
تعود بنا الذكريات إلى حقبة تأسيس برنامج التحصين الموسع بوزارة الصحة وتحديداٍ إلى سبعينيات القرن الماضي فمنذ ذلك الحين تلقى ملايين الأطفال في اليمن جرعات متعددة من اللقاح الفموي المضاد لفيروس شلل الأطفال..
صار الكثير منهم اليوم في ريعان الشباب.. صحيحاٍ معافىٍ حتى أن البعض منهم قد تزوج وأنجب أطفالاٍ دون أي مشكلة..
واليوم تقف وزارة الصحة في حالة تأهب كامل متصدية لفيروس شلل الأطفال لمنعه من الظهور ومعاودة الانتشار مجدداٍ في يمننا الحبيب بعدما تأكد انتشاره على نطاق واسع في الجوار الأفريقي- وتحديداٍ في الصومال وكينيا وأثيوبيا وجنوب السودان ثم في سوريا والعراق كي يبقى أطفال هذه الأرض الطيبة وأجيالها القادمة بمعزلُ عن تهديداته وسطوته المروعة.
فخواص هذا المرض وقدراته الفائقة جعلته ضمن أسوأ وأخطر الأمراض الوبائية فهو سريع العدوى يصيب – غالباٍ – صغار الأطفال وينتقل عبر الماء والطعام الملوثين بالفيروس.
غير أن معظم المصابين به لا تظهر عليهم أعراض الإصابة أو أنها لا تظهر لديهم بشدة لتبعث على قلق الأم أو الأب فلا يقصدون الطبيب من أجل معاينة وعلاج طفلهم المريض بينما من تظهر عليهم الأعراض يعانون من : الحمى, الصداع, القيء, الضعف العام تصلب العنق وألمَ في الأطراف.
وفي نهاية المطاف يصاب بعض هؤلاء بشللُ دائم في أحد الطرفين السفليين أو في كليهما أو بشلل رباعي, وليس لذلك علاج, إنما التحصين الطريقة الوحيدة للوقاية منه.
وقد تجلى الكثير من النجاح مؤخراٍ على طريق مكافحة هذا المرض في البلدان التي لا تزال موبوءة بالفيروس البري المسبب للشلل وصولاٍ إلى خفض حدوث الإصابة إلى أدنى المستويات لتشمل عدداٍ أقل من الحالات سنوياٍº بعد أن كانت في ثمانينيات القرن الماضي تصل إلى عشرات ومئات الآلاف من الحالات.
إن اليمن بحمد الله خارج الخارطة الوبائية لفيروس شلل الأطفال ولا تزال في حالة خلو من هذا الفيروس منذ عام 2006م .
بيد أن مجرد ظهور حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال في الإقليم أو حتى خارجه هو في حد ذاته يضعها في مرمى تهديد لا يْستهان به فكيف بظهور المرض في الصومال كينياأثيوبيا وجمهورية جنوب السودان ومؤخراٍ في سوريا¿
من المؤكد أن وتيرة اللجوء المستمر من الجوار الأفريقي بات معه اليمن مقصداٍ من اللاجئين الصوماليين بالذات ما مثل أشد التحديات بسبب وجود فيروس الشلل في هذا البلد الأفريقي الواقع على الطرف الآخر من خليج عدن في الوقت الذي تعاني فيه بلادنا من ضعفُ جلي في التغطية بكامل لقاحات التطعيم الروتيني المعتاد بالمرافق الصحية للأطفال دون العام والنصف من العمر ففي عام 2012م بلغت نسبة المشمولين بهذه التطعيمات نسبة (82%) وهذا يعنى أن (18%) من الأطفال غير مطعمين.
والخوف هنا يكمن في أن يلقي فيروس الشلل ثغرة بين الأطفال غير المحصنين للدخول مجدداٍ إلى بلادنا الحبيبة.
نأمل من الحملة الوطنية للتحصين ضد شلل الأطفال ضمن موعدها المحدد اعتباراٍ من(16 -18ديسمبر الجاري) أن تشمل بالتطعيم جميع الأطفال الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة من منزلُ إلى منزل في سائر محافظات الجمهورية حتى من سبق تحصينهم مراراٍ وتكرراٍ.
إذ لا يأتي تنفيذها من فراغ وإنما بناءٍ على توصيات منظمة الصحة العالمية ولجنة الإشهاد الوطني بالخلو من فيروس شلل الأطفال فهما تراقبان – عن كثبُ- ما استجد من أوضاعُ حيال فيروس شلل الأطفال البري وما فرض ظهوره في الصومال كينيا أثيوبياٍ وجنوب السودان ومؤخراٍ في سوريا من جدية التعاطي والعمل الحثيث والبناء باتجاه التصدي لأي احتمالات تمهد عودته إلى اليمن من جديد لاسيما وأن ثمة من يعبرون الأراضي اليمنية بصورة غير شرعيةُ وأغلبهم من الصومال وبهذه الطريقة يكونون بمعزل عن الخضوع لأي إجراءات احترازيةº كالفحوص الطبيةُ والتطعيم الاحترازي والإحالة إلى المحاجر الصحية في حال ثبوت أن من بينهم من يحمل عدوى المرض حتى انقضاء وزوال قابليتهم لنقل الإصابة بما يجنب البلاد تماماٍ من مغبة ظهور وتفشي فيروس الشلل البري.
بالتالي فإن التحصين للأطفال دون سن الخامسة من خلال الحملات يْعد احترازياٍ لتبقى اليمن محمية وخاليةٍ تماماٍ من فيروس شلل الأطفال.
وبفضل الله ثم بفضل لقاح التطعيم الفموي المضاد لفيروس الشلل تتحقق أعلى مستويات الحماية للبلد بما يمنع عودة هذا الفيروس فهذا اللقاح آمن ومضمون الفاعلية بشهادة أكبر الكفاءات العلمية الطبية المتخصصة المحلية والعربية والإسلامية ويخضع لرقابة مشددة أثناء تصنيعه ولإشراف وسلسلة تبريد ملائمة تحفظه تحت درجة حرارة مناسبةº بدءاٍ من المصنع ومروراٍ بنقله من بلد المنشأ إلى اليمن ثم وصوله إلى الثلاجات المركزية للبرنامج الوطني للتحصين الموسع بوزارة الصحة وإلى الفروع بالمحافظات وانتهاءٍ بوصوله إلى مختلف المرافق الصحية في مختلف أنحاء الجمهورية وبذلك لا يتلف على الإطلاق.
أما إذا تلف اللقاح لدى العامل الصحي- أي عندما لا يجد التبريد الملائم- فإنه ينظر إلى مؤشر الصلاحية- وهو على هيئة مربع فاتح اللون موجود على عبوة اللقاح – فلو تحول إلى اللون الداكن تأكد قطعاٍ أن اللقاح تالف لا يصلح للاستخدام كقطرة ماء لا تنفع ولا تضر.
بالتالي من السهل اكتشاف صلاحية جرعة التحصين من قبل أي شخص بمجرد النظر إلى المربع الموجود على عبوة اللقاح.
إننا نؤكد على أهمية هذا اللقاح لكن فاعليته بالمستوى المطلوب لكي تحد تماماٍ من الإصابة بفيروس الشلل توجب أن ينال عموم الأطفال دون سن الخامسة جرعات متعددة منه أثناء حملات التطعيم بمعية حصول جميع من هم دون العام والنصف من العمر على كامل لقاحات التحصين الروتيني بالمرافق الصحية والتي تتضمن جرعات متعددة من اللقاح المضاد لفيروس الشلل.
علاوة على أن لقاح شلل الأطفال مْجرب زهاء (35) عاماٍ وتحديداٍ من بداية سبعينيات القرن الماضي كحال بلدان عربية وإسلامية وبلدانُ غير إسلامية كثيرة حول العالم.
كما أن الملايين من الأطفال باليمن أعطوا منذ ذلك التاريخ جرعات متعددة منه ضمن لقاحات التطعيم الروتيني المعتاد بالمرافق الصحية والكثير ممن تلقوا اللقاح آنذاك هم حالياٍ في ريعان الشباب وبكامل صحتهم ثم أن بعضهم من الجنسين قد تزوج وأنجب أطفالاٍ دونما مشكلة.
ومنذ العام 1996م نفذت حملات تطعيم وطنية توالت سنوياٍ حتى عامنا هذاº مستهدفة في اليمن باللقاح ذاته سائر الأطفال دون سن الخامسة.
على الآباء والأمهات – بالضرورة- أن يواصلوا مشوارهم الطيب في تحصين أطفالهم فلذات أكبادهم منعاٍ لعودة فيروس شلل الأطفال إلى اليمن من جديد ولأجل كبح عبثية المرض وسطوته التي تقود في النهاية إما إلى إعاقة دائمة أو إلى موت محقق فالأمر جد خطير على غير المحصنين ضد المرض وحتى الذين لم يحصلوا إلا على جرعات قليلة من اللقاح كون الوضعين غير كافيين لمنع الإصابة إذا ما عاد الفيروس إلى البلاد لا قدر الله.
اعتباراٍ من تاريخ (16-18ديسمبر 2013م) يقرع العاملون الصحيون أبواب المنازل في جميع محافظات اليمن فالتأهب مطلوب من جميع الآباء والأمهات لتحصين أطفالهم دون سن الخامسة بلا استثناء.
ولا يجدر بهم التهاون أو التقاعس عن واجبهم هذا حتى لا يصادرون حقاٍ أساسياٍ لأطفالهم في الحصول على حصانة جسدية منيعة ضد فيروس بربري مرد على إحداث أشكالُ مروعة من الإعاقة الجسدية إذ في النهاية يدفع الأطفال المحرومون من التحصين ثمناٍ باهظاٍ متى أصابهم المرض وكبلهم بقيود الإعاقة- لا سمح الله- والجناة الحقيقيون آباء أو أمهات سولت لهم أنفسهم والشيطان حرمان فلذات أكبادهم من التحصينثم إنهم بصدهم أطفالهم عن التحصين يؤمنون الانتشار للفيروس ليطال – إلى جانب أبنائهم- أطفالاٍ آخرين لا يتمتعون بمناعة كافية ضد المرضº معرضين مستقبل الأجيال إلى مخاطر شائكة وقاسية..
● المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني
بوزارة الصحة العامة والسكان