إسكندر المريسي
عند قراءة أبعاد وخلفيات المشهد السياسي في ليبيا لا سيما على ضوء التداعيات والتطورات الجارية خصوصا في اللحظة الراهنة يمكن القول بأن ذلك البلد العربي يواجه اليوم تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية ، حيث برزت في الآونة الأخيرة مشكلتان أساسيتان تتمثلان بالاقتصاد والأمن عوضاً عن غياب الحكومة وسط ظهور ثلاث قوى أساسية مجموعة تمثل الليبراليين الذين كان معظمهم في الخارج والذين تربطهم علاقات معينه مع السياستين الأوروبية والأمريكية ولم تخلو بالتأكيد بعض المجاميع المحسوبة على النظام السابق من الارتباطات الأجنبية وكذلك قوى تتمثل بالإسلاميين المتعددين ضمن ثلاث توجهات فضلا عن بروز المليشيات المسلحة كظاهرة كان من الطبيعي أن تبرز إلى المشهد السياسي نتيجة طبيعية لمسألتين أساسيتين تتمثلان بغياب مفهوم الدولة الوطنية وما ترتب على ذلك من غياب حقيقي لمفهوم الاستقلال الوطني جراء الإرث الاستعماري المتراكم والذي عاد بعد عام 1969م كمرحلة استعمارية ناعمة ولكنها كانت في انعكاساتها السلبية ونتائجها المدمرة أشد مرارة وحسرة من مرحله.. مقاومة ذلك الشعب للاستعمار الإيطالي.
وهو ما أدى تلقائيا إلى التسابق المحموم من قبل القوى الدولية على ذلك البلد ليس من أجل إيجاد الأمن والاستقرار وإخراجه من أزمته الراهنة وإنهاء مأساة الاحتلال الناعم ولكن ما هو حاصل ويجري في ليبيا حاليا لا يعدو عن كونه إعادة إنتاج مشكلة ذلك البلد العربي مع المستعمر الأجنبي .
ويرجع سبب ذلك إلى امتلاكه ثروة نفطية جعلت القوى الدولية حتى خلال العقود الماضية بفضل غياب الدولة وعدم وجودها لضمان الاستئثار بثروات ذلك البلد بنسب متفاوتة بين القوى الاستعمارية وما هو حاصل في الظرف الراهن يبدو رفع تلك النسبة تجسيدا لحقيقة أن مشكلة ليبيا تكمن كما أشرنا في الاستعمار الأجنبي الذي يغذي الصراعات الداخلية أكانت تحت يافطة المتطرفين أو التكفيريين أو تحت ما يسمى عناصر التدويل بمجموعاته المختلفة المرتبطة بالأجندة والقوى الخارجية.
حيث تداخلت القوى الداخلية مع التدخلات الخارجية بكافه أشكالها وأنواعها المختلفة علما بأن الصراع في الصومال انتهى لأنه ليس بلداً غنياً بالنفط وخرجت منه السياسة الدولية بقواها المختلفة ، لكن الوضع في ليبيا يختلف كليا حيث تعمل تلك السياسة على تكريس الفوضى وغياب الدولة وتعميق الصراعات وانتشار المليشيات المسلحة لكي لا يلتفت الشعب للقوة الحقيقية التي تريد أن تجعل من تلك الفوضى غطاء مشروعا لنهب ثروات وإمكانية ذلك الشعب وبالتالي فإن الأعمال العسكرية الجارية بغض النظر عن دوافعها المختلفة وحيثياتها المتعددة فإنها بالتأكيد تكرس ذلك الصراع وتعمق جذوره لكي لا يكون هناك اصطفاف وطني ضد القوى الأجنبية التي تعبث بأمن واستقرار ليبيا خصوصا في المرحلة الراهنة يبدو الحديث عن الجيش في ذلك البلد أمراً غير ممكن لعدم وجود مؤسسة عسكرية وطنية .
وإن كان الحديث عن اللواء خليفة حفتر يعتبر في الوقت الحالي أقوى الأطراف العسكرية والذي تسعى بعض القوى الدولية خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم الدعم والمساعدة له على أساس يتولى إعادة بناء الجيش وذلك كمهمة خارج مهام الحكومة ولا علاقة لها بالمؤتمر الذي يحمل صيغة البرلمان وذلك أمر طبيعي لأن هناك قوى مشابهة له وإن اختلفت في التوجه فإن الهدف تعميق الصراع كما أوضحنا والمباعدة بين الحلول والمعالجات ليكون الرهان على العامل الخارجي الذي يؤدي بالمقدمة والنتيجة مخرجات سلبية تعزز من تواجد الهيمنة الأجنبية وتجعل من الصعوبة بمكان خصوصا في الظرف الراهن بروز تيار وطني عربي إسلامي يرفض الوصاية الخارجية ويتقاطع مع الهيمنة الأجنبية ولا ينساق مع المليشيات المسلحة والمجاميع المدولة فإن ذلك أمر ممكن لإخراج ذلك البلد العربي من أزمته الراهنة وتفادي الانقسام والحيلولة دون تفشي الصراع .
ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الاستقلال الوطني أولا يلي ذلك البحث عن صيغة للدولة الوطنية ولكن في ظل إيجاد ذلك الاستقلال ما لم فلن تخرج ليبيا من أزمتها الراهنة وإن كانت ليبيا بالتأكيد لم تكن بمعزل تام عن التسابق المحموم من قبل القوى الاستعمارية خصوصا خلال الأربعة العقود الماضية علما بأن التطورات الجارية ليست إلا امتداداً طبيعياً للانعكاسات السلبية للمرحلة السابقة أظهرت خلال الإطاحة بالنظام السابق معطيات جديدة كان الأمل معقودا أن تحسم ليبيا صراعها التاريخي مع الاستعمار لصالح شعبها العربي ولكن ما حدث كان خلافا لذلك.
فالاحتقانات السياسية ولدت الصراعات الداخلية وأدت إلى تشكيل حكومات متعاقبة وأي جهد عربي لا يعمل إلا في إطار البعد الدولي المهيمن على الأوضاع السياسية والاقتصادية وجهة الاتهام الأول في تغذية الأحداث الجارية لأن جذر المشكلة كما أشرنا في غياب الدولة الوطنية عدم والاستقلال الوطني .