عواصم/وكالات
ما الغاية من الالتفاف على القضية الفلسطينية بعد كل ما جرى، وهل يمكن تجميل الخيانة التي قام بها حكام الإمارات بحق الفلسطينيين من خلال محاولة شراء صمتهم وتقديم وعود وضغوط وترغيب وترهيب واستقبال شخصيات من هنا وهناك وأجراء لقاءات مع الجالية الفلسطينية لاخبارهم بأنهم يدافعون عن القضية الفلسطينية وهي تمثل أولوية بالنسبة لهم، ولا يمكن ان يخونوا هذه القضية المركزية، السؤال هو: هل هناك حاجة للإمارات أن تقدم كل هذه المبررات لطالما أنها فعلا تدافع عن الفلسطينيين وعن قضيتهم؟ وهل أدركت خطورة ما قامت به لخلق هذه المبررات وأن المستقبل لن يكون لها وأن ما قامت به سيكون مشرقاً بالنسبة لها لفترة مؤقتة ومحدودة وسيكلف أبناء الإمارات الكثير في المستقبل، خاصة إذا عرفنا أن الإمارات لم تحظ بأي ربح أو فائدة من الصفقة التي عقدتها مع العدو الإسرائيلي؟.
ما إن حطّت طائرة “العال” الإسرائيلية في وقت سابق من الاثنين الماضيس، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ناقلة وفداً أمريكياً إسرائيلياً، في أول رحلة تجارية بين البلدين، أتت في إطار الاتفاق الثلاثي المشترك الذي أعلن عنه في 13 أغسطس، وخارطة الطريق نحو تدشين التعاون بين دولة الإمارات وإسرائيل، حتى أكد ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد أن بلاده اتخذت هذا القرار لصالح السلام.
وأضاف أن السلام خيار استراتيجي لكن ليس على حساب قضية فلسطين، وقال ولي عهد أبوظبي في بيان قرأه وزير الخارجية مخاطبا الجالية الفلسطينية في الإمارات إن اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل قرار سيادي في مصلحة السلام، جاء ذلك في كلمة للشيخ محمد بن زايد على قناة العربية الإخبارية.
ثم تابع في كلمة له وجهها للجالية الفلسطينية، إن الإمارات هي بلدهم الثاني، مشدداً على تمسّك بلاده بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
الجميع يعرف ان ما قامت به الإمارات يصنف خيانة بجميع المعايير والمقاييس والشعوب العربية رافضة لأي شكل من اشكال التطبيع، حتى ان الإمارات ليست موافقة بأبنائها على ما جرى، وهناك أخبار موثوقة تفيد بأن أمراء الفجيرة والشارقة وغيرها من الإمارات غير راضيين عما يقوم به حكام دبي، حتى ان بقية أبناء محمد بن راشد آل مكتوم غير راضين عن الالتفاف على القضية الفلسطينية.
الإمارات ادعت أن اتفاق السلام الذي عقدته مع إسرائيل، سيكون لصالح الفلسطينيين وسيوقف إسرائيل عن ضم أجزاء من الضفة الغربية ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي كذّب الإماراتيين وقال ان الاتفاقية لا تضم أي بند عن هذا الموضوع وأكد أن ضم أجزاء من الضفة الغربية سيتم ولكن في الوقت المناسب، وحاليا تم تأجيله فقط، ومن المرجح انه في حال نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة، أن يقدم نتنياهو على هذه الخطوة.
لاشك بأن محمد بن زايد يريد تثبيت موقعه في الإمارات، خاصة بعد أن فشلت مشاريعه الاقتصادية في الآونة الاخيرة وشهدت الإمارات غياب الاستثمارات وما فعله ابن زايد هو محاولة لتقديم جرعة للإمارات من خلال عقد صفقات اقتصادية مع الإسرائيليين لضبط عجلة الاقتصاد ومحو آثار كورونا على اقتصاد الإمارات.
أهداف الإمارات المستقبلية في المنطقة وخفايا سياستها الحالية
1 – في السنوات الماضية كان لافتا خروج الإمارات من دائرة الاقتصاد ودخولها الى عالم السياسية والعسكرة، ربما لأن الاستثمارات في الإمارات لم تعد كما كانت في السابق، وبالتالي بدأوا يبحثون عن طرق جديدة للحفاظ على اقتصادهم متماسكاً في ظل الفوضى التي تعيشها المنطقة، ولاشك بأن الإمارات استغلت هذه الفوضى وركبت موجتها وكانت البداية من اليمن، حيث تمكنت الإمارات من السيطرة على اهم المرافئ هناك بينما السعودية لا تزال تتخبط ولا تعلم كيف بإمكانها الخروج من هذه الفوضى التي صنعتها بنفسها، واليوم أيضا تتجه الإمارات أو بالأحرى اتجهت نحو ليبيا لتحصل على حصة جديدة من الموانئ هناك لتتمكن من ربط أهم موانئ الشرق ببعضها البعض، ابتداءً من الخليج مرورا بالبحر الأحمر وصولا إلى البحر المتوسط.
2 – الواضح أيضا ان الإمارات قسمت السياسة والاقتصاد بين كل من ابوظبي ودبي، فبينما تحرص الأولى على بناء علاقات سياسية واستراتيجية في المنطقة للحفاظ على مكانة الإمارات في حال لم تتمكن دبي من الحفاظ على مكانتها الاقتصادية أو تعرضت لنكسة معينة، في المقابل إذا ما تعرضت السياسة الإماراتية لضربة قاصمة قد ينقذها اقتصاد دبي والاستثمارات المتواجدة هناك للسعي لإعادتها إلى مكانتها السابقة.
3 – الإمارات كانت تتجنب ان تكون في واجهة التحولات أو التغيرات التي تطرأ على المنطقة لكي لا يتأثر اقتصادها خاصة في حال خسرت المعركة العسكرية، لذلك كانت تحتمي دائما خلف هذه الدولة أو تلك الدولة كما فعلت مع السعودية في اليمن، حيث استطاعت الإمارات ان تشكل مليشيات خاصة بها لحماية مصالحها في جنوب اليمن، لدرجة انها تمكنت من تضييق الخناق على حلفاء السعودية الذين هم من أدخلوها إلى اليمن.
4 – النقطة الملفتة للنظر في توجهات أبو ظبي تتمثل في علاقاتها السابقة المشكوكة مع “إسرائيل” وكيف بدأت بتحويل هذه العلاقات من السر الى العلن عبر التطبيع الذي أقدمت عليه مؤخرا.
في الحقيقة الإمارات وإسرائيل لم تتمكنا من ان تلعبا دورا مهما في سياسة المنطقة بشكل مباشر وانما كانتا دائما تتستران خلف دول كبرى وأخرى اقليمية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، وبالتالي فإن رغبة الطرفين لدخول اتون التأثير المباشر في المنطقة بدأت تنضج خاصة بعد ان خفت بريق الكثير من الدول الاقليمية، وأمريكا لم تعد أمريكا السابق، وبالتالي بدأ الطرفان بالبحث عن مكانة لهما وسط هذه الفوضى، ونظرا لكون الجانبين ليس لديهما تاريخ قوي في المنطقة، اتجها نحو التحالف سويا ليقوم كل طرف بتغطية ثغرات الطرف الثاني.