الدكتور أحمد مكي لـ”الثورة”:يجري التحضير لعقد المؤتمر التاسع للصحة النفسية لدراسة الظواهر السلبية التي سببها العدوان على المجتمع
• الأمراض النفسية من العوامل المعيقة للعمل والتفكير والإنتاج
• هناك دور مهم للأسرة في تنشئة أطفال وأجيال خاليين من الأمراض النفسية
الظروف الاقتصادية الناجمة عن الحرب والحصار جعلت الدولة غير قادرة على مساعدة المرضى والمستشفيات بالشكل المطلوب
لدينا الآن ما يقارب 60- 70 أخصائياً نفسياً في اليمن وهو عدد قليل جداً
النساء معرضات أكثر للاكتئاب والرجال معرضون لمرض الفصام العدواني أو الخيال
القات يعد عاملا كبيرا في زيادة الأمراض النفسية
الاستقامة والالتزام الديني يساعدان في التخفيف من الإصابة النفسية
إذا أردنا صحة نفسية جيدة فلا بد من وجود طبيب نفسي لكل 10 آلاف شخص
أكد الدكتور أحمد محمد مكي، عضو مجلس الشورى وكبير أخصائيي الصحة النفسية في اليمن، أن الفقر الناجم عن ظروف العدوان والحصار ضاعف من مشاكل الصحة النفسية نتيجة الحاجة والعوز وعدم القدرة على توفير متطلبات المعيشة وأن الأمراض النفسية تعد من العوامل المعيقة عن العمل والتفكير والإنتاج، مشيرا إلى أن الحرب والحصار رفعت المعاناة النفسية بين الأطفال والنساء نتيجة الخوف والرعب الذي يتعرضون له جراء مشاهدة القنابل والصواريخ أمام أعينهم وبجوار منازلهم.
ولفت الدكتور مكي إلى أن الاستقامة والالتزام الديني يساعدان في التخفيف من الإصابة النفسية، برغم أن المرض النفسي عضوي عبارة عن مواد كيميائية ويحتاج علاجاً كيميائياً.
مؤكدا أنه يجري الآن التحضير لعقد المؤتمر التاسع للصحة النفسية الذي سينعقد منتصف الشهر القادم لمدة يومين، للخروج برؤى تدرس الظواهر السلبية التي سببتها الحرب على المجتمع في جانب الأمراض النفسية وغير ذلك .. إلى التفاصيل :
الثورة / أحمد المالكي
* بداية دكتور ممكن تعطونا لمحة موجزة عن وضع الصحة النفسية في اليمن حاليا؟
– بالتأكيد وضع الصحة النفسية في اليمن حاليا متدنٍ وذلك لظروف الحرب والحصار والمشاكل الكبيرة التي تعاني منها اليمن، كما أن الفقر الناجم عن ظروف العدوان والحصار زاد من مشاكل الصحة النفسية نتيجة الحاجة والعوز وعدم القدرة على توفير المتطلبات ويسبب الأرق، إضافة إلى اختلال الوجبات الغذائية، كل ذلك رفع مستوى أمراض الصحة النفسية كثيرا، ولذلك على الدولة أن تهتم بهذا الجانب لأن الشعب لا يمكن أن ينتج وهناك الكثير ممن يعانون من الأمراض النفسية، والمعروف أن الأمراض النفسية من العوامل المعيقة عن العمل والتفكير والإنتاج ولذلك فإن الدول تهتم بالمرضى النفسيين عن طريق العلاج والتأهيل خاصة وأن معظم المرضى النفسيين شباب ما بين العاشرة إلى 30 و40 سنة وهذه هي الفئة المنتجة والتي يجب أن تعيش حياة طبيعية حتى لا تكون مصدراً للمشاكل في المجتمع سواء كانت مشاكل أمنية أو اقتصادية أو بالمعنى الأصح سوء التصرف.
* ماذا عن دور القطاع الصحي في هذا الجانب أو بمعنى أصح الدور العلاجي في مجال الصحة النفسية؟
– الوضع الصحي للمرضى النفسيين في بداية الثمانينيات كان سيئاً حيث كان يتم وضع المرضى في أقفاص بالمستشفى الجمهوري أو في السجون لكن بعد ذلك تم إنشاء المصحة النفسية ثم بني أول مستشفى للصحة النفسية في اليمن والذي كان دار العجزة التي حولت إلى مستشفى الأمل وكان لا بد أن يقوم بدوره كمستشفى شبه حكومي يساعد المرضى، ثم كانت أول خطوة لمنظمة الصحة العالمية والتي أرسلت خبيراً للصحة النفسية عام 1982م بدأ في تعز ثم انتقل إلى صنعاء، وكانت اليمن من أولى الدول التي وضعت خطة مزمنة للصحة النفسية في الإقليم، ثم حصلنا على أول قسم في الصحة النفسية في مستشفى الثورة، بسعة محدودة ثم توسع قليلاً وكانت أول إدارة علمية جيدة في هذا المجال والآن تطور العلاج في الصحة النفسية بشكل أفضل وأوسع.
• ماذا عن الأخصائيين اليمنيين في مجال الصحة النفسية؟
– الأخصائيون كانوا في الثمانينيات بعدد الأصابع لكن هناك الآن عدداً لا بأس به من الأخصائيين سواء في المستشفيات الخاصة التي لم تكن موجودة في الماضي، ولها دور في مساعدة الدولة والمؤسسات العامة في علاج المرضى النفسيين ، وكانت هناك شركة واحدة تحتكر هذا المجال، لكن الآن هناك عدة شركات تقوم بعلاج المرضى النفسيين ومساعدتهم ولذلك الوضع تحسن كثيراً عن الماضي لكن ظروف الحرب والحصار أعادتنا من جديد خاصة مع صعوبة الوضع الاقتصادي ووقف دعم الدولة عما كان عليه، حيث كانت لدى الصحة النفسية ميزانية مخصصة لوحدها في المالية، وكانت تعطي للمؤسسات النفسية ميزانية معينة في صنعاء والحديدة وتعز، وعدن والمكلا، ومع ظروف العدوان والمشاكل الاقتصادية انقطع الدعم للصحة النفسية من الحكومة لكن وزارة الصحة تساعد بما تستطيع بعد انسحاب الجمعيات والمؤسسات الدولية التي انسحبت من اليمن وأصبحت اليمن تعالج وتصارع لوحدها في هذا المرض والأمراض الأخرى.
• كيف أثرت الضائقة المعيشية والاقتصادية في نظركم على مستوى الصحة النفسية في ظل العدوان والحصار الغاشم؟
– الظروف الاقتصادية والحصار والحرب جعلت الدولة غير قادرة أن تساعد الأمراض والمستشفيات بالشكل المطلوب وذلك نتيجة للظروف الاقتصادية ، لكن المجتمع يتعاون مع المرضى النفسيين وبالتأكيد الضائقة المعيشية نتيجة الحرب والحصار زادت المعاناة النفسية بين الأطفال والنساء نتيجة الخوف والرعب الذي يتعرضون له جراء مشاهدتهم قنابل وصواريخ الطيران تنفجر جوار منازلهم، ولذلك نفسية الأطفال تتعب وتتغير وتشعر بالقلق والخوف وحصول التبول اللا إرادي وتؤدي إلى مشاكل نفسية عديدة، ولذلك الحرب هي مأساة وهي مفروضة علينا ووقفها هو بيد أمريكا والدول الكبرى.
• برأيكم دكتور كيف تؤثر الصحة النفسية في الجانب الاجتماعي وانعكاساتها على مستوى الأمن المجتمعي؟
– الصحة النفسية تؤثر بالطبع من الناحية الأمنية لأنك لا تسطيع أن تتحكم بأناس عقولهم وتصرفاتهم غير طبيعية، وهذه الشريحة إذا لم يتم الاهتمام بها صحياً فهي تمثل قلقاً أمنياً واجتماعياً فقد ترتكب جرائم أو أعمال مخلة بالأمن إذا تمكنت من الحصول أو امتلاك السلاح أو المتفجرات ولم يتم منعها من ذلك، لأن المريض النفسي قد يعمل أي شيء نتيجة الهواجس والوساوس الموجودة في مخه، وعندما يكون هناك مرضى يجب أن يمنع عليهم السلاح من قبل الدولة والأهالي لأنهم يشكلون خطراً على أنفسهم وعلى الآخرين ولذلك يجب على الأهالي الذين لديهم مرضى من هذا النوع أن يبعدوا أي قطعة سلاح سواء آلي مسدس أو حتى جنبية عنهم لأن الأسرة هي أول من تعرف أن لديها مريضاً نفساني.
• برأيكم دكتور ما هي أهم الأسباب للمرض النفسي؟
– هناك أسباب وراثية واجتماعية حتى الطقس يؤثر على الصحة النفسية وهناك أسباب كثيرة، لكن القهر والحرمان والاضطهاد يساعد بشكل كبير على زيادة الأمراض النفسية، فمثلاً عندما تقوم السعودية بترحيل مليون شخص مرة واحدة هؤلاء معرضون لكثير من الأمراض النفسية ، بعد حرمانهم من العمل وغير ذلك وعندما يعودون إلى اليمن يجدون ظروفاً صعبة وهؤلاء مهددون بالإصابة النفسية.
• الرعاية الأسرية كيف تؤثر على الصحة النفسية؟
– بالتأكيد دور الأسرة مهم في تنشئة أطفال وأجيال خالية من الأمراض النفسية ويجب العدل بين الأبناء وهم أطفال وعدم التمييز بينهم ، ويجب أن يشعروا بالحب والحنان والرأفة والرعاية، وهناك من يعتقد أن الراحة النفسية هي توفير كل متطلبات الترف للأبناء سواء السيارة أو البيت أو المال.. إلخ لكن تجد هؤلاء ليست لديهم راحة نفسية، الطفل أو الأبن يحتاج أن توفر له الأشياء المعنوية والحسية والمشاعر الطيبة حتى يشعر بأهميته.
• أي الفئات أكثر تعرضاً للأمراض النفسية النساء أم الأطفال أم الرجال؟
– النساء معرضات أكثر للاكتئاب والرجال معرضون لمرض الفصام العدواني أو الخيال أو الذي يسمونه جنون، وهي تتفاوت، لكن كل الناس معرضون للمرض وإذا توفرت الظروف المناسبة كالطقس والغذاء والسكن الفسيح والمريح فهي تخفف من الإصابة بالمرض النفسي مثلاً أيام الشتاء مسائل الاكتئاب تزداد وأيام الربيع والصيف تكون أخف كما أن الغذاء مهم في التخفيف من الأمراض النفسية.
• ما علاقة الأمراض النفسية في اليمن بشجرة القات؟ كيف يؤثر؟
– بلا شك القات يزيد من الأمراض النفسية ولذلك نحن ننصح المرضى بعدم تعاطي القات، والإنسان الذي لا يدمن على القات تجده أفضل لأن القات منبه ومنشط ويزيد الخيالات، ونحن نعطي علاجاً يخفف الخيالات والانفعالات ولذلك القات هو عامل كبير في زيادة الأمراض النفسية ، والمرضى الذين تركوا تعاطي القات يتحسنون كثيراً ، ومع الأسف هنا في اليمن إشكالية اجتماعية في تعاطي القات مع مناسبات العزاء والأعراس وغيرها يخزن الناس والمفروض الذي لديه مرض نفسي يجب أن يترك القات
• وانتم قادمون على عقد المؤتمر التاسع للصحة النفسية في اليمن.. هل هناك رؤية صحية تصحح وضع الصحة النفسية على المستوى الوطني؟
– مع العدوان والحصار البلد يعاني ظروفاً صعبة، وزارة الصحة تقوم بدورها، لكن في ظروف الانشغالات الكثيرة الآن يقل دور الصحة النفسية واعتقد عندما تعود الأمور إلى طبيعتها ستأخذ دورها ونحن نعلم أن الصحة الحقيقية تحتاج أن تكون ميزانية الوزارة أكثر من 10 % من الميزانية العامة للدولة مع العلم أن ميزانية وزارة الصحة في اليمن منذ قيام الثورة لم تتعد %3من ميزانية الدولة والصحة بالتأكيد هي علمٌ ومال.
• بالنسبة لمراكز الأمراض النفسية في اليمن دكتور هل ترون أنها كافية لاحتواء المرضى النفسيين؟ أم الأمر يتطلب إنشاء مراكز جديدة؟
– طبعاً المراكز والأطباء والخدمات في هذا الجانب عددهم محدود فهنا شعب 30 مليوناً لديه طبيبان لكل مليون في الجانب النفسي، لكن مع ذلك لو قارنا حالياً مع بداية الثمانينات من القرن الماضي مثلاً كان هناك حوالي اثنين أو ثلاثة أخصائيين الآن لدينا حوالي 70-60 أخصائياً وهو عدد قليل جداً ولا بد من الاهتمام بتأهيل الأطباء في هذا الجانب وبشكل أوسع وإذا أردنا صحة نفسية جيدة فلا بد من وجود طبيب نفسي لكل عشرة آلاف شخص ونحن بعيدون عن هذا الوضع، وبالطبع لدينا مشاكل في كل المجالات الصحية وليس فقط في الطب النفسي، ولكن نحن نأمل بعد توقف العدوان على البلد أن يتم تحقيق القصور في هذا المجال وغيره بالشكل المطلوب، لأن الحرب تعيق كل التطورات وحتى على مستوى العالم.
• برأيكم دكتور ما هي أهمية الالتزام والاستقامة الدينية في الصحة النفسية؟
– بالتأكيد الاستقامة والالتزام الديني يساعد في التخفيف من الإصابة النفسية، لكن المرض النفسي هو مرض عضوي عبارة عن مواد كيميائية تصيب المخ وتسبب المرض، ولا بد لها من علاج كيميائي، وهناك نظريتان للتخفيف من الأمراض النفسية، الأولى تقول: إن الحالة النفسية الطبيعية تستقيم بتوفير الحدائق والراحة ومستلزمات الحياه وهذه النظرية تثبت أنها خاطئة، وتفيد أحياناً في حالة القلق والتوتر والأشياء البسيطة ولكن في حالات المرض النفسي هناك مواد كيميائية تؤدي إلى هذا المرض ولا بد أن يستعمل المريض المواد الكيميائية التي توقف المرض وإفرازاته.
• أنتم الآن تحضرون لعقد المؤتمر التاسع للصحة النفسية في اليمن ما هي أهم التحضيرات الجارية لانعقاد المؤتمر؟
– في الواقع مع الحرب والعدوان كل الناس توجهوا للدفاع عن اليمن ومحاولة صد العدوان، ولكن العدوان طال ولذلك الأطباء النفسيون رأوا أنه لا بد من تكوين جمعية لمساعدة الدولة على معالجة الأمراض النفسية وعمل دراسات للظواهر السلبية التي تسببها الحرب على المجتمع ، ولذلك لا يوجد طريقة لخدمة المجتمع بشكل أفضل إلا عن طريق تنظيم الأطباء النفسيين في جمعية وهي كانت موجودة لكن مع الظروف الحالية قل النشاط ورأينا إعادة النشاط في الجمعية بهدف خدمة المجتمع بشكل أفضل، ولذلك الدولة ووزارة الصحة والأخ رئيس مجلس الشورى وافق بأن يكون راعياً لهذا المؤتمر مع الأخ وزير الصحة، وقيادة الدولة وافقت على رعاية المؤتمر، وهي خطوة جيدة ومباركة منهم، ولا بد على الأطباء أن ينظموا أنفسهم ويقدموا خدمات للمجتمع بحيث يتم تحسين وضع الصحة النفسية في البلد.
•ما هو الهدف المهم الذي يصبو إليه المؤتمر؟
-الهدف الأهم من المؤتمر هو اختيار قيادات شابة جديدة ونحن الآن قد كبرنا في السن ولا بد من تشجيع الجيل الجديد والصاعد ليقوم بدروه وأنا تم اختياري كرئيس للمؤتمر لكن الهيئة الإدارية والتنظيمية الجديدة يجب أن تكون من الشباب النشيطين حتى يقوموا بدورهم في خدمة المجتمع، لأن علينا واجب وحقوق للمجتمع ولا بد من تعزيز دورنا عن طريق العمل المشترك الدؤوب بالتعاون مع وزارة الصحة والوزارات المعنية في اليمن ولا بد من الإشارة إلى أننا كنا نعقد انتخابات للجمعية في كل المؤتمرات السابقة.
• ما طبيعة المشاركين في المؤتمر عددهم مستوياتهم.. هل ستقتصر المشاركة داخلياً أم دعيتم أطباء من خارج اليمن؟
– دعونا بعض الإخوان من خارج اليمن من مصر وغيرها نتمنى ان يحضروا والناس يتخوفون من اليمن بينما نحن هنا في صنعاء نعيش الأمن أكثر من أي منطقة أخرى في اليمن ونحن نطمئن الجميع وقد وعد بعضهم أنه سيحضر وأيضاً إخواننا الأطباء من المحافظات الجنوبية بعضهم سيحضر.
• هل هناك أوراق أو دراسات سيناقشها المؤتمر؟
– بالتأكيد الأوراق هي دراسات حول المجتمع اليمني والأمراض النفسية في اليمن ودراسات حول الاكتئاب والعضام والوسواس القهري وما يخص الأمراض النفسية وفي نفس الوقت هناك دراسات على الجميع وأثر الحرب نفسياً على اليمنيين بالذات الأم والطفل، ودراسات حول القات وأثره على الصحة النفسية، وهناك دراسات عامة عن المرض النفسي كمرض عالمي.
• متى سينعقد المؤتمر وكم سيستمر؟ وتوقعاتكم لمخرجاته؟
– المؤتمر سينعقد في الـ16 18- من مارس القادم ومن المؤكد أن المؤتمر سيخرج بمخرجات جيدة تنجح المؤتمر وللعلم الطب النفسي لا يقتصر على الأطباء النفسيين ففيه الأخصائيين النفسيين والباطنيين وهو مرتبط بكل التخصصات الأخرى، ولذلك سيدعى إلى المؤتمر عدد من الأخصائيين، والتخصصات الأخرى المرتبطة بالصحة العامة وأيضاً خريجي وأكاديميي جامعة صنعاء وعلم النفس كونهم يدخلون داخل شبكة الطب النفسي.