لمولده الشريف تتوهج القلوب، وتخضر الأفئدة والكلمات بحبه والترنم بصفاته وسجاياه النورانية والشريفة .. وفي محراب المولد النبوي الشريف اينعت وتفتقت الكثير والعديد من القصائد المبدعة التي زادتها هذه المناسبة عطراً وبهاءاً.
وفي شعر المديح النبوي الذي تخصص بمدح الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نجد فيه ذلك الحب العظيم والشوق الكبير لرسول الرحمة والإشادة والإعجاب العميق بكل أعمال الرسول الكريم وأخلاقه وخلقه وصفاته المثلى .
كما ينضح المديح النبوي بذلك الحب العظيم الذي يكنه كل مسلم لرسول الرحمة وعمق وروعة وعظمة مكانة النبي الكريم في قلوب ووجدان أبناء الأمة الإسلامية .
وشعر المديح النبوي هو نابع من حب الشعراء للرسول الكريم ولمكانته العظيمة، وهو مديح لا يرجو منه الشاعر سوى التعبير عن حبه للرسول الكريم والإعجاب الخالص بكل ما يمثله رسول الرحمة من معان وقيم وصور إيمانية ناصعة ومشرقة.
وعن شعر المديح النبوي وتعريفه وإبراز خصائصه الفنية يقول الدكتور زكي مبارك في كتابه “المدائح النبوية في الأدب العربي”، بأنها: فن من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص”.إعداد/محمد أبو هيثم
ومن أهم مميزات المديح النبوي أنه شعر ديني ينطلق من رؤية إسلامية تطبعه الروحانية الصوفية من خلال التركيز على الحقيقة المحمدية التي تتجلى في السيادة والأفضلية باعتباره سيد الكون والمخلوقات، وأنه أفضل البشر خِلقة وخُلقاً، ويتميز المديح النبوي أيضاً بصدق المشاعر ونبل الأحاسيس ورقة الوجدان وحب النبي محمد بن عبد الله طمعاً في شفاعته ووساطته يوم الحساب.
وعن شعـــــر المديح النبوي في الأدب العربي يقول الدكتور / جميل حمداوي عن مفهومه إنه هو ذلك الشعر الذي ينصب على مدح النبي (صلى الله عليه وإله وسلم)، بتعداد صفاته الخلقية والخلقية، وإظهار الشوق لرؤيته، وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول (صلعم)، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية، ونظم سيرته شعرا، والإشادة بغزواته، واستقصاء صفاته المثلى، والصلاة عليه تقديرا وتعظيما.
ويظهر الشاعر المادح في هذا النوع من الشعر الديني تقصيره في أداء واجباته الدينية والدنيوية، ويذكر عيوبه وزلاته المشينة، ويعدد كثرة ذنوبه في الدنيا، مناجيا الله بصدق وخوف، مستعطفا إياه، طالبا منه التوبة والمغفرة، وبعد ذلك ينتقل إلى مناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، طامعا في وساطته وشفاعته يوم القيامة بإذن الله، وغالبا ما يتداخل المديح النبوي مع قصائد التصوف من جهة، ومع قصائد المولد النبوي التي تسمى بالمولديات من جهة أخرى».
وتعرف المدائح النبوية- كما يقول الدكتور زكي مبارك- بأنها “فن من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص”.
ومن المعهود أن هذا المدح النبوي الخالص لا يشبه ذلك المدح الذي كان يسمى بالمدح التكسبي، أو مدح التملق الموجه إلى السلاطين والأمراء والوزراء، وإنما هذا المدح خاص بأفضل الخلق، ألا وهو محمد (صل الله عليه وآله وسلم). والآتي، أن هذا المدح يتصف بالصدق، والمحبة، والوفاء، والإخلاص، والتضحية من ناحية، والانغماس في التجربة العرفانية والعشق الروحاني اللدني من ناحية أخرى.
ويضيف عن ظهــور المديـــح النبـــوي بقوله:
ظهر المديح النبوي في المشرق العربي مبكرا، وذلك مع مولد رسول الله وبعد ذلك، أذيع مع انطلاق الدعوة الإسلامية وشعر الفتوحات الإسلامية، إلى أن ارتبط بالشعر الصوفي مع ابن الفارض والشريف الرضي، لكن هذا المديح النبوي لم يزدهر لينتعش، فيترك بصماته، إلا مع الشعراء المتأخرين، وخاصة مع الشاعر البوصيري في القرن السابع الهجري، والذي عارضه كثير من الشعراء الذين جايلوه، أو جاؤا بعده، ولا ننسى في هذا المضمار الشعراء المغاربة والأندلسيين، الذين كان لهم باع كبير في المديح النبوي منذ الدولة المرينية.
وهناك اختلاف جلي بين الباحثين حول نشأة المديح النبوي، فهناك من يقول بأنه إبداع شعري قديم، ظهر في المشرق العربي بظهور الدعوة النبوية والفتوحات الإسلامية، ولاسيما مع شعراء الدعوة الإسلامية، مثل:حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير، وعبد الله بن رواحة. وهناك من يذهب إلى أن هذا المديح فن مستحدث، لم يظهر إلا في القرن السابع الهجري مع البوصيري وابن دقيق العيد.
وفي السطور التالية نقتطف مقاطع من قصائد متعددة من شعر المديح النبوي الشريف:
من قصائد المديح النبوي الشهيرة
*حسان بن ثابت الخزرجي:
وله عدة قصائد في مدح الرسول، والذود عنه، وهجاء كفار قريش، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول له “اهجهم و روح القدس معك” ومن أشهر قصائده الدالية.. ومطلعها:
بطيبة َ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ منيرٌ،
وقد تعفو الرسومُ وتهمدُ
ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حرمة
بها مِنْبَرُ الهادي الذي كانَ يَصْعَدُ
و وَاضِحُ آيــاتٍ، وَبَاقي مَعَالِمٍ
و ربعٌ لهُ فيهِ مصلى ً ومسجدُ
بها حجراتٌ كانَ ينزلُ وسطها
مِنَ الله نورٌ يُسْتَضَاءُ، و َيُوقَدُ.
*كعب بن زهير
هذا الشاعر كتب قصيدته هذه بعد إسلامه وكان قد سبق وأن هجا النبي عندما كان مشركا وأهدر النبي عليه وآله الصلاة والسلام دمه، ولكنه ما لبث أن ندم وجاء إلى الرسول معتذرا معلنا إسلامه ومدحه بهذه القصيدة، فعفا عنه الرسول وألبسه بردته ولهذا السبب سميت القصيدة “بالبردة” وصارت من اشهر قصائد المديح النبوي ومطلعها:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ.
ومنها:
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً
وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ
وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت
إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ.
ومنها قوله:
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ .
*شرف الدين محمد البوصيري
يعتبر من أهم شعراء المديح النبوي، وقد أوقف شعره وفنه على مدح الرسول صلى الله عليه وآله سلم، وله الكثير من قصائد المديح النبوية ومن اشهرها ” البردة” والتي عارضها الكثير من الشعراء في مختلف العصور:
أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ
مزجتَ دمعاً جرى من مقلة ٍ بدمِ
أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمة
وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا
ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
ما بَيْنَ مُنْسَــجِم منهُ و مضطَرِمِ
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَلمِ
فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَــــهِدَتْ
به عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم
وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَة ٍ و ضَنًى
مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ
نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني
والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَة ً
منِّي إليكَ و لو أنصفتَ لم تلُمِ
عَدَتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ
عن الوُشاة ِ و لادائــي بمنــــحسمِ
مَحَّضَتْنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُه
إنَّ المُحِبَّ عَن العُذَّالِ في صَمَمِ
* أحمد شوقي
كتب قصيدة “نهج البردة” وهي معارضة لبردة البوصيري كما كتب قصيدة ” سلوا قلبي” وقصيدة ” “وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ ”
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ
أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا
يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً
يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي
جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ
إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ
لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ
وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
ومما قاله في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ
وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ
كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ
وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ
عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ
لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ
وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها
عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ
وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاستَلِمِ .
ومن قصيدة ” سلوا قلبي”:
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا
لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ
فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا
تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ
هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ:وَلّى
وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ: ثابا
وَلَو خُلِقَتْ قُلوبٌ مِن حَديدٍ
لَما حَمَلَتْ كَما حَمَلَ العَذابا .
تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَ عَمَّتْ
بَشائِرُهُ البَوادي وَ القِصابا
وَأَسدَتْ لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ
يَدًا بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجًا مُنيرًا
كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابا
فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نورًا
يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقابا
وَضاعَت يَثرِبُ الفَيحاءُ مِسكًا
وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطابا
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري
بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ
إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا
مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدرًا
فَحينَ مَدَحتُكَ اقتَدتُ السَحابا.
أما قصيدة شوقي الشهيرة الثالثة فهي ” وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ ” ويقول في مطلعها :
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ
لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
وَالمُنتَهى وَالسِدرَة العَصماءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ
وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ.
وهناك الكثير من قصائد المديح النبوي التي كتبت في مختلف العصور والأزمنة والتي صارت من درر الأدب العربي والإنساني وحمل في مضامينها أبهى صور المعاني السامية عن رسول الرحمة محمد صلوات الله عليه وسلامه عليه وآله.
بِبَعْثِ أَحْمَدَ فِي الْحِجْرِ
* ومن قصيدة «في كل فاتحة» لابن جابر الأندلسي في مدح الرسول الكريم:
فِي كُلِّ فَاتِحَةٍ لِّلْقَولِ مُعْتَبَرَةْ
حَقَّ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَبْعُوثِ بِالْبَقَـرَةْ
فِي آلِ عِمْرَانَ قِدْماً شَاعَ مَبْعَثُه
ُرِجَالُهُمْ وِالنِّسَاءُ اسْتَوضَحُوا خَبَرَهْ
قَدَّ مَدَّ لِلنَّاسِ مِنْ نُّعْمَاهُ مَائِدَةً
عَمَّتْ فَلَيسَتْ عَلَى الْأَنْعَامِ مُقْتَصِـرَهْ
عْرَافُ مَولَاهُ مَا حَلَّ الرَّجَاءُ بِهَا
إِلَّا وَأَنْفَالُ ذَاكَ الْجُودِ مُبْتَدِرَهْ
بِهِ تَعَلَّقَ إِذْ نَادَى بِتَوبَتِهِ
فِي الْبَحْرِ يُونُسُ وَالظَّلْمَاءُ مُعْتَكِرَهْ
هُودٌ وَّيُوسُفُ كَمْ خَوفٍ بِهِ أَمِنَا
وَلَنْ يُرَوِّعَ صَوتُ الرَّعْدِ مَنْ ذَكَرَهْ
جَابَ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ حِينَ دَعَا
بِبَعْثِ أَحْمَدَ فِي الْحِجْرِ الَّذِي عَمَرَهْ
ذُو أُمَّةٍ كَدَوِيِّ النَّحْــلِ ذِكْرُهُــمُ
فِي كُلِّ فَجْرٍ فَسُبْحَانَ الَّذِي فَطَرَهْ
يا صَارِمَ اللَّحْظِ
* ومن قصيدة محمود سامي البارودي في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
يا صَارِمَ اللَّحْظِ مَنْ أَغْرَاكَ بِالمُهَجِ
حَتَّى فَتَكْتَ بها ظُــــــــلْماً بلا حَرَجِ
ما زالَ يَخْدَعُ نَفْسِي وهْيَ لاهِيَة ٌ
حَتَّى أَصابَ سَوادَ الْقَلْبِ بِالدَّعَجِ
طَرفٌ ، لو انَّ الظُّبا كانت كلحظتِهِ
يومَ الكريهة ِ ، ما أبقت على وَدَج
أوحى إلى القلبِ ، فانقادَت أزِّمتهُ
طَوْعــــــــاً إِلَيْهِ، وخَلاَّنِي وَلَمْ يَعُجِ
فكيفَ لى بتلافيهِ ؟ وقَد علِقَتْ
بهِ حَبائلُ ذاكَ الشــــادنِ الغَنجِ
كادَتْ تُذِيبُ فُــــــــــؤادِي نارُ لَوْعَتِهِ
لَوْ لَمْ أَكُنْ مِنْ مَسِيلِ الدَّمْعِ فِي لُجَجِ
لَوْلا الْفَوَاتِنُ مِنْ غِزْلانِ «كاظِمَة ٍ»
ما كانَ للحبِّ سُلطانٌ علَى المُهَجِ
فَهَل إلى صِلَة ٍ مِنْ غادِرٍ عِدَة ٌ
تَشْفِي تَبارِيحَ قَلْبٍ بِالْفِراقِ شَجِ
أَبيتُ أرعى نُجومَ اللَّيلِ فى ظُلَمٍ
يَخْشَى الضَّلاَلَة َ فيها كُلُّ مُدَّلِجِ
كَأَنَّ أَنْـجُـمَهُ والْجَوُّ مُعْـــــتَكِرٌ
غِيدٌ بِأَخبِيَة ٍ يَنْظُرْنَ مِنْ فُرَجِ
لَيْلٌ غَــــــــــــــياهِــبُهُ حَيْرَى ، وأَنْجُمُهُ
حَسْرَى ، وساعاتُهُ في الطُّولِ كالْحِجَجِ
محمدُ يا بابًا على الفجرِ مشرعًا
* وقصيدة «لأنَّ يَدَيْكَ الضِفَّتَان» للشاعر حسن عامر:
أَهَذِي دموعٌ أم أُرِيقَتْ عُيُونُهَا
أم انْشَقَّ في الناياتِ نِصْفَيْنِ نُونُهَا؟!
لقد كنتُ فيما يَذكُرُ الحبُّ صابرًا
أقولُ لقلبي: لليالي شؤونُهَا
إذا صَدَّقَتْنِي غيمةٌ ما بَكَيْتُهَا
وهل روحِيَ الصحراءُ إلا شجونها!
أُسَمِّيكَ يا قلبي تَطَلُّعَ نخلةٍ
إلى جِذعِهَا المُلْقَى وأنتَ أنِينُهَا
أُسَمِّيكِ يا عَيْنَيَّ خوفَ حمامةٍ
على الغارِ خيطُ العنكبوتِ حُصُونُهَا
وأخرجُ من ليلِ الحضاراتِ شاردًا
أكادُ إذا لاحتْ حصاةٌ أكونُهَا
وخلفي بلادٌ قد تهاوت سماؤها
وما ثَمَّ في الأطلالِ إلا سجونُهَا
وخلفي صراخٌ تَفْتِلُ الريحُ حَبْلَهُ
وحربٌ على الدنيا يجنُّ جنونُهَا
أرى الأرضَ أُمَّ الأبجدياتِ تنحني
ويُذبحُ في غيبِ الكلامِ جَنِينُهَا
وباسمِ ضحاياها أجيئكَ حاشدًا
خطىً في صدى الموالِ يرعى رَنِينُهَا
محمدُ يا بابًا على الفجرِ مشرعًا
ويا لحظةً خضراءَ شَفَّ مَعِينُهَا
تداعى بيَ الشوقُ القديمُ وهَزَّنِي
وأَفْلَتَ من خيلِ الخيالِ حَرُونُهَا
وهاجت بيَ الذكرى فأرسلتُ خاطري
وحَنَّ لكاساتِ الصبابةِ حينُهَا
على موقدٍ في البيتِ ألقيتُ وجهتي
وقلتُ بروحي سوفَ يسعى حنينها
إلى موعدٍ أقصاهُ أن تُسفَكَ الخطى
وأن ينكرَ الأجسادَ في الشوقِ طينُهَا
إلى حيثُ ذكراكَ التفاتةُ جَدْوَلٍ
إلى الرملِ والصحراءُ تعوي بطونها
لقد حَلَّفَتْنِي بالندى كلُّ وردة
فكيف إذا سالَ الحنينُ أخونها!