ترامب وعقلية (الرؤساء العرب)
عبدالفتاح علي البنوس
يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التحريض على العنف والفوضى في الشارع الأمريكي ، بإصراره على تصريحاته المستفزة التي يتهم فيها الحزب الديمقراطي والرئيس المنتخب جون بايدن بتزوير الانتخابات والتورط في ارتكاب مخالفات منحت بايدن التقدم عليه فيها.. ترامب الذي يواصل فريقه القانوني رفع دعاوى التزوير في عدد من محاكم الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت نتائجها النهائية لصالح بايدن ، يُصِّر على موقفه الرافض للاعتراف بهزيمته والتأكيد على أنه الفائز الحقيقي في الانتخابات ، رغم كل الشواهد التي تؤكد خلاف ذلك ، بما في ذلك عمليات إعادة فرز بطائق الاقتراع يدويا والتي لم تظهر أي تغيير في النتائج المعلنة ، بما في ذلك الولايات الجمهورية التي منح الناخبون فيها غالبية أصواتهم للمرشح الديمقراطي نتيجة الخطاب الإعلامي الأرعن الذي أدار به ترامب حملته الانتخابية والذي جعله يخسر الكثير من الأصوات في أوساط مناصريه من الجمهوريين الذين فقدوا ثقتهم فيه ، ورأوا أنه لا يليق بهم وبحزبهم وببلدهم أن يمنح ترامب فرصة تولي الرئاسة للفترة الثانية..
الشارع الأمريكي يعيش حالة من الغليان نتيجة التحريض المستمر الذي يقوم به ترامب والتشكيك في نزاهة الإدارة والعملية الانتخابية في الولايات التي خسرها لحساب منافسه بايدن ، وبدأت بعض مظاهر العنف تطال بعض الشخصيات التي شاركت في إدارة الانتخابات بتهمة المشاركة في تزويرها ، وهو ما دق ناقوس الخطر في الوسط السياسي الأمريكي، حيث بدأت تتعالى الأصوات الجمهورية قبل الديمقراطية المطالبة بضرورة توقف ترامب عن إطلاق التصريحات التحريضية المشككة في نزاهة الانتخابات وترك المجال للفريق القانوني التابع له والخضوع للقرارات والأحكام الصادرة من المحاكم الأمريكية ذات الصلة بالطعون الانتخابية ، والكف عن حماقاته التي قد تدفع بالأوضاع الأمنية نحو الانفجار ، في ظل استمرار التعبئة الخاطئة والتحريض الإعلامي من قبل ترامب..
إنها العقلية العربية للرؤساء العرب الذين يرون أن كرسي السلطة تم تفصيله على مقاسهم، وأنهم فقط دون غيرهم هم الأحق به، ولا يمكن أن ينافسهم عليه أي منافس، ولا يمكن تقبل فكرة تولي غيرهم مهام الرئاسة حتى ولو كان ذلك محصلة انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، ويمنحون أنفسهم حق التمديد وإن تطلب الأمر الدخول في انتخابات فإنها تكون محسومة سلفا وفوزهم فيها سابق لها من خلال الأساليب والطرق التي يجيدونها والتي جعلت العديد منهم يتربعون على كرسي الحكم أكثر من ثلاثين عاما، ويبدو أن ترامب تأثر كثيرا بهذه العقلية العربية المأزومة، ولأنه يدرك استحالة حصوله على التمديد، أو الدخول في انتخابات رئاسية محسومة النتيجة سلفا لصالحه كما كان وما يزال يعمل بعض الرؤساء العرب؛ فقد ذهب نحو التشكيك في نتائج الانتخابات والحديث عن تزويرها لأنها لم تأت في صالحه ولم تمنحه الفوز بولاية ثانية لأربع سنوات قادمة، والعجيب أن ترامب تلقى وما يزال الصفعات المتتالية من مقربين له بينهم وزراء وحكام ولايات أكدوا من خلالها عدم وجود عمليات تزوير ومخالفات انتخابية من شأنها التأثير على نتيجة الانتخابات وذهبوا إلى دعم خيار التسليم بالهزيمة والترتيب لعملية انتقال السلطة دون أي عقبات أو عراقيل تذكر..
بالمختصر المفيد: تخرصات وهرطقات ترامب وحملته الانتخابية المشككة في نتائج الانتخابات والتي تمثل وصمة عار في حق (الديمقراطية الأمريكية) المزعومة، هذه الديمقراطية التي تضطر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزب الجمهوري للاتصال سرا بالرئيس المنتخب لتقديم التهنئة له بمناسبة فوزه في الانتخابات، لن تؤثر على نتائج الانتخابات ولن تغير حقيقة هزيمة ترامب وفوز بايدن، ولكنها ستكون شاهدة على عار سيظل يلاحق ترامب، وسيسجل التاريخ أن ترامب هو الرئيس الأمريكي الذي يصر على فوزه في الانتخابات الرئاسية رغم ثبوت هزيمته وبفارق كبير، حيث يُصِّر على البقاء في البيت الأبيض بالقوة بدعوى التزوير، في تناغم يشبه إلى حد كبير الرؤساء العرب الذين يرون أنهم خلقوا ليكونوا رؤساء ولا يمكن القبول بغيرهم أو الاعتراف بهزيمتهم في الانتخابات ولسان حالهم (حقنا والشاهد الله)..
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم .. وعاشق النبي يصلي عليه وآله.