عبدالرحمن علي مهيوب
الشهادة هي ذلك الوسام العظيم والشرف الرفيع والمنزلة العالية التي لا ينالها إلا من اصطفاهم الله تعالى، كيف لا وكتاب الله تعالى وحديث المصطفى صلوات الله عليه وآله حافلان بذكر مقامهم الرفيع ووصفهم العظيم ومنزلتهم العالية.
ومهما تكلمت الألسن والأقلام عن عظمة الشهادة فلن نفيها حقها إلا أننا سنقتصر في هذا المقال على رسالة الشهيد إلى المجتمع ، فالشهيد ليس شخصا عاديا بل هو مدرسة حرية وتأمل لأن الشهيد قصة شخص ترك أهله وماله وفلذات أكباده الذين خلّفهم وانطلق إلى ميادين الجهاد المقدس والتضحية حتى اصطفاه الله تعالى شهيدا ، ولهذا لا بد أن تكون خلف هذا الشهيد رسالة خالدة يقرأها كل مؤمن حر كريم ؛ لأن الشهيد حي يرزق عند ربه، ورسالته خالدة كما قال الله تعالى ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ) وقال تعالى- مخلدا رسالة ذلك الشهيد الذي ضحى بنفسه لنصرة دين الله تعالى – في سورة يس ( قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) ولهذا فإن من هذه الرسائل التي تركها لنا هؤلاء الشهداء العظام ما يلي :
– قدسية المبادئ والأهداف التي من أجلها ضحى الشهيد ،فقد انطلق الشهيد إلى ميادين الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله تعالى ونصرة الحق ودفاعا عن المستضعفين في الأرض وفي سبيل الله تعالى وإعلاء راية الوطن اليماني الإيماني وتحقيق سيادته وازدهاره وحريته وكرامته.
– إخلاص العمل لله تعالى وابتغاء ثوابه دون الالتفات إلى ما يمكن أن يحصلوا عليه من متاع الدنيا الزائل.
– الصبر والتحمل في سبيل الله تعالى جوعا وبردا وحرا وأسرا وجراحا …….الى غير ذلك من المشاق والصعاب.
– الشجاعة والإقدام في ميدان المعركة.
– الإيثار بأغلى شيء يملكه الإنسان وهو روحة، فالشهيد ضحى بنفسه ليحيا مجتمعه حياة كريمة آمنة .
– الإصرار على بلوغ الأهداف السامية بتحقيق الانتصارات واجتراح المعجزات رغم شحة الإمكانات.
– حسن الخلق والتزام المبادئ الإسلامية السامية في التعامل حتى مع أسرى العدو.
هذه هي بعض الرسائل التي يمكن أن نستلهمها من تضحيات هؤلاء الشهداء وهذه الرسائل يجب ان تتحول الى مسؤوليات على المجتمع القيام بها اكراما لهؤلاء الشهداء وردا بالجميل والحسنى على رسالتهم الخالدة فما جزاء الإحسان الى الإحسان وهذه المسؤوليات نلخصها كما يلي:
* مسؤولية اسر الشهداء :
1- الاعتزاز والافتخار بما قدمه ذووهم قربانا لله تعالى ودفاعا عن هذا البلد وعزة أبنائه في وجه قوى الاستكبار العالمي ، فهم قدموا فلذات أكبادهم لله تعالى، وهم بذلك أصحاب افضل ويد على كل فرد في المجتمع فيما نعيشه من عزة وإباء ونهضة ورفعة مستقبلية بإذن الله تعالى في شتى المجالات .
2- عدم الشعور بالحزن والأسى المفرط لفقد هؤلاء الشهداء ، وأن ذهابهم إلى ميادين الجهاد هو سبب موتهم، فهذا شعور مناف للحقيقة، فالله تعالى هو من كتب الاعمار والآجال والشهيد قد استوفى عمره ولكنه استثمر موته وشرَّفه الله تعالى باصطفائه شهيدا بدلا من أن يموت بحادث أو بسبب مرض أو اطلاق نارعبثي … وما أكثرها، وقد قال الله تعالى في كتابه عن هذه الحقيقة ( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وقال تعالى( الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
3- الوفاء للمبادئ التي ضحى من اجلها الشهداء والسير على نهجهم ودربهم وعدم استغلال دماء هؤلاء الشهداء لتحقيق مكاسب شخصية أو ارتكاب المخالفات والتجاوزات لأن في ذلك إساءة إلى هؤلاء الشهداء والى مبدأ الشهادة وتشويه صورة الشهداء بين المجتمع وتحويل الشهيد من رمز للعزة والكرامة والتضحية والإباء إلى مجرد سلعة تطالها ألسن السفهاء والحاقدين بالسوء والاحتقار.
4- بذل ما في وسعهم في رعاية أسرة الشهيد(أبنائه وزوجته ) واحتساب الأجر من الله تعالى فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول (من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزى).
*مسؤولية الدولة وقيادتها :
ان الجانب الأكبر من المسؤولية تجاه هؤلاء الشهداء تقع على عاتق الدولة وقيادتها ومن هذه المسؤوليات ما يلي:
– الوفاء للمبادئ والأهداف السامية التي ضحى من أجلها هؤلاء الشهداء واستنساخ معركة هؤلاء الأبطال من ميادين الجهاد إلى ميادين البناء والتطوير في مؤسسات الدولة، كما قال الشهيد الرئيس الصماد -رحمه الله –”يد تبني ويد تحمي” وعليهم خوض هذه المعركة مستشعرين الصفات العظيمة لهؤلاء المجاهدين الكرام والتي منها (أن عليهم أن يصبروا ويتحلوا بالشجاعة والإقدام واجتراح المعجزات وعدم الاستسلام للصعاب وشحة الإمكانات أسوة بأولئك الشهداء الذين حققوا الانتصارات العظيمة رغم شحة الإمكانات وتحت أصعب الظروف ، ولهذا فلا عذر لأي مسؤول في التنصل عن تحمل مسؤولياته متحججا بالعدوان والحصار، إذ لا مجال للمقارنة بين وضع من هم في كراسي الدولة وبين المجاهدين في الجبهات.
– محاربة الفساد والمحافظة على المال العام إذ من السيئ والمعيب أن نرى بعض مسؤولي الدولة يسرف في الإنفاق والطلبات الشخصية دون أي اعتبار لتضحيات الشهداء والمجاهدين والجرحى والأسرى والفقراء ….والذي لولا تضحيات الشهداء وصمود المجاهدين لما كان هؤلاء في مناصبهم.
-حسن اختيار الكوادر في مؤسسات الدولة وبالأخص في الوظائف العليا وعدم المجاملة أو المداهنة في هذا الأمر وهذا هو جوهر الوفاء للشهداء الكرام وقبل ذلك هو وفاء لأنفسنا وشعبنا وأجيالنا، لأن الشهيد بشهادته لم يخسر بل ربح عند مليك مقتدر ولكن نحن من يشعر بالخسارة الفادحة عندما نرى أن هذه التضحيات الجسيمة لم تحقق الهدف منها .
– حشد كافة الطاقات والإمكانات لرعاية أسر الشهداء والجرحى والمجاهدين ومنحهم الامتيازات في كل مؤسسات الدولة من مستشفيات وجامعات …… وهذا أقل واجب نحوهم ولا عذر في ذلك أبدا .
مسؤولية المجتمع :
مسؤولية المجتمع تنطلق من استشعار النعمة التي نعيشها من أمن واستقرار وعزة وكرامة وحرية واستقلال وأنها ثمرة لتضحيات أولئك الشهداء وهذا الشعور سينعكس إيجابا في المساهمة في رعاية أسر الشهداء والمرابطين كل في نطاقه وكذا احترام تضحياتهم وتخليد مآثرهم والاعتزاز بهم إلى غير ذلك من مظاهر الوفاء لهم.
ختاما : ونحن في الذكرى السنوية للشهيد نود التذكير بأن اهتمامنا بالشهداء لا ينبغي أن يكون مقتصراً على هذه المناسبة بل يجب أن يكون ذلك مشروع عمل ومنهاج حياة . نسأل الله تعالى أن يرحم شهداءنا ويشفي جرحانا ويفك أسرانا وأن يعجل لنا بالنصر والتمكين .