زيد البصيرة
لطف لطف قشاشة
الوقوف على مشارف الثورة الزيدية التي أطلقها الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأحيا بها ما اندثر من منهاج جده المصطفى المرتكز على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخروج على الظالمين ومباينتهم بعد ستة عقود من ثورة الحسين بن علي تعني لنا كموحدين مؤمنين بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا ومنهجا أن نوقن بحتمية الصراع بين الحق والباطل الذي لن يتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها وحينها تجتمع الأشهاد بين يدي مالك يوم الدين لتتجلى لهم الحقيقة بصوابية منهج مقاومة الطغاة والمتجبرين في الدنيا ليستمر منهج الاستخلاف في الأرض منهج العبودية المطلقة لله بعيدا عن مناهج الطغاة والعالين في الأرض الذين يبذلون من الوسائل والمقدرات ما يبذلونه ليطغى على البشرية عبودية البشر للبشر ..
عرف الإمام زيد بن علي بحليف القرآن وفي تاريخ الأمة يعد علما من أعلامها قال الإمام عبدالله بن الحسن العلم بيننا وبين الناس الإمام علي بن أبي طالب والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي شهد بفضله ومكانته القاصي والداني واستمد منه الفقهاء والعلماء العلوم وكان لحاكميه العقل في مدرسته الفكرية والقرآنية الفضل في تحرير الأمة من قيود النص الجامد الذي يعيق حركة التطور في حياة البشرية ولا يدعم حاكمية الدين الخاتم للشأن الإنساني في مختلف المجالات تحت قاعدة الإسلام هو الحل لجميع مشاكل البشرية ..
شخصية الإمام زيد الشهيد الفقيه الثائر هي شخصية المستبصر الواعي التي لم تخرج من مدرسة العترة الطاهرة قرناء القرآن وعدوله التي بأيهم اقتدت الأمة اهتدت لذلك مثلت ثورته على الأمويين صفحة من صفحات أعادت الأمة إلى المسلك الصحيح وبالأخص عندما ذهبت الأسرة الأموية إلى تغيير مفاهيم الدين الخاتم المبنية على الخير والعدل وزادت هذه الأسرة الخبيثة في زمن أحول بني أمية هشام بن عبدالملك تقريب اليهود والنصارى إلى مراكز القرار الأول في الدولة بعد أن حرفت الأمة في نظام الحكم إلى الملك العضوض وبعد أن استأثر الملوك بثروة المسلمين ينفقونها كيفما شاءوا ومتى ما شاءوا ولمن شاءوا وبعد أن جعلوا من ذواتهم ظل الله في الأرض في ثقافة بيزنطية مخجلة ..
الإمام زيد حليف القرآن أقسم أنه لن يسكت لأن القرآن لن يدعه يسكت ..
الإمام الشهيد سلام الله عليه لم يسكت طيلة حياته وصدع بالحق صغيرا وشابا وشيخا فبعد أن عاش مع القرآن يتدبره لمدة طويلة بدأ بنشر مفاهيم آياته في تفسير غريب القرآن وصنف الصفوة والمسند وغيرها الكثير الكثير فاستفادت الأمة من صوته بالعلم النافع المحرك الدافع للعالم إلى النهوض بمسؤولياته وخاصم علماء السوء والسلطة وحاججهم وعاب عليهم عدم تحركهم في خدمة الأمة وركونهم إلى الدعة والسكوت وبعد أن استنفد كل وسائل النصح والإرشاد والتوضيح نهض بمسؤوليته الكبرى قاد ثورته ضد التوغل اليهودي في القرار والشأن الإسلامي وضد الجور والظلم فخرج خروجا ضاهى خروج جده النبي يوم بدر وجيش الجيوش وأعد العدة ولما تلاقى الجمعان وفي شدة الموقف لم يكن ليدع العاطفة والهمجية والعصبية لتسود معسكره فصاح في جنده صيحة أصبحت منهاجا للسائرين في درب الحق وقال ( البصيرة البصيرة ثم القتال ) هنا كانت العلامة المميزة للإمام الشهيد زيد بن علي بأن القوم ربما تأخذهم رغبات وأهواء في القتال إلى جانبه رغم أحقيته بحمل راية الحق إلا أنه ينظر لقداسة المهمة قداسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ثمنها رضوان الله فمن غير المعقول أن تنال الرضوان بلا بصيرة ..
اليوم تعود الذكرى ونحن نئن من جور الطغاة والمستكبرين والعالين في الأرض الذين يحملون راية الشر البشري برمته ويعيثون في الأرض فسادا وطغيانا فمن الواجب أن نحيي ثورة الإمام الشهيد بكل تفاصيلها وقيمها مستمدين من سيرته واستشهاده دروس التضحية والفداء بمنهجية المستبصرين التي جسدها عليه السلام قولا وفعلا حتى نال كرامة الشهادة وكرامة الدارين ..
فسلام الله على إمام المستبصرين وحليف الذكر المبين صاحب المدرسة الأعظم مدرسة الخروج على الظالمين ..
والعاقبة للمتقين.