ينذر إصرار قوى العدوان على منع وصول المشتقات النفطية بكارثة إنسانية في اليمن تتسع رقعتها يوما بعد آخر، إذ سيفاقم الأوضاع وسيزيد من معاناة المواطنين نتيجة توقف القطاعات الخدمية والحيوية عن أداء خدماتها وخاصة القطاع الصحي والنقل.
تتحمل أمريكا ودول العدوان كامل المسؤولية، كما تتحمل الأمم المتحدة المسؤولية نتيجة صمتها «المخزي» عن هذه الممارسات التعسفية واستمرار تحالف العدوان الأمريكي السعودي في أعمال القرصنة البحرية على سفن الوقود، لكونها هي الجهة الدولية المعنية بتسهيل دخول واردات السلع الأساسية إلا أنها تصرّ على عدم مغادرة حالة الجمود والانحياز المشين على الرغم من اعترافها الصريح بتفاقم التبعات الإنسانية الناجمة عن النقص الحاد في إمدادات الوقود وتشديدها على وجوب وضمان تدفق السلع الأساسية وغير ذلك مما ورد في إحاطات المبعوث الأممي «غير النزيه» إلى اليمن، مارتن غريفيث في جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة بتاريخ 15 سبتمبر 2020م، فما يزال الدور الأممي المفترض مجرد حبر على ورق.الثورة / وديع العبسي
وكنتيجة يمكن أن تنتهي إليه مثل الممارسات فإن أكثر من 26 مليون مواطن اليوم، على شفا كارثة إنسانية نتيجة استمرار احتجاز السفن وتداعيات ذلك على مختلف القطاعات وفي المقدمة الصحة ومصادر الأمن الغذائي، ناهيك عن تكبد غرامات مالية تضاعف من تدهور الوضع الاقتصادي.
في هذا السياق أوضح مدير عام شركة النفط اليمنية عمار الأضرعي، أن غرامات تأخير إدخال السفن النفطية تساوي 4 أضعاف الرسوم الجمركية للسفينة نفسها، مضيفا أن شركة النفط قامت بتقنين الصرف من المواد النفطية بهدف ترشيد الاستهلاك، مؤكدا أنه لم يصل ميناء الحديدة أي لتر من المشتقات النفطية من 38 يوما.
فيما كانت الشركة قد أكدت في بيان أن قوى العدوان تحتجز (12) سفينة نفطية منها سفينة محملة بمادة المازوت و (11) سفينة نفطية بحمولة إجمالية تبلغ (324,782) طناً من مادتي البنزين والديزل ولفترات متفاوتة بلغت أقصاها بالنسبة للسفن المحتجزة حاليا أكثر من عشرة أشهر “307” أيام من القرصنة البحرية غير المسبوقة، على الرغم من استكمال كل تلك السفن لكافة إجراءات الفحص والتدقيق عبر آلية بعثة التحقق والتفتيش في جيبوتي (UNVIM) وحصولها على التصاريح الأممية التي تؤكد مطابقة الحمولة للشروط المنصوص عليها في مفهوم عمليات آلية التحقق والتفتيش، ما يؤكد مخالفة التكوينات المعنية التابعة للأمم المتحدة لبنود الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون الصراع المسلح، وكافة القوانين والأعراف المعمول بها، فضلا عن تجاهلها الدائم لجوهر وغايات اتفاق السويد الذي شدد في مجمله على ضرورة تسهيل وصول المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى ميناء الحديدة وبما يلبي احتياجات وتطلعات الشعب اليمني .
وأشارت شركة النفط إلى أن استمرار القرصنة الإجرامية وتداعياتها الكارثية المختلفة لم يقابلها أي تحرك جاد وملموس من قبل الأمم المتحدة، مضيفة أن الدور الأممي المفترض ما يزال مجرد حبر على ورق وهو ما يتناقض كذلك مع أهم المبادئ الأساسية للحماية والإغاثة الإنسانية.
انتهاك فاضح للاتفاقات
واعتبر مراقبون منع دخول السفن رغم حصولها على تصاريح من الأمم المتحدة بعد استيفاء إجراءات التفتيش إمعان في قتل الشعب اليمني الذي يعيش أسوأ أوضاع إنسانية نتيجة العدوان.
وأكدوا أن اللجوء إلى الحرب الاقتصادية واستخدام سلاح التجويع واحتجاز سفن النفط يعد جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب تستوجب المساءلة، كما أنه يتنافى كلياً مع اتفاق السويد ومع الخطوات العملية التي قدمها الطرف الوطني من إعادة الانتشار في موانئ الحديدة.
كما أكدوا أن مصداقية المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية على المحك لتلافي كارثة وشيكة جراء احتجاز تحالف العدوان سفن المشتقات النفطية، وكأن جرائم القتل والحصار المفروض على اليمن منذ خمس سنوات لم يكن كافياً لخلق أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم.
تداعيات
يؤثر الحصار الذي يمعن التحالف العدواني السعودي الأمريكي في فرضه على الوقود بشكل كبير في تفاقم الأزمة الإنسانية باليمن، وتقّدر الأمم المتحدة احتياجات اليمن من الوقود بحوالي 533 ألف طن شهريا حتى الآن في عام 2021م لم يصل إلى اليمن أي لتر بنزين، فيما كان النقص في الاحتياج من مشتقات الوقود بلغ في العام 2020م إلى 55% ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن المتزايدة على المستهلكين ونتج عنه حالة معيشية متردية للمواطنين، وضائقة مالية تعاني منها منشآت الخدمات والمرافق والنقل والمستشفيات.. ومع إمعان أمريكا وحلفائها في هذا الحصار الظالم والذي ينافي الأخلاقيات والقوانين والمواثيق الدولية، يموت يوميا عشرات الأطفال جراء انقطاع الكهرباء في المشافي والحضانات.. فيما باتت الحركة في المدن اليمنية شبه متوقفة جراء انعدام البنزين والديزل والغاز.
على ذات الصعيد، أدان فرع المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي بمحافظة صنعاء صمت الأمم المتحدة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، إزاء جرائم الحرب والقتل والإبادة الجماعية التي يرتكبها تحالف العدوان بحق الشعب اليمني منذ ست سنوات، ومنها احتجاز السفن المحملة بالمشتقات النفطية، محملا أمريكا كامل المسؤولية عن منع دخول السفن النفطية وما يترتب عليه من تداعيات إنسانية كارثية بحق الشعب اليمني نتيجة توقف العديد من المنشآت الحيوية والخدمية والصناعية والاقتصادية واتساع دائرة الفقر والبطالة وانتشار الأوبئة والأمراض.
وحذرت الهيئة الإدارية لنقابة عمال وموظفي الأشغال من أن استمرار احتجاز السفن سيؤدي إلى شلل الأشغال العامة والطرق وتوقف مهامه الخدمية التي تمثل شرياناً رئيسياً وصمام أمان لاستمرار الحركة والحياة، فمنع دخول الوقود يعني توقف أكثر من 120 معدة ثقيلة وخفيفة، موزعة على وحدات وإدارات وأقسام الشق والإنارة والمحروقات والترميمات والتجهيزات والتفتيش الفني ورفع المخلفات وأعمال الطوارئ وغيرها.
القطاع الزراعي هو الآخر من أكثر القطاعات تضرراً من انعدام المشتقات النفطية، وكانت وزارة الزراعة والري أكدت أن احتجاز السفن يشكل تهديداً لهذا القطاع ويؤثر سلباً على إنتاج المحاصيل الزراعية التي تعتمد على الري من الآبار.
ودعت وزارة الزراعة المنظمات الدولية المعنية بالأمن الغذائي إلى التحرك الجاد والمسؤول إزاء ما يتعرض له قطاع الزراعة في اليمن من تدمير ممنهج واستهداف من قبل تحالف العدوان سواء بالقصف المباشر أو الحصار ومنع دخول المشتقات النفطية.
وحذر مصنع أكسجين اليمن الحديث، من توقف إنتاجه من الأوكسجين اللازم للمستشفيات والمراكز الطبية، بسبب انعدام مادة الديزل.
وأشار المصنع في بيان له، إلى أن المصنع يقوم بإمداد العديد من مستشفيات أمانة العاصمة والمحافظات بالأوكسجين.
وأكد البيان أن توقف المصنع عن إنتاج الأوكسجين سيؤدي إلى كارثة صحية تهدد حياة المرضى.
فيما أكد بيان صادر عن الإدارة العامة للكهرباء بأمانة العاصمة أن استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية، سيؤدي إلى عدم قدرة مؤسسة المياه من تشغيل 70 بئراً وحرمان حوالي سبعة ملايين مواطن بأمانة العاصمة مياه الشرب فضلاً عن توقف محطة معالجة الصرف الصحي وما ستخلفه من كارثة بيئية.
ودعت الهيئة العامة للموارد المائية بالأمانة أحرار العالم للوقوف الى جانب الشعب اليمني وتنظيم وقفات احتجاجية لإيصال رسائل للمجتمع الدولي عن الممارسات التعسفية لدول العدوان بقيادة أمريكا وما تقوم به من أعمال قرصنة بحرية على سفن الوقود.
فيما طالبت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالأمانة من جهتها الأمم المتحدة وتحالف العدوان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في تحمل المسؤولية الكاملة أمام التداعيات الكارثية الناجمة عن استمرار احتجاز سفن الوقود.
شاهد على الحيوانية
في العاشر من أبريل العام الماضي أبحرت السفينة «بندج فيكتوري» من ميناء الفجيرة الإماراتي وعلى متنها «30273» طنا من البنزين قاصدة ميناء الحديدة أكبر موانئ البضائع في اليمن الا أنها لم تصل إلى وجهتها بعد أن اعترضت طريقها سفينة حربية سعودية من السفن التي تحاصر موانئ اليمن على البحر الأحمر، وما تزال السفينة وطاقمها حتى اللحظة رهينة القراصنة الأمريكيين والسعوديين الذين ينصبون نقاط تفتيش وقرصنة منذ بداية العدوان.
ومثل بندج فيكتوري عشر سفن أخرى تحمل «117642» طناً من مادة البنزين و«178359» طناً من الديزل ما تزال مخطوفة من قبل البحرية السعودية والأمريكية منذ 1078 يوماً، وقد مثّل العام 2020م عاما كارثيا على الحياة الإنسانية في اليمن بفعل الممارسات الإجرامية لتحالف العدوان.
خلفية
عام 2015م نشر تحالف العدوان الأمريكي السعودي قوات بحرية في المياه اليمنية وحولها ونصب نقاط تفتيش، ومن خلالها مارست عمليات خطف للسفن بدعوى منع وصول الأسلحة، ما تسبب في منع دخول الإمدادات الضرورية إلى اليمن كالوقود والدواء والغذاء حتى مع حصولها على التصاريح الأممية وفقا لآلية التفتيش البحري التي تطبقها الأمم المتحدة تنفيذا للقرار الجائر 2216.
في سبتمبر من ذات العام قالت الأمم المتحدة إنها توصلت إلى اتفاق لإقامة نظام للتفتيش من شأنه تسهيل مرور السلع إلى اليمن، وأوضحت أن مقر هذا النظام أو آلية التحقق والتفتيش ستكون في جيبوتي، استغرق الأمر ثمانية أشهر أخرى حتى بدأ تفعيل الآلية في مايو عام 2016م، ومنذ ذلك الحين أصبح على كل السفن التجارية المبحرة إلى موانئ الحديدة التقدم بطلب إلى الأمم المتحدة يتضمن بيانات شحناتها وقوائم بآخر الموانئ التي زارتها، الا أنه حتى بعد صدور موافقات الأمم المتحدة على السفن التجارية صار يتعين عليها الحصول على موافقة سفينة حربية تخضع لإدارة سعودية ترابط على مسافة 61 كيلومترا غربي ميناء الحديدة.
في يونيو 2019م توصلت حكومة الإنقاذ إلى اتفاق ثنائي مع الأمم المتحدة يتم بموجبه نقل آلية التفتيش الأممية إلى موانئ الحديدة، وذلك تنفيذا لما تضمنه اتفاق السويد في ديسمبر 2018، م، والذي نصَّ على نقل آلية عمل التفتيش الأممي “انفم” من جيبوتي إلى ميناء الحديدة، اختصارا للوقت وتوفيرا لكلفة النقل، غير أن الأمم المتحدة تنصلت لاحقا عن تنفيذ الاتفاق، وصرح مصدر في ميناء الحديدة نهاية العام 2019م بأن الأمم المتحدة تراجعت عن الاتفاق تحت ضغط إماراتي سعودي، زامن ذلك تشديد للحصار وإمعان في القرصنة للسفن بلغ ذروته في العام 2020م، ويتكرر اليوم.
الأصوات الحرة
صار الأمر يحتاج إلى صوت دولي في مواجهة غطرسة أمريكا المتسبب الأول في هذه الكارثة الإنسانية المتوقعة، وصار على المجتمع الدولي والأصوات الحرة حول العالم أن تضغط في اتجاه كفّ هذا الأمريكي عن الشعب اليمني.
صار الوضع بحاجة إلى مساندة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ليس بالخروج عن السياقات اللائقة والمتاحة، وإنما بالاضطلاع بدورها والتدخل لإيقاف ممارسات دول تحالف العدوان التعسفية في احتجاز سفن المشتقات النفطية، وعدم احتجازها مستقبلا لتفادي حدوث كارثة إنسانية.