لماذا يسعى أعداء الأمة لطمس مبدأ الولاية ؟
سعاد الشامي
بطبيعة الصراع البشري بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وعبر مسارات العداء يسعى العدو دائما إلى البحث عن عناصر القوة التي يتحلى بها خصمه؛ فيكون لها بالمرصاد، فيسعى جاهداً للقضاء عليها والتخلص منها بكل الطرق والأساليب.
مشكلة المسلمين أنهم جهلوا أمور دينهم وعناصر قوتهم، بينما كان أعداؤهم أكثر إدراكاً وفهماً لحقائق تلك الأمور؛ فاستطاعوا من خلالها أن يحققوا كافة أهدافهم وطموحاتهم في إذلال هذه الأمة وفصلها عن مصادر الهداية، والاستيلاء على كل خيراتها وثرواتها بكل سهولة وبدون وجود أي ممانعة تعيقهم عن مواصلة تلك الممارسات.
كان النبي الأعظم صلوات ربي عليه وعلى آله -وهو الذي لا ينطق عن الهوى- قد أوضح لهذه الأمة عناصر قوتها في حديث الثقلين حيث قال ( إني تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا :كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ) وفي رواية أخرى ( لن تضلوا ولن تذلوا من بعدي أبدا ) ، فالذل والضلال أخطر الأشياء التي تهدد هذه الأمة والتي يسعى الأعداء إلى ترسيخها في واقع المسلمين، وبالتالي لن يُحصّن الأمةَ ويضمن لها النجاة من واقع الذل والضلال إلا عنصرا القوة والحماية اللذان تم تحديدهما من قبل نبي هذه الأمة وهما كتاب الله وعترة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله .
أكد النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله أن هذين العنصرين لا يفترقان فكلاهما مكمل للآخر؛ ولأن في افتراقهما افتراق الأمة بأكملها، وتشتتها وضياعها، وفي بقائهما معا بقاء الأمة وعزتها وكرامتها سعى أعداء الأمة إلى التفريق بينهما عن طريق محاولة إقصاء عنصر الثقل الأصغر “العترة” لأن الثقل الأكبر وهو “كتاب الله ” محفوظ من الله ولن يستطيع الأعداءُ تغييره أو تبديله ولكن يمكن تعطيله بإقصاء من يحملونه من أعلام الهدى؛ ولهذا صبَّ الأعداءُ كل خططهم ومؤامرتهم في قوالب محاربة هذا العنصر المهم من عناصر القوة وعلى رأسه استهداف ولاية الإمام علي عليه السلام؛ والتي تتعبر تتويجا لدين الله الكامل لأنها؛ ولاية مطلقة لا محصورة، وولاية شاملة لا جزئية، وحيث أن الإمام علي عليه السلام لم يكن بحاجة إليها ولكن الأمة هي التي كانت ومازالت في أمس الحاجة إليها لضمان السير في دروب الهداية والكرامة والغلبة .
ويدرك الأعداء جيدا أن مبدأ الولاية هو الذي سيربط المسلمين بعترة رسول الله؛ وبالتالي فهذه العترة هي من ستربط المسلمين بكتاب الله كمنهج هداية ودستور حياة، وإذا ما تم هذا الارتباط الوثيق ستنقلب موازين الأمور وستتغير المعادلات القائمة، وسيصبح المسلمون هم الغالبون وأعداؤهم هم الصاغرون، وهذا ما يخافه الأعداء؛ لذلك قاموا باستهداف هذا المبدأ في مضمونه ومبادئه ورجاله، وحاربوه فكريا ودينيا وعسكريا عن طريق وضع الأحاديث المكذوبة وتحريف مفهوم حديث الولاية في واقعة غدير خم، والذي يعد من أصح الأحاديث المروية والمجمع على صحتها؛ حيث لا حديث أصح منه على الإطلاق، وبما أنه كذلك من حيث الصحة والتأكيد والشهرة؛ فليس بالإمكان إنكاره؛ لكنهم حاولوا تحريف معنى الولاية من مفهومها الصحيح : النصرة والاقتداء والاتباع والتسليم.. إلى معان أخرى زائفة فأولوا (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) إلى مفهوم المحبة والعاطفة؛ بعيدا عن التطبيق العملي الذي أراده الله ورسوله من هذا البلاغ الإلهي، إلى جانب هذا قاموا بنشر الثقافات المغلوطة، وخداع الأمة بروايات بشرية زائفة وفاشلة وتقديمها كبدائل عن الولاية، وعبر ممارسة أساليب القتل والتشريد والتهجير والتنكيل بكل من حمل هذا المبدأ المقدس، ابتداء من الأمام علي عليه السلام حتى آخر طفل يمني تقتله اليوم صواريخ الأعداء ظلما وغدرا.
ومن هذا المنطلق كان لزاماً علينا إحياء مناسبة الغدير ونشر قيمها وثقافتها، وتعريف الناس بمبدأ الولاية لله ورسوله ومن أمرنا الله بتوليهم واتباعهم من آل بيت النبوة؛ كامتداد طبيعي للرسالة المحمدية وكقرناء للقرآن يحددون معالمه ويوضحون مبهمة ويسيرون وفق حدوده وتشريعاته… فهذا المبدأ مبدأ الولاء لأولياء الله والبراءة من أعدائهم هو النهج القويم الذي يضمن للأمة قوتها وعزتها وانتصارها.