تواصل أمطار الخير على اليمن وتسجيل معدلات هطول هي الأعلى منذ 8 أعوام
«اليمن على موعد مع عام النهوض والتحول»
خبراء مناخ وفلكيون : الحالة الماطرة ستستمر حتى منتصف أغسطس
تشهد اليمن هطول أمطار غزيرة منذ ثلاثة أسابيع ، وقد هطلت على أغلب المحافظات اليمنية أمطار غزيرة لأول مرة منذ ثمانية أعوام، حسب مراقبين فلكيين ، وقد أدى استمرار هطول الأمطار على الأمانة والمحافظات إلى ارتفاع مناسيب المياه في الوديان والحواجز ومجاري المياه ، كما فاضت السدود والحواجز المائية بكميات كبيرة من المياه المتدفقة جراء استمرار الأمطار ، حيث فاض سد مارب لأول مرة منذ بنائه ، بعد امتلائه بالمياه المتدفقة إلى بحيرة السد، ولله الحمد والمنة.
وتشهد بلادنا حاليا؛ حالة ماطرة غطت معظم المحافظات ما بين خفيفة إلى غزيرة ، ووصلت في بعض المناطق إلى شديدة الغزارة ، وتسببت في العديد من الضحايا والأضرار بالممتلكات والبنى التحتية ، ومن المتوقع أن تستمر الحالة الماطرة في معظم المناطق اليمنية ، التي تشهد أمطارا رعدية متفرقة مصحوبة برياح هابطة ، ويكون الهطول متفاوت الشدة ويصاحبه تدفق السيول في الأودية والمنخفضات ، وقد تكون الأمطار شديدة الغزارة على عدة مناطق ، ومن خلال مناطق الهطول فإن الحالة الجوية تؤثر على كامل اليمن من شرقه الى غربه ، من المهرة إلى الحديدة.
الثورة /
وفيما تتواصل الأمطار الغزيرة حيث شهدت المحافظات اليمنية خلال الثلاثة الأسابيع الماضية هطولا متواصلا ليلا ونهارا ، وغطت معظم محافظات الجمهورية ، يقدر الخبير الفلكي اليمني محمد عياش أن كميات الأمطار التي شهدتها اليمن خلال الأسابيع الثلاثة منذ منتصف يوليو الماضي، تعادل ما يهطل على اليمن في عام كامل ، متوقعا أن تستمر الحالة الماطرة حتى منتصف أغسطس.
وقال محمد عياش: «مع استمرار فعالية الحالة الماطرة على اليمن ، يصل المعدل التراكمي لكميات الأمطار الهاطلة نسبة معدلاتها الطبيعية لعام كامل في 3 أسابيع فقط، وهذه حالة نادرة لم نُعاصرها من قبل» ، ويشير إلى أن فرص هطول الأمطار الرعدية والمتفاوتة الشدة ستظل قائمة على أغلب المحافظات اليمنية وخاصةً الغربية حتى نهاية الثُلث الأول من شهر أغسطس الحالي ـ كحالة جوية متصلة ـ ويأتي ذلك بالتزامن مع أيام معلم نجم «سهيل» المطير الذي بدأ من 1 إلى 13 أغسطس.
وبحسب المركز الوطني للأرصاد الجوية في صنعاء فإن الأمطار ستستمر في الهطول بغزارة على العاصمة صنعاء وعلى المحافظات خلال الأربع والعشرين الساعة القادمة ، نتيجة استمرار تدفق السحب الرعدية .
وأشار المركز الوطني للأرصاد في نشرته أمس إلى أن حالة عدم الاستقرار الجوي ستستمر ، متوقعا استمرار هطول الأمطار بغزارة على معظم محافظات اليمن مصحوبة برياح وعواصف رعدية شديدة على مناطق واسعة من سلسلة المرتفعات الجبلية الغربية من صعدة شمالاً وحتى تعز ولحج جنوباً وتمتد إلى الهضاب الداخلية شرقاً ، وكذا المناطق الساحلية الجنوبية والشرقية والمناطق الداخلية المحاذية لها، إضافة إلى المناطق الصحراوية في حضرموت وشبوة ومارب والجوف، وأرخبيل سقطرى.
يذكر أن اليمن شهدت خلال الأعوام الماضية أمطارا موسمية متفاوتة ، ووفق تقديرات فإن خلال السنوات الثمان الماضية شهدت اليمن انحسارا في كمية الأمطار ، مما أثر على الإنتاج الزراعي والحيواني في البلاد ، فضلا عن انه أدى إلى صعوبة الحصول على المياه ، في كثير من المناطق النائية التي تعتمد على مياه الآبار والغيول السطحية.
أضرار وخسائر
تسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت على عدد من محافظات اليمن بخسائر مادية وبشرية كبيرة في ظل تهالك البنية التحتية بسبب العدوان والوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد تحت وطأة الحصار الظالم ، وتفاقم الحالة المعيشية للمواطنين.
وقد أدت الأمطار الغزيرة الهاطلة على معظم محافظات الجمهورية اليمنية والمتواصلة منذ ثلاثة أسابيع ، إلى حدوث خسائر بشرية في محافظات مارب وصنعاء والحديدة وصعدة والمحويت ، حيث سجلت حالات وفاة لمواطنين جرفتهم السيول ، وآخرين ماتوا جراء تهدم المنازل ، كما تسببت في أضرار مادية شملت انهيار وتشقق عشرات المنازل في عدة مناطق بعدد من المحافظات, بالإضافة إلى حدوث انهيارات جبلية مرافقة في عدد من الطرقات الرئيسية ، الأمر الذي أدى إلى حدوث ارتباك في حركة السير ، خاصة في العاصمة صنعاء ، وكذا في الطرق الرئيسية الرابطة بين المحافظات ، وأحدثت خسائر مادية وبشرية في الممتلكات والأرواح.
وتضرر عدد من المنازل إثر انهيار سد الرونة في حباب بمحافظة عمران، إذ انفجر الحاجز الترابي جراء التدفق الكبير للسيول خلال الأيام الأخيرة ، وبحسب المعلومات فإن السد انفجر بعد أن بدأت المياه بالتدفق من حاجز السد، الأمر الذي أدى إلى انهيار الحاجز بعد أن فاض بالمياه جراء التدفق الكبير للسيول.
وأظهرت الصور انفجار السد ولحظات تدفق السيول القادمة من السد نحو مدينة عمران، كما أظهرت الصور لحظات غمر المدينة بالمياه، حيث تسببت بقطع الكثير من الطرقات ، وأحدثت أضرارا كبيرة في المزارع وبعض المنازل المحيطة بمدينة عمران.
وأثار سقوط الأمطار ردود فعل متباينة بين سكان المدن والأرياف ، ففي وقت أعرب فيه الفلاحون والمزارعون عن سرورهم لسقوط الأمطار باستمرار ، مما سيؤدي إلى تنشيط الزراعة والقضاء على الجفاف الذي تعرضت له اليمن، يبدي سكان المدن وبالذات في أمانة العاصمة قلقهم من أن كثرة الأمطار ستؤدي إلى انهيار المنازل وتهدم الشوارع والطرقات ، إضافة إلى أن انسداد مجاري المياه المتكرر في أمانة العاصمة سيؤدي إلى انتشار الأمراض.
وتضررت مدينة صنعاء القديمة جراء السيول والأمطار الغزيرة التي هطلت على أمانة العاصمة ، وسقط سور المدينة الجنوبي جزئيا كما انهار مبنى قديم داخل المدينة ، في وقت طالبت الهيئة الوطنية للحفاظ على المدن التاريخية بتدخلات عاجلة لإنقاذ مدينة صنعاء التي تعد إرثا إنسانيا، داعية المنظمات والهيئات الأممية إلى القيام بدورها في الحفاظ على المدينة المهددة ، وأشارت إلى أن معظم مباني صنعاء القديمة بحاجة عاجلة إلى صيانة ومعالجات للأضرار التي لحقت بها.
نهضة زراعية وتحول اقتصادي
تعتمد اليمن في الزراعة على الأمطار ، وقد شهد العام الحالي ارتفاعا ملحوظا في مستوى الإنتاج المحلي في مختلف المحاصيل الزراعية والنقدية ، سيؤدي بالتأكيد إلى خفض فاتورة الاستهلاك وبرغم الصعوبات التي تواجه المزارعين، إلا أن ارتفاع الإنتاج وفق تقديرات وصل إلى أكثر من عشرين في المائة من حجم الاستهلاك الكلي لليمن ، ولعل كثافة الأمطار ستضيف لهذا التحول الاقتصادي مضافات جديدة ، ولعل فيضان سد مارب لأول مرة منذ بنائه مؤشر على مستوى التحول الذي تمر به اليمن.
اليمن بلد زراعي خصيب ، لكنه يستورد سنويا بما يعادل 5 مليارات دولار أغذية وملابس ، والرقم كبير مقارنة بالفرص الموجودة ، وقد كان للتدخلات الخارجية والاتفاقيات التي وقعها النظام أثر في تحويل اليمن إلى مساحات غير مزروعة .
ينتظر اليمنيون الأمطار في موسميها للاستفادة منها في ري المحاصيل الزراعية كون اليمن يقع ضمن حزام المناطق الجافة وشبه الجافة ويتميز بندرة موارده المائية بصفة عامة، وعدم كفاية موارده السطحية .. وتعتمد معظم المساحات المزروعة فيها على الري بمياه الأمطار رغم شحتها في السنوات الخمس المنصرمة .. الأمر الذي دفع الحكومة للتوسع في إنشاء السدود والحواجز المائية لحصاد أكبر قدر من مياه الأمطار للاستفادة منها في ري الأراضي الزراعية وتغذية أحواض المياه السطحية والجوفية التي تواجه عدد من المناطق اليمنية مخاطر نضوبها جراء الاستنزاف الجائر الذي يذهب معظمة لري المحاصيل الزراعية.
والسدود والحواجز هي إحدى المرتكزات التي قامت عليها الحضارات اليمنية القديمة والتي أدركها الإنسان اليمني بذكائه الفطري منذ فجر التاريخ الإنساني وكان أشهر ما شيده سد مأرب وصهاريج عدن التاريخية، وذلك بغية حجز أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار لتلبية احتياجاته للزراعة نظرا لطبية اليمنية الجغرافية الجبلية والتي لم تثنه أيضا عن نحت مدرجات زراعية على تلك الجبال .
وتشكل الزراعة وصيد الأسماك نسبة تتراوح ما بين (15-20) % من الناتج المحلي الإجمالي, وبينما تمثل المساحة الصالحة للزراعة 3% من إجمالي مساحة الجمهورية اليمنية فإن المساحة المزروعة فعلاً تمثل ( 85ر71) % فقط من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة.
فرص مهدرة
تسببت الأمطار الغزيرة في حدوث أضرار كبيرة في الطرقات والشوارع والجسور والمنازل وغيرها ، كما أن ارتفاع منسوب المياه في الحواجز والسدود خلق مخاطر كبيرة، إذ أن الحواجز الموجودة في اليمن كلها تعاني من تهالكها جراء التنفيذ الخاطئ والفساد الذي شاب عملية بناء الكثير من المشاريع خلال الفترات الماضية ، إضافة إلى التهالك بفعل عدم صيانتها من قبل الجهات المعنية حاليا.
ففيما يفتح هطول الأمطار الغزيرة فرصا عديدة خصوصا في حل مشكلة الموارد المائية التي تعاني منها اليمن ، ويضيف هذا الموسم كميات كبيرة من المياه، غير أن المياه التي يزداد منسوبها تخلق مخاطر عديدة ..الفلكي محمد عياش قال “يجب على الجهات المعنية النزول الميداني في أقرب وقت ممكن وتفقد أحوال السدود والحواجز المائية ، ومدى قُدرتها الاستيعابية والتأكد من سلامتها من أي تصدعات، وخاصةً تلك التي أصبحت ممتلئة ، مع تواصل هطول الأمطار الغزيرة خلال هذه الفترة».
أمطار لا يستفاد منها
وفي الوقت الذي تهطل فيه الأمطار بغزارة على معظم المحافظات وكان يفترض تفادي أضرارها والاستفادة منها سواء بزراعة محاصيل شتوية وحجز الكثير من مياهها للاستفادة منها في المواسم غير الممطرة يرى خبراء أن نسبة الاستفادة من هذه الأمطار محدودة جدة نظرا لكون جميع المزارعين لا يتوقعون هطولها في هذا الفصل، فضلا عن أن معظم المحافظات لا تزرع فيها إلا المحاصيل الصيفية.
وفي العادة تسقط الأمطار في اليمن في موسمين الأول خلال فصل الربيع ( مارس – أبريل)، والثاني في الصيف ( يوليو – أغسطس ) وهو موسم أكثر مطراً من فصل الربيع وتتباين كمية الأمطار الساقطة على اليمن تبايناً مكانياً واسعاً فأعلى كمية تساقط سنوي تكون في المرتفعات الجنوبية الغربية كما في مناطق “إب وتعز والضالع ويريم” حيث تتراوح كمية الأمطار الساقطة ما بين 600 -1500 مم سنوياً، وتقل كمية الأمطار الساقطة في السهل الساحلي الغربي كما هو في الحديدة والمخا بالرغم من تعرضها للرياح الموسمية الجنوبية الغربية القادمة من المحيط الهندي العابرة البحر الأحمر نتيجة لعدم وجود عامل رفع لهذه الرياح الرطبة، إلا أن متوسط المطر السنوي يزداد مع الارتفاع من 50 مم على الساحل إلى نحو1000مم على سفوح الجبال المواجهة إلى البحر الأحمر.
ولا يختلف الأمر في السواحل الجنوبية والشرقية للبلاد عن السواحل الغربية من حيث كمية الأمطار التي تبلغ نحو 50 مم سنوياً كما في عدن والفيوش والكود والريان ويرجع سبب ذلك إلى عدة عوامل أهمها أن الرياح الرطبة تسير بمحاذاة الساحل دون التوغل إلى الداخل, لذا فإن تأثيرها يكون قليلا جداً وبالتالي فإن الأمطار الساقطة ليست ذات أهمية اقتصادية تُذكر.
تحذيرات
ومع توقعات المركز الوطني للأرصاد الجوية باستمرار الحالة الماطرة يجدد خبراء تحذيراتهم من مخاطر تشكل السيول الجارفة ، ويدعون إلى توخي الحيطة والحذر دائماً مع هكذا ظروف جوية ، وإلى عدم العبور أو التواجد في بطون الأوديةِ والشعاب، وكذا الابتعاد عن الأماكن ذات المنسوب المنخفض والتي تتجمع وتتدفق إليها السيول أثناء هطول الأمطار الغزيرة ، كما أن على الأخوة السائقين الانتباه والحذر الشديد عند قيادة مركباتهم سواءً داخل المدن أو خارجها وخاصةً مع تزايد حركة التنقل والسفر خلال إجازة عيد الأضحى، وفي ظِل استمرار الأمطار تتزايد خطورة السفر خاصة من وقت الظهيرة إلى منتصف الليل ، حيث تزيد احتمالية حدوث بعض الانهيارات الصخرية والطينية على جوانب الطرق في المُنعطفات والمنحدرات الجبلية الحادة، وكذا تشكل قِطع السحب المنخفضة وانتشار الضباب الكثيف على سفوح الجبال وتدني مستوى الرؤية الأفقية معها.