وكالات/
في محاولة سعوديّة لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكام المملكة، وبعد أن قام البرلمان الأوروبيّ بتخفيض مستوى التمثيل في قمة مجموعة الـ 20 الاقتصاديّة، التي تستضيفها الرياض أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أوضح السفير السعوديّ لدى بريطانيا، خالد بن بندر، لصحيفة الغارديان البريطانيّة، أنّ بلاده “تدرس” العفو عن الناشطات المعتقلات، وبينهن “لجين الهذلول” المضربة عن الطعام منذ أسبوعين، قبل استضافة قمة مجموعة الـ20.
ضرر سياسيّ
يمكن استنباط حجم الضرر الذي تسببت به جرائم النظام السعوديّ من تصريحات مسؤوليه، فها هو ابن رئيس الاستخبارات السعوديّة السابق، بندر بن سلطان، وخليفته في سفارة المملكة في لندن، يتحدث عن أنّ نقاشاً يدور في وزارة الخارجيّة بشأن ما إذا كان استمرار احتجاز الناشطات يكلف المملكة ضرراً سياسياً يفوق جدوى اعتقالهن، مدعيّاً أنّ القضاء السعوديّ قد توصل إلى أنّ الناشطات مذنبات بأكثر من مجرد الدفاع عن الحق في القيادة.
وباعتبار أنّ السعوديّة هي الرئيس الحالي لمجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى، تسعى الرياض لتلميع سجلها “المُشين” في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لصرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، خاصة بعد مطالبات البرلمان الأوروبيّ بوضع ملف حقوق الإنسان في صُلب كافة مناقشات مجموعة الـ 20.
بالإضافة إلى تناوله مسألة “المصير المريع” للمهاجرين الإثيوبيين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى مسألة “الاحتجاز التعسفيّ” لأفراد من العائلة الحاكمة، بعد قيام سلطات بن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، والمنافسين من العائلة الحاكمة.
مشكلات دوليّة
لا يخفى على أحد أنّ السعوديّة تواجه مشاكل دوليّة كبيرة بينها جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، داخل قنصليّة بلاده في اسطنبول، وقضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، ناهيك عن حرب اليمن التي أماطت اللثام عن وجوه حكام آل سعود.
وفي هذا الصدد، انتقدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، بشكل لاذع في وقت سابق، المحاكمة السعوديّة في قضيّة مقتل الصحافيّ جمال خاشقجي، وشدّدت على ضرورة مقاضاة المسؤولين عن مقتله ووجوب صدور أحكام تتناسب مع حجم الجريمة، وذلك في ردٍ على الأحكام التي أصدرتها السعودية حول تلك القضيّة، معتبرةً أنّها تفتقر للشفافية، وأنّ القضية شابها خلل في تحديد المسؤولين الحقيقيين عن الجريمة.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، والتي تتخذ من مدينة نيويورك الأمريكيّة مقراً لها، قد قادت حملة عالميّة لتحرير نشطاء تحتجزهم السلطات السعودية بشكل غير قانونيّ ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات سابقة، وذلك قبل قمة افتراضية تعقدها المجموعة، في المملكة، أواخر الشهر الحاليّ، وذكرت المنظمة، في بيان، أنّ رئاسة مجموعة الـ20 منحت حكومة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان “درجة غير مستحقة من الهيبة الدوليّة” بالرغم من اعتدائها المستمر على الحريات.
علاوة على ذلك، فإنّ السعودية خسرت انتخابات مجلس حقوق الإنسان، التي جَرت قبل بضعة أسابيع، في قاعة الجمعيّة العامة للمنظمة الدوليّة، والذي يضم 47 دولة حول العالم، وكانت آسيا والمحيط الهادئ هي المنطقة الوحيدة التي جرى التنافس على تمثيلها في انتخابات 2020م، حيث حصلت السعودية، الرئيس الحاليّ لمجموعة الـ 20 الاقتصاديّة، على أقل الأصوات بين الدول المتنافسة، فيما يتطلب الفوز بعضوية المجلس الحصول على ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العامة أي حوالي 193 دولة.
وما ينبغي ذكره، أنّ جدول أعمال القمة، يومي 21 و22 من نوفمبر الجاري، سيشمل قضية “تمكين المرأة” وذلك في الوقت الذي تحتجز فيه السلطات السعودية ناشطات حقوقيات ونساء برزت أسماؤهن خلال حملة الدعوة لحق النساء في قيادة السيارات.
في الختام، لم تفلح في السابق فعاليات محمد بن سلمان لشراء المواقف الدوليّة والتغطية على جرائمه بحق مواطنيه، والآن من الصعب أن تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها، حيث أن خلق “صورة مختلفة” للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم، يحتاج إلى وقت طويل وإثباتات عمليّة على أرض الواقع.