلمين العرب والمغول والعثمانيين، وحتى نابوليون بونابرت, وقد أكد القائد الإنجليزي الجنرال ولنغتون الذي هزم نابوليون بونابرت في معركة واترلو (1815) أن «كل أعمال الحرب هي أن تعرف ماذا يجري في الجهة االمقابلة من التل».
بدايات موثقة
لقد عرف العمل الاستخباري قديما وتذكر الدراسات أن الفراعنة قد استخدموا النشاط الاستخباري, وكذلك فعل آخرون في العصور السحيقة الأمر ذاته كالصينيين والهنود والمقدونيين والرومان والمغول, وفي القرآن الكريم ورد في قصة النبي سليمان عليه السلام والهدهد وملكة سبأ ما فيه دلالة واضحة على أهمية العمل الاستخباراتي وكيف أنه يكون حاسما في اتخاذ القرار حتى في أيام الخلافات الإسلامية وحتى نبينا الكريم فعل وشرع لذلك اتقاء لشر الجماعات التي تكيد وتدبر للإضرار بالمسلمين ودولتهم.
وفي العصر الحديث زادت أهمية أجهزة المخابرات وشهدت مدارس عديدة حرب جواسيس أشد وأوسع حتى أنها شملت أغلب المناشط الحياتية في أوقات السلم والحرب لما للمعلومة من أهمية في حفظ الأنظمة الحاكمة وحماية البلدان والشعوب وحتى الثقافات على اختلافها.. ومن هنا ولأهمية هذا الأمر ولما يشكله من مخاطر نستطيع ادراك وفهم سر اهتمام المعنيين في حكومة الوفاق والقيادة السياسية وفخرها بالمستوى الاحترافي الذي تتمتع به قيادة وعناصر جهاز المخابرات والأمن في اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية للتحالف وعملائهم وكذلك كشف عناصرهم ومجنديهم الذين فشلوا في تحقيق أي إنجاز أو نجاح في الشقين العسكري والأمني بوجهيه التخريبي الإجرامي أو في محاولاتهم النيل عبر قواهم الناعمة التي أرادوا منها زعزعة الثقة بين الشعب وقيادته أو زرع الفتنه بين شرائح وفئات المجتمع اليمني.
الجاسوسية في الشرق
يعتبر «صن تزو» صاحب كتاب «فن الحرب» (عاش في القرن الخامس ق.م. في الصين) أن العمليات السرية هي الأساس في الحرب، وعليها يستند الجيش في تنفيذ أي من تحركاته. والجاسوسية بنظره من أهم أسباب انتصار القائد العسكري، إضافة إلى التخطيط التكتيكي والاستراتيجي، وقد صنّف الجواسيس أو العملاء السرّيين إلى أنواع خمسة:
• العملاء المحليون: مواطنون محليون يتقاضون مكافآت على المعلومات.
• عملاء الداخل: خائن في صفوف العدو.
• عملاء مزدوجون: يؤدون دورًا مزدوجًا.
• عملاء يضحى بهم: عميل اعتاد تزويد العدو بمعلومات كاذبة، يحتمل قتله في ما بعد.
• عملاء أيابون: عميل مدرب يعتمد عليه في العودة من مهمته بأمان.
كذلك يقول «صن تزو»: «إن من يعرف عدوه يعرف نفسه، ويخوض مئة معركة بدون خطر, فالأمير المستنير والعماد المدرك يغلبان العدو في كل مرة يتحركان فيها، وإذا كانت إنجازاتهما تفوق المألوف فهذا بفضل الاستعلام المسبق، والاستعلام المسبق لا نحصل عليه بواسطة الأرواح ولا بالقوى الخارقة للطبيعة ولا بالمقارنة مع الأحداث الغابرة ولا بالحسابات الفلكية، إنما يجب الحصول عليه من الرجال الذين يعرفون وضع العدو».
في اليابان ظهر في القرن الرابع عشر فرسان «النينجا» Ninjas معنى الكلمة «غير المرئي» أو فن «التخفي» أو «الشبح»)، وكانوا مدرّبين على أصعب الأعمال القتالية والمهارات والسرعة والخفة، ويكلفون بمهمات الاغتيال والتجسّس وغيرها من الأعمال الأمنية غير التقليدية.
المخابرات في العصور الحديثة
أسّس الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن أول جهاز مخابرات (الخدمات السرية Secret Services خلال حرب الاستقلال، وخصص له ميزانية خاصة ليقوم بأعماله فوق الأرض الأميركية وفي أوروبا ضد الإنجليز.
وأثبتت معظم الأحداث أهمية توافر أجهزة مخابرات أو جواسيس بين الدول, وقد قام بهذه المهمة في فترة ما المبعوثون والقناصل والسفراء وبعض التجار ورجال الأعمال والرحالة، وبخاصة في القرون الوسطى والعصور الحديثة.
وقد كرّست الحربان العالميتان الأولى والثانية أهمية أجهزة المخابرات وأظهرتا أن اليد العليا في الحرب هي لمن يملك المعلومات ويستثمرها في رسم مخطط النصر وتغيير مصير الحرب.
أجهزة المخابرات العالمية
تعتبر مخابرات الدول الكبرى أقوى أجهزة المخابرات في العالم، وبخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الشرق الأقصى. وقد كرّست وجودها في الحروب التي اندلعت بين هذه الدول خلال قرون، وازدادت أهميتها بسبب التنافس السياسي والاقتصادي والتكنولوجي والصناعي.
• وكالة المخابرات المركزية CIA:
شكّل الهجوم الياباني على بيرل هاربر في جزر هاواي الأميركية في 7 ديسمبر 1941م، وعدم اكتشاف المخابرات الأميركية له قبل وقوعه، صدمة معنوية وعسكرية لهَيبة الولايات المتحدة، ما دفع الرئيس الأميركي روزفلت لتأسيس «مكتب الخدمات الاستراتيجية» (1942م) والذي شكل أساس إنشاء «وكالة المخابرات المركزية الأمريكية» (سي.آي.إي) العام 1947م. وتهتم هذه الوكالة بمعرفة كل ما يجري في العالم خارج الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت، وهي تعتبر من أقوى أجهزة المخابرات في العالم، وتمتلك إمكانات هائلة بشرية ومادية وتقنية.
• المخابرات الروسية FSB:
عزز الصراع السوفياتي الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية، وانقسام العالم إلى محورين حولهما إنشاء جهاز مخابرات روسي مركزي KGB يهتم بأمن دول الاتحاد السوفياتي ومتابعة أدق التفاصيل السياسية والعسكرية فيها، بمعاونة أجهزة رديفة في كل دولة من دولة وكذلك متابعة ما يجري في بقية دول العالم وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة. وتركز عمله في مكافحة الجاسوسية الغربية والقيام بالتجسس الصناعي والتكنولوجي والعسكري, وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق أنشئ الجهاز الجديد FSB على قاعدة الجهاز القديم، وهو من أقوى الأجهزة في العالم على الصعيدين الداخلي والخارجي.
لقد وسم الصراع بين هذين الجهازين وحلفائهما مرحلة ما عرف بالحرب الباردة بين الجبارين، على امتداد مساحة العالم, فبالإضافة إلى الصراع المباشر بينهما تميزت هذه الحقبة بكثرة التدخلات التي كانت تتم علنًا أو من وراء الستار من قبلهما في كثير من الدول التي شهدت عددًا كبيرًا من الانقلابات وتغيير أنظمة الحكم الموالية لأي منهما، أو الاغتيالات أو الحروب.
بالإضافة إلى هذين الجهازين الكبيرين يمكن تمييز بعض الأجهزة الأوروبية القوية كجهاز وكالة المخابرات الإنكليزية الخارجية MI6) والفرنسية DGSE، والألمانية BND.وفي العالم العربي تعتبر المخابرات المصرية من أكثر أجهزة المخابرات نشاطًا وفاعلية.
كذلك في آسيا يمكن اعتبار أجهزة مخابرات الباكستان والصين وأستراليا والهند والعدو الإسرائيلي وإيران وتركيا من أكثر أجهزة المخابرات الفاعلة على مستوى المنطقة والعالم.
الجاسوسية
هي عبارة عن علم له قواعد وأصول يجب إرشاد الجواسيس إليها ليتمكنوا من إنجاز وأداء واجباتهم كما تتطلبها الغاية التي يسعون إليها.
التجسس
هو جهد عملي استباقي شامل يكلف بتنفيذه فرد أو فريق بهدف الحصول على معلومات ليست متوفّرة عادةً للعامّة، وهو أحد الأنواع والسبل الملتوية في الحروب الحديثة والقديمة إضافة إلى أنه يمثل تربصاً “وخطراً داهماً” لكلا طرفي الحرب.
من هو الجاسوس
الجاسوس هو الشخص الذي يعمل في الخفاء أو تحت شعار كاذب ليحصل على معلومات عن العمليات العسكرية لدولة محاربة بهدف إيصالها للعدو، فهم يعملون في وقت الحرب والسلم ويحصلون على معلومات لتعزيز جبهة الدولة التي يتجسسون لحسابها، وفي حالة نشوب حرب جديدة للحصول على معلومات عن تطور الأسلحة الحربية في الدول الأخرى وما وصلت إليه من تكنولوجيا حديثة، ومن أجل تقوية الصراع القائم بين الدول على القواعد الاستراتيجية والسيطرة على مناطق النفوذ، والاستفادة من الاضطرابات السياسية في بقاع العالم، مثل مشكلة فلسطين والعراق عن طريق دس الفتن والمؤامرات السياسية لخدمة مصالحها السياسية والاستراتيجية.
معلومات عامة
أثناء الحروب يعاقب الجاسوس (عنصر المخابرات) بالإعدام وفي السلم بالسجن لمدة معينة تحددها دساتير وقوانين البلد المستهدف.
خلاصة
على الرغم من اختلاف الوسائل وتغير التقنيات واختراع الآلات والأسلحة الحديثة، من الأنواع المختلفة في الجو والبحر والبر، وثورة الاتصالات والمعلومات والإعلام وتعدّد وسائلها، وتسخيرها لخدمة العمل الاستخباري أو التجسسي، من أقمار اصطناعية وطائرات بدون طيار، وشبكات الانترنت، يبقى الإنسان هو العنصر الأساسي في أي عمل مخابراتي لما يملك من قدرة على التقييم والتحليل والحل والربط، والتكيّف مع كل حالة، وكذلك لما يملك من إمكانات عقلية وفكرية تمكّنه من إحداث تغيير في واقع ما في الزمان والمكان، بالاتجاه الذي يخدم مصالح الدولة أو الجهة التي يعمل لأجلها.
لذلك فإن وجود العناصر الكفيّة والمنسجمة في أجهزة المخابرات وابتعادها عن الحسابات السياسية والمصالح الخاصة يعطي دفعًا لعمل هذه الأجهزة ويوفّر التكامل بين فروعها المختلفة واختصاصاتها المتعددة.
ولكن كلما خفّت المراقبة على عمل هذه الأجهزة، أو تخلى القيمون عليها عن القيم الإنسانية والمثل العليا والأخلاق في فكرهم وعملهم تحولت إلى آلة وحشية للهدم وللقتل، كما حدث ويحدث في بعض الدول والأنظمة أو المنظمات الإرهابية، وبدلًا من أن تكون وسيلة لضمان أمن الناس وحريتهم وحمايتهم تصبح أداة للقمع والقهر وكبت الحريات.