ثلاثي أعمدة النصر.. الشهداء والجرحى والأسرى
محمد يحيى الضلعي
لكل شيء ثمن وثمن الكرامة غال، فمن أراد التمكين ونيل الكرامة لا بد أن يدفع، هكذا هي إرادة الله وهذا المنطق ليس مستوحى من الخيال أو إهدار كلام لا يضر أو ينفع.
ندرك تماما وهذا بعلم الجميع أن أعمدة النصر تكمن في تضحيات الشهداء وأنين الجرحى وصبر وعناء الأسرى، كل هذا الثمن المقدم من هؤلاء الأبطال جعل لنا قيمة معنوية وهيبة في قلوب الأعداء والذين صنعوا لنا قيمة ووجوداً على الأرض محررين كثيرا من أرض الوطن ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك.
فعشرات الآلاف من الشهداء الذين ارتوى تراب الوطن من دمائهم كان لهم الفضل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى في هذا النصر والتمكين الإلهي منقطع النظير، ويجب علينا هنا التذكير بعظمة الشهداء وبما قدموه لأجل عزتنا وكرامتنا وصون الأرض والعرض، ويجب علينا أيضا ذكر هذا الفضل الذي تكرموا به والسير على خطاهم والحرص على النهج الذي اتبعوه فهم قدوتنا، فما أصدقهم في القول والعمل والتضحية.
لقد ارتقى الشهداء ليتركوا إرثاً عظيماً ونصراً أعظم ومسؤولية أكبر فصنعوا النصر بدمائهم وحمّلونا مسؤولية الاستمرار واستكمال النصر الذي وعد الله به وجدير بنا أن نكون أهل للثقة وعند المسؤولية لنأخذ الراية ممن حملوها بأرواحهم ووهبوا دماءهم لتشرب الأرض وتنبت شجيرات العزة والكرامة والنصر.
ولا ننسى أو نتناسى أسر هؤلاء الشهداء الأبطال وذويهم ونحاول أن نرد ولو جزءاً بسيطاً من جميل ما قدمه لنا الشهداء أنفسهم ويكون حرصنا على ذوي الشهداء في كل الجوانب أياً كانت وبما نستطيع، فلهم الأولوية في كل جانب وهذا من حقهم والرعاية واجبة علينا.
فأسر الشهداء كانوا الأكثر تضرراً من رحيل الأبطال عندما قدموا فلذات أكبادهم وجزءاً من أرواحهم لنعيش أنا وأنت وهذا الوطن بخير، وليس من الدين أن ننسى هذه الأسر التي جادت بأغلى رجالها لنمشي مرفوعي الهامات ونعيش بكرامة.
في الاتجاه المقابل نجد أن من الغرابة في الواقع المغاير اليوم من قبل المرتزقة عندما يرمون بأنفسهم في الموت دفاعا عن المحتلين والمستعمرين الجدد ويصفون أنفسهم بشهداء، على ماذا استشهدوا؟ هل على الأرض أم على العرض؟ لا نحكم ولكن الشواهد أوضحت كل شيء والقضية واضحة والحق واضح والباطل كذلك أشد وضوحا.
أخبروهم ومن تبقى منهم إن الأرض والعرض قد استباحها سيدكم المحتل، ولا نذهب بعيدا لنصدر الأحكام ونستبقها ولكن فقط لنوجد الفرق الشاسع في معادلة الوطن وكي تتضح الصورة أكثر.
لقد عرفنا أن أول أعمدة النصر هم الشهداء ولكن العمود الآخر من لم يكتب الله له الشهادة وقد وهب نفسه فقدر الله له أن يجرح.
نعم العمود الثاني هم الجرحى ومنهم من وصل جراحه إلى الإعاقة الدائمة ونقدر تقديرا كبيرا حجم عطائهم لأجلنا، فالدّين على عاتقنا كبير لهؤلاء الأبطال الذين تكبدوا كل المعاناة والمرض والأنين والسهر وهم الشهداء الأحياء ولا ينسى فضلهم وعطاءهم إلا جاحد، فلهم منا كل التقدير والاحترام ومنزلتهم عندنا عظيمة وجليلة والوقوف إلى جانبهم والاهتمام بهم وبأسرهم واجب ديني ووطني.
إن من قدم جزءاً من صحته أو بتر طرفه أو فقد إحدى حواسه، نعجز أن نرد له الدّين ولو قدمنا ما قدمنا فلن نفيهم حقهم، فسلام ربي عليكم أيها الأطهار الأبطال.
إن التضحيات التي يقدمها الرجال في الميدان لن تمحى من ذاكرة الأحرار الذين ينشدون الحرية والعزة والكرامة ويعرفون حجم التضحية.
مع أعمدة الشهداء والجرحى التي رفعت بنيان النصر يتبقى العمود الأخير والذي لا يستقيم البنيان إلا به ولا يمكن تجاهله وهم الأسرى، فهم كذلك هم شهداء أحياء تكبدوا كل العناء والتعذيب من قبل الأعداء الذين لا يتّصفون بذرّة إنسانية.
إن هؤلاء الأبطال رسموا الصورة الحقيقية لمعنى الصمود في وجه عدو متغطرس وعرّفوه معنى الوطنية والتضحية من أجل تراب الوطن.
والآن بالشهداء والجرحى مع الأسرى اكتملت الصورة وطويت دفاتر التضحية وانبثق النصر الذي وعدنا الله به، فبين شهيد قدّم روحه رخيصة في سبيل الله وجريح ضحّى بصحته لتعيش بكامل صحتك حرا عزيزا، وأسير قدَّم حريته وجسده للتعذيب، وبين كل هؤلاء تجمعت عوامل النصر لتصنع المجد الذي طالما انتظره اليمنيون.
طوبى للشهداء وهنيئاً للجرحى وبشرى للأسرى الصبر والتحرير بإذن الله، ومجد لك يا وطن العزة نبنيك بجماجمنا ونسقيك بدمائنا ونردم أسواره بعظامنا لتبقى شامخا عزيزا لا يكسرك سفهاء الأعراب وأذناب الغرب وقطط التطبيع وأراذل القوم.
ما قدّمنا كل ما سبق إلا لأن المكافأة من الله ستكون مجزية وهي الانتصار لكل يمني حر غيور على دينه وبلده، ولنتذكر ما قاله السيد القائد في بداية العدوان عندما اختصر المعركة بخيارين اثنين، فإما أن نقاتل ونقدِّم الشهداء والجرحى والأسرى ويكون الثمن باهظاً وإما الاستسلام والذي يكون ثمنه أكبر وخسارته أفدح.