التسـرب مـن التعليـم.. تقـدم مستمـر


> مليـون و 276 ألف طالب وطالبــة ممن يستحقـون التعليـم فـي 2012م هم خــــارج المـــدارس

منذ بزوغ فجر التعليم في اليمن أعقاب ثورتي سبتمبر وأكتوبر وظاهرة التسرب من التعليم ترافقه دونما انقطاع وحتى عامنا هذا ولهذا اعتبرت هذه الظاهرة بمثابة اللعنة التي تطارد الأجيال وتتحكم بمستقبلهم الغائم كليا … اعتبارات وقناعات وظروف عدة تقدمت موكب الأسباب التي أدت إلى بروز الظاهرة وفي مقدمتها اعتبار بعض أولياء الأمور التعليم بأنه من الكماليات واقتناع البعض الآخر بأن التعليم في اليمن لا يسمن ولا يغني من جوع في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية للأسر إضافة إلى العادات والتقاليد الريفية التي تعتبر تعليم الفتاة عيبا والذكور ترفا … أرقام مخيفة أطلقتها منظمات عالمية وتقارير محلية رسمية أبرزت حجم الظاهرة باليمن أعقبتها تحذيرات خبراء وباحثين من أضرار تفشي التسرب.. فيما وزارة التربية والتعليم اكتفت بمراقبة الوضع عن بعد دون التدخل باستثناء بعض البرامج المحدودة.

إن ظاهرة التسرب من التعليم العام بفرعيه الأساسي والثانوي كغيرها من الظواهر الخطيرة التي تهدد الأمن القومي للبلدان حيث تعتبر دول العالم التعليم المعيار الأول الذي يصنف به العالم فالدول هي إما متقدمة أو نامية أو متخلفة وبهذا استطاعت الدول المتقدمة والنامية السيطرة على معوقات التنمية المتمثلة بالجهل والفقر والمرض
واليمن باعتباره واحداٍ من البلدان المتخلفة فإنها تعاني الأمرين من ظاهرة التسرب من التعليم خصوصا في المناطق الريفية فحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن اليمن هي الأقل التحاقا بالتعليم من بين دول الشرق الأوسط وأن معدل السكان البالغين الذين يجيدون القراءة والكتابة لا يتجاوز 58.9 % ما يعني أن نصف السكان تقريبا أميون.
فإن عدد الذين هم خارج التعليم المدرسي في الفئة العمرية 6ـ 14 سنة أي في التعليم الأساسي بلغ 981 ألفاٍ و985 طالبا وطالبة من إجمالي عدد سكان الفئة البالغ 5 ملايين و390 ألفاٍ أما في التعليم الثانوي فإن هناك مليوناٍ و294 ألفاٍ و900 طالب وطالبة خارج المدرسة علما بأن عدد سكان هذه الفئة العمرية يصل إلى المليون والـ700 أي أن أكثر من %70 ممن هم في مرحلة التعليم الثانوي خارج المدارس وذكرت إحصائيات صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية أن %80 من الفتيات في اليمن خارج المدرسة وغير مرجح التحاقهن بالتعليم مجددا مقابل %36 للذكور .
قائمة الأسباب
> بعد أن كان الفقر هو السبب الأول للتسرب من التعليم في السنوات الماضية أصبحت الآن الأسباب والعوامل تهطل كالمطر فاهتمام الحكومة بالمشكلات السياسية دون النظر إلى التعليم يعتبر أهم العوامل التي ضاعفت من مشكلة التسرب كما أن الصراعات التي دارت بين القوى السياسية في العامين الماضيين التي اتخذت من المدارس ثكنات ومتارس عسكرية مما أدى إلى تدمير بعض المدارس كليا أو جزئيا وانتشر الخوف والذعر في نفوس الطلاب وطبقاٍ لإحصائيات رسمية فإن عدد الذين تخلفوا عن الالتحاق بالتعليم في العام 2011م بلغ 75 ألفاٍ و688 طالبا وطالبة.
وفي الريف اليمني هناك عوامل عدة ساعدت على التسرب أولها العادات والتقاليد التي يرى البعض أن البنت ليس لها إلا الزوج أو البيت وبالنسبة للذكور فقد أدت ظاهرة البطالة وسط الشباب إلى اقتناع البعض أن التعليم لا فائدة منه فأصبح الطلاب يتركون التعليم وهم في المراحل الأولى منه ومن ثم الهجرة إلى المدن بحثا عن لقمة العيش لا سيما وأن بعض هؤلاء من أسر فقيرة جدا.
وليست العادات والتقاليد هي العقبة الوحيدة فالبنية التحتية للمدارس أيضا عامل رئيس حيث تفتقر المناطق الريفية إلى المدارس المؤهلة وتفتقر أيضا إلى مدارس خاصة بالبنات حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة المدارس التي توجد بها معامل على مستوى الجمهورية لا تتجاوز %11 وأن نسبة المدارس الخاصة بالبنات هي %5 من إجمالي المدارس بالجمهورية وأن المدارس غير المكتملة تفوق نسبتها %70.
من جهة أخرى فإن نسبة المعلمين الذين تأهيلهم ما دون المؤهل الجامعي تصل إلى %63 ورغم هذه النسبة الهائلة تفتقر أغلب المدارس للتخصص في المواد العلمية الأمر الذي يجبر إدارات هذه المدارس على أن تجعل مدرس المواد النظرية يغطي في المواد التطبيقية كما أن تلاعب المعلمين في أداء مهامهم أدى إلى فقدان الثقة لدى الطلاب في أهمية التعليم حيث تذكر إحصائيات وزارة التربية والتعليم نسبة المعلمين المتغيبين في 2012م بشكل متقطع 45.12 % وأن إجمالي الحصص المهدرة شهريا تبلغ مليوناٍ و796 ألفاٍ و203 حصص وتخسر اليمن سنويا بسبب إهدار الحصص حوالي عشرة مليارات ريال.
إن أسباب التسرب من التعليم في اليمن أكبر من أن تحصر في هذا التحقيق إلا أن أبرزها يكمن في غياب البنية التحتية للتعليم وعدم كفاءة وكفاية المعلمين والقناعة التامة عند البعض أن التعليم لا جدوى منه وغياب المدارس الخاصة بالفتيات خصوصا في الريف وعدم تناسق المنهج الدراسي مع بيئة الطلاب واستخدام العنف كأسلوب يرافق الحصة الدراسية وأسباب اجتماعية أخرى كالزواج المبكر وعدم تفاعل الجهات الإعلامية ويبقى السبب الأبرز غياب المعلمات عن المناطق الريفية حيث لم تتجاوز نسبة المعلمات في الريف %11.6.
تحذيرات
> الدكتور صالح النهاري خبير القراءة المبكرة في وزارة التربية والتعليم ونائب عميد كلية التربية بجامعة صنعاء حذر من تنامي الظاهرة التي يصفها بالمشكلة العويصة والمعيقة للتنمية إلى حد كبير وتسبب الكثير من المشاكل التي يعود أثرها على المجتمع اليمني ككل لأن خروج الفرد من المدرسة يعنى أنه سيكون عبئا على المجتمع في المستقبل وبالتالي يضطر الكثير من هؤلاء إلى الانخراط في الجماعات الإرهابية التي تستغل أوضاعهم ومستواهم العلمي ويرجع النهاري أسباب التسرب إلى عدم اهتمام الجهات الرسمية بالتعليم بالدرجة الأولى خصوصا في الأرياف وشكك الدكتور في نسبة التسرب التي أعلنتها وزارة التربية وهي %10 وقال بأن النسبة الحقيقية تتجاوزها بأضعاف كثيرة خصوصاٍ في الأرياف .
ويرى أن المبالغ المنفقة على التعليم تذهب أغلبها إلى غير محلها ويقول ” ينبغي أن توظف هذه الأموال فيما يخدم الحد من التسرب كما يجب على الشركات والمنظمات أن تقوم بالمشاركة في حل المشكلة من خلال تقديم حوافز عينية ومبالغ مالية للأسر الفقيرة والفتاة بالريف كي يقبلوا على التعليم كجزء من الحل”.
أما إبراهيم المسوري طالب دكتوراة في الإدارة والتخطيط التربوي فيرى أن هناك أسباباٍ خطيرة جداٍ برزت في الآونة الأخيرة وهي مستقبلية بالنسبة لليمن يقول ” نظرة المجتمع للتعليم على أنه لا ينفع الأبناء في المستقبل مشكلة وزاد من اعتقادهم الوظائف التي تنزل لبعض الخريجين وقد توفي بعد طول انتظار للوظيفة والسبب الآخر هو عدم التنسيق بين الوزارة المعنية بالتعليم وسوق العمل أما في الريف فالعادات والتقاليد ما زالت مسيطرة ومعيقة لتعليم البنات حيث تتعلل الأسر بالمدارس المختلطة وبعد المدرسة عن البيت وهذا المطلب حق لهم ” وعن الحلول يقول ” الحل هو النزول الميداني لإجراء دراسات علمية وتقديم الحلول على ضوئها “.
تقوى الهتار عضو الفريق التنفيذي للتطوير المدرسي في وزارة التربية والتعليم ترى أن الظاهرة بدأت تتفاقم مع مرور السنين وترجع الأسباب إلى المدارس غير المؤهلة وغير المخطط لها علميا كذلك المشاكل الأسرية والحالة المادية لدى بعض الأسر ورفقاء السوء وعدم كفاءة المعلم وغياب الإمكانيات اللازمة للتعليم وغياب وسائل الجذب وتضيف ” الأحداث التي مرت بها اليمن خلال العامين الماضيين كان لها دور بارز في زيادة نسبة التسرب وزادت من قناعة بعض الطلاب أن الشهادة لا فائدة منها مستقبلا الأمر الذي يدفع بهم إلى الذهاب إلى سوق العمل مبكرا قبل إتمام الدراسة”.
نداء استغاثة
> وزارة التربية والتعليم ممثلة بمدير عام التخطيط والإحصاء عبدالرحمن محمد السماوي تطلق نداء استغاثة تطالب فيه المجتمع بما فيه المجالس المحلية والأحزاب والتنظيمات وخطباء المساجد ومدراء المدارس ومدراء التربية والمعلمين والإعلاميين بأن يعتبروا قضية التسرب من التعليم قضيتهم الرئيسية ويعملوا على إعادة الطلاب والطالبات إلى المدارس فالتعليم هو أساس نهوض المجتمعات واعتبر السماوي أنه في حال استمرار مشكلة التسرب فإننا سنتوارث الأمية وسيعود نظام الطبقات الذي كان قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر .
وعن دور الوزارة في مكافحة التسرب يقول ” لاحظنا أن التسرب من التعليم كان متركزا بكثرة في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة والمناطق التي تعاني من شح في الموارد المائية فقمنا بإنشاء برامج للحد من الظاهرة ونجحنا في الحفاظ على الطلاب الذين هم في المدارس وكانت أهداف هذه البرامج تقديم مساعدات عينية ومالية للأسر الفقيرة وتوزيع حقائب مدرسية وتقديم الإغاثة العاجلة للاجئين ورفع نسب المعلمات في الريف وبرنامج لتحسين المدارس غير المؤهلة وتوفير البنية التحتية وتطوير التعليم “
وعن الحلول التي تبنتها الوزارة يقول ” هناك مبادرة سوف تطلقها الوزارة برعاية فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وتهدف إلى حشد المجتمع للحد من الظاهرة ولدينا مشروع “علم طفلا ” بتمويل من الأميرة موزة بتكلفة 35مليون دولار ومشروع تطوير التعليم بتكلفة 80 مليون دولار .
ختاما
> الفقر واعتقاد بعض أولياء الأمور وبعض الطلاب عدم جدوى التعليم وغياب البنية التحتية في بعض المدارس كانت أهم أسباب التسرب من التعليم ومن ناحية الأضرار فإن اليمن تخسر سنويا عشرات المليارات بسبب التسرب بناء على ذلك فإن حل المشكلة يكمن في تعاون المجتمع والحكومة لمواجهتها.

قد يعجبك ايضا