منذ وقت مبكر من ظهورها على الخارطة العالمية – كواحدة من المنظومة الدولية – اتسم سلوك الولايات المتحدة الأمريكية بالعدائية والنزوع إلى تدمير كل شيء أمامها من بشر أو حجر سعيا لتصدر المشهد العالمي كقوة عظمى وقوة وحيدة بمقدورها التحكم بمصائر الشعوب.
وفق كل التحليلات كان طموحا تدميريا ذاك الذي تملّك أمريكا وجعلها تمضي في اتجاه تحقيقه على القاعدة المكيافلية الشهيرة “الغاية تبرر الوسيلة”، ولذلك كل شيء كان لديهم مبرراً فقتلوا ودمروا وارهبوا بلا وازع، بلا ضمير ثم نصّبوا أنفسهم حماة لقيم والحق والخير والسلام.
ذلك ما يمكن استخلاصه من المسار التاريخي لظهور وبروز أمريكا، وإذا ما استثنينا تلك الممارسات الإقصائية للسكان الأصليين للأرض الأمريكية والذي ربما تجد من يخوض معك جدلا في هذا الأمر من نوع إن الأرض كانت بحاجة لمن يعمرها وان الحكومة الأمريكية اجتهدت بعد ذلك في استيعاب هؤلاء السكان، و… إلى آخر. فإنه من المحطة الأولى التي شكلت ربما البداية الحقيقية للتمرد الأمريكي على كل القيم ولربما هي التي مثّلت الفرصة السانحة لأمريكا لتحقيق أهدافها.. تظهر النزعة الدموية للسلوك الأمريكي، بدأ الأمر في الحرب العالمية الثانية ثم في الحرب الفيتنامية، ليس ذلك وحسب وإنما خاضت أمريكا حروبا ارتكبت خلالها ما يندرج تحت قوانين المحكمة الجنائية الدولية واتفاقيات جنيف وقوانين الحرب الموجودة في القانون الدولي، كانتهاكات وجرائم حرب.
يذكر التاريخ ذلك والكثير منها موثقة لدى البنتاجون الأمريكي نفسه، من الحرب الكورية إلى الحرب الفيتنامية وافغانستان والعراق وقصف دول دون أي غطاء شرعي.
هنا رصد لبعض هذه الجرائم التي يجعل أمريكا الأولى، كما هي في السلاح وادعاء الحقوق المدنية، في انتهاك حقوق الإنسان.الثورة / أعد الملف/ وديع العبسي
في الألفية الثالثة
مسلسل العنف والعبث بالمواثيق الأممية بل وحتى بتعاليم كل الأديان لم يقف عند تلك العقود الماضية إذ تزال أمريكا مستمرة على نهجها، مطورة في كل مرة من أساليبها في تأكيد نزعتها لفرض هيمنتها على الأمم والشعوب.
اليوم لا تزال أمريكا تمارس طقوس البلطجة بما ينذر بوبال ربما يقع عليها من نقمة هذه الأمم والشعوب وهو ما يتجلى ربما في النقد المتواتر الذي بدأت تتلقاه من عديد دول حول العالم.
يقول الكاتب المصري عبدالحليم قنديل “أما أننا أمام بلطجة أمريكية، فهذا من المعلوم بالضرورة، وقد كانت السياسة الأمريكية دائما كذلك، تستخدم فوائض القوة الخشنة لتحقيق مصالحها، وبدون مبالاة تذكر، بدواعي الشرعية الدولية، ولا بقواعد السلوك الأخلاقي.”
الشواهد المعاصرة على انتهاكات أمريكا بما يضاف إلى سجلها الأسود كثيرة ومتعددة، وتمثل سقوطا أخلاقيا لها.
في موضوع كتبه تحت عنوان ” بلطجة أمريكية دولية” يقول المحلل السياسي الأردني خالد الزبيدي: انهيار منظومة الأخلاق التي لطالما تبجحت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة سقطت سقوطا مدويا عندما نفذت جرائم حرب بحق المدنيين والأسرى العراقيين خلال فترة احتلال العراق في نيسان من العام 2003، وعمليات الإبادة الجماعية التي نفذتها في الفالوجة باستخدام أسلحة محرمة دوليا، وممارسة التعذيب للعراقيين في سجن أبو غريب، وتفاخر جنود أمريكيون بقتل العراقيين العزل، وهذه الممارسات لا يمكن التنصل منها في عالم يعيش في ظل ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات، وكانت هذه الجرائم لا تساوي مجرد اعتذار من قبل القوات الغازية التي قطعت 13 الف ميل محملة بالعتاد والأسلحة الفتاكة باسم الحرية والديمقراطية والمساواة وكانت النتائج تدمير الموارد وتعطيل التنمية، وتشويه مستقبل الأجيال القادمة.
ويقرّ تشارلز بارون – وهو عضو مجلس ولاية نيويورك الأمريكية – بان أمريكا تستخدم العنف في حروبها الإمبريالية.
ولفت بارون البالغ من العمر 69 عامًا، إلى أن “الولايات المتحدة تستخدم العنف في الحروب الإمبريالية التي تشنها خارج الحدود وضد الناشطين في الحركات السلمية أو حركات الدفاع عن حقوق الإنسان داخل البلاد”.
فضائع أمريكا في الحرب العالمية الثانية
توثق الإصدارات الراصدة لمجريات الحروب، المسار الدموي لأمريكا وهو مسار تجاوز كل الأعراف، يشهد على ذلك القصف الجوي على المدن حيث استخدم الحلفاء ودول المحور القصف الجوي على المدن والمدنيين طريقاً للانتصار في الحرب مما خلف حوالي 2.5 مليون قتيل مدني قُتلوا تحت القصف الجوي الأمريكي والبريطاني.. مثال ذلك: قصف مدينة دريسدن الذي خلف 25 ألف قتيل وبرلين الذي خلف 800 ألف قتيل بألمانيا، قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي باليابان حيث تم قصف المدينتين بقنبلتين نوويتين لإرغام دول المحور على الاستسلام، قتل أسرى الحرب كما حدث في مجزرة كانيكاتي بإيطاليا على يد العقيد جوزيف مكافري، مجزرة داتشاوي في ألمانيا، مجزرة بيسكاري بإيطاليا، عملية “teardrop” حيث تم قتل 8 بحارة ألمان بعد القبض عليهم وكانوا قد نجوا من غرق سفينة ألمانية، مجزرة أودوفيل-لا-هوبيرت بفرنسا، وقتل فيها 80 جندياً ألماني أسرى، مجزرة ساحل أوماها بفرنسا حيث تم قتل 64 ألمانياً أسرى وهناك العديد من جرائم الحرب في قتل الأسرى وقعت في ألمانيا واليابان لم يتم التحقق فيها وقد أكدها باحثون مثل كتاب “يوم المعركة” لريك أتكينسون، وكتاب “معركة نروماندي دي-داي” لأنتوني بيفر.
والى ذلك ايضا تشهد المصادر بحالات اغتصاب للنساء مارستها القوات الأمريكية بعد معركة أوكيناوا باليابان سنة 1945، وهناك 1336 حالة اغتصاب تم التبليغ عنها في العشرة الأيام الأولى لاحتلال ولاية كاناجاوا بعد استسلام اليابانيين فيها.
الوجود الأمريكي الدموي في كوريا، فيتنام ويوغوسلافيا
في الحرب الكورية قامت وحدة برية وطائرات عسكرية أمريكية بقتل ما بين 300 إلى 400 مدني في الأيام ما بين 26 إلى 29 يوليو 1950 أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ في قرية نوجن-ري بكوريا الجنوبية، لم يتم التعرف على أغلب القتلى والمفقودين حتى اليوم، في الحرب الفيتنامية بلغت أعداد جرائم الحرب الموثقة لدى البنتاجون 360 حادثة، ليس من ضمنها مجزرة ماي-لاي، والتي راح ضحيتها 347-504 مدنياً في فيتنام الجنوبية، أغلبهم نساء وأطفال، كشفت وثائق لوزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) أن الولايات المتحدة نظمت انقلابًا داخل قيادة جنوب فيتنام، التي دعمتها واشنطن خلال حرب فيتنام (1955: 1975).
وأفادت الوثائق بأنه عندما أبلغت واشنطن الجيش الفيتنامي عدم رضاها عن رئيس جنوب فيتنام، نغو دينه ديم، نفذ الجيش انقلابًا في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1963، أطاح بالرئيس، وقتله هو وشقيقه، وفي 16 مارس 1968 ومن ضمن جرائم الحرب الأمريكية في فيتنام استخدام الرش الكيماوي لتدمير وحرق وإتلاف البشر والحقول والقرى، مثل الرش البرتقالي والأزرق والأخضر.. مثال لك عملية رانش-هاند والتي وقعت سنة 1962 واستمر تأثيرها حتى 1971، وكانت فيتنام قد قالت سنة 1995 أن عدد القتلى في الحرب بلغ 5 ملايين، 4 ملايين منهم مدنيون عُزّل في حين كان وزير الدفاع حينما ماكنامارا قال في لقاء متلفز لاحقا أن عدد القتلى 3 ملايين 400 ألف، في عام 1999 قصفت طائرات قوات الناتو بدعم أمريكي على يوغوسلافيا خلفت في حدود الـ 5000 قتيل مدني وقد أدانت منظمة العفو الدولية القصف في حين قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الحادثة ليست جريمة حرب وإنما مجرد انتهاك للقوانين الإنسانية الدولية.
الأرض تشهد على المخالب الأمريكية
واحدة من سياسات أمريكا الدموية هو تآمرها واحتلالها وتنفيذها لانقلابات في عديد دول من الاتجاهات الأربعة لكرة الأرضية، الأمر الذي ظهر معه فيما بعد مصطلح “جمهوريات الموز”، وهي الدول غير المستقرة، التي تشهد عادة انقلابات متكررة.
أمريكا اللاتينية وكوبا
يعود أول تدخل لواشنطن في أمريكا اللاتينية إلى 1898، حينما احتلت بورتوريكو و كوبا، اللتين كانتا تحت الاستعمار الإسباني وبعد أربع سنوات أطاحت واشنطن بأول رئيس منتخب لكوبا، توماس أسترادا بلاما، وشكلت حكومة احتلال أدارت البلد حتى 1909.
وفي 1917 أعادت احتلال كوبا، ثم بدأت في 1923 الانسحاب منها على مراحل، وبمرور الوقت، حصلت كوبا على استقلالها، بينما لا تزال بورتوريكو مستعمرة أمريكية.
وفيما كانت لا تزال في كوبا اتجهت الولايات المتحدة للسيطرة على مشروع قناة بنما، الذي تركه الفرنسيون خاملًا، وعندما رفضت كولومبيا، بدأت واشنطن بدعم القوات الانفصالية وكانت أول دولة تعترف ببنما، حينما انفصلت عن كولومبيا في 1903، وفي 1914 تمكنت من إنهاء مشروع القناة، واحتفظت بنفوذ في بنما بفضل الحكومات التي شكلتها، غير إن العداء زاد ضد الولايات المتحدة؛ بسبب القناة التي قسمت البلد إلى قسمين، ولم تحقق أية مكاسب لها.
بنما ونيكاراجوا
في 20 ديسمبر 1989، احتلت امريكا بنما للإطاحة بنورييغا، في عملية شارك فيها ألفان و500 جندي، وانتهت باستسلام نورييغا، وخلفه في السلطة غييرمو اندارا غاليماني.
خلال الفترة (1912 – 1933) امريكا تحتل نيكاراغوا وكان هذا الاحتلال الدموي جزءًا من “حروب الموز”، التي خاضها الجيش الأمريكي بين 1898 و1934، بهدف اكتساب وترسيخ النفوذ وحماية المصالح الأمريكية، والغرض من احتلال نيكاراغوا كان منع الدول الأخرى من بناء قناة نيكاراغوا، لربط البحر الكاريبي بالمحيط الهادي، وخلال الاحتلال انخرطت واشنطن في حرب أهلية اندلعت في هذا البلد عام 1926 بين الحكومة المحافظة والقوات الليبرالية، وإثر هزيمة قوات الحكومة، تدخلت واشنطن عسكريًا في العام التالي، وهزمت القوات الليبرالية، وأسست نظامًا حاكمًا مواليًا لها، ثم غادرت نيكاراجوا عام 1933.
المكسيك وهايتي
خلال الثورة في المكسيك، أرسلت واشنطن قواتها لمحاربة الثوار، دعما لنظام الديكتاتور الجنرال بروفيريو دياز، الذي سيطر على البلد لأكثر من ثلاثين عامًا، وفي 1913، أيدت واشنطن الانقلاب الدموي على ماديرو؛ للحفاظ على نفوذها، وتم تعيين الجنرال فيكتوريانو هويرتا رئيسًا.
عام 1915يحتل الجيش الأمريكي هايتي للحفاظ على مصالح واشنطن الاقتصادية بها، وخلال الاحتلال، لقي آلاف الأشخاص حتفهم، حيث دعمت واشنطن الديكتاتور جان فيلبرون غيوم، ونظام العبودية، كما ساعدت شركات أمريكا الشمالية في مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وفي 1934 انسحبت واشنطن من هايتي، تاركة جيشًا مخلصًا لها، وبعد ستين عامًا، أعادت احتلالها، بزعم “الحفاظ على الديمقراطية”، بعد الإطاحة بنظام جان برتران أريستيد، عبر انقلاب، انتهى هذا التدخل بمغادرة الجنرال راؤول سيدراس، الذي كان يقف خلف الانقلاب، لهايتي، وظل فيها جنود أمريكيون وآخرون من الأمم المتحدة.
غواتيمالا وجمهورية الدومينيكان
في عملية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أطاحت واشنطن، عام 1954، برئيس غواتيمالا المنتخب ديمقراطيًا، خاكوبو آربنز.. ونصّبت هذه العملية الديكتاتورية العسكرية، بقيادة كارلوس كاستيو أرماس، وهو الأول في سلسلة حكام مستبدين مدعومين أمريكيًا، واستعادت واشنطن مصالحها العسكرية والاقتصادية في غواتيمالا، التي شهدت، بسبب هذا الانقلاب، حربًا أهلية دامت 36 عامًا، سقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل.
وفي جمهورية الدومينيكان يعتبر رافائيل ليونيداس تروخيو مولينا، ديكتاتور جمهورية الدومينيكان المدعوم أمريكيًا، مسئولا عن مقتل بين عشرين ألفا وثلاثين ألف شخص في بلده، استمر في الحكم من 1930 وحتى اغتياله عام 1961، ثم جرى انتخاب حكومة جديدة ديمقراطيًا بقيادة اليساري خوان بوش، عام 1962 إنما تمت الإطاحة به، في العام التالي، في ظل اتهامات أمريكية له بالضعف في مواجهة الشيوعية.
وفي 1965، تدخلت واشنطن خلال تمرد، لإعادة بوش للحكم، عبر جنرالات موالين لها، لكنها فشلت، فاحتلت هذا البلد بما يزيد عن أربعين ألف جندي.
وأُجريت في العام التالي انتخابات فاز بها موالون لواشنطن.. وأظهرت وثائق سرية، تم الكشف عنها عام 1980، أن تلك الانتخابات لم تكن نزيهة.
جزر غرينادا وتشيلي
في 1983، احتلت واشنطن جزر غرينادا؛ خشية امتداد نفوذ الاتحاد السوفيتي إليها، ولم تكن واشنطن راضية عن استيلاء الاشتراكي موريس بيشوب على السلطة في الجزيرة، عبر انقلاب غير دموي، عام 1979، ونتيجة لذلك الاحتلال، قُتل بيشوف رميًا بالرصاص، وأصبحت الجزيرة تحت النفوذ الأمريكي.
في 1973 انقلب الجيش والشرطة في تشيلي على الرئيس المنتخب، سلفادور أليندي، وخلفه الجنرال أوغستو بينوشيه.
تحت حكم بينوشيه، الذي دام 27 عامًا، اختفى ثلاثة آلاف و200 سياسي في ظروف غامضة، واعتُقل أكثر من ثلاثين ألفًا آخرين تعرضوا للتعذيب في السجون، وكشفت المخابرات الأمريكية، عام 2000، عن وثائق تظهر أنها هي التي هيأت، بالتعاون مع جيش تشيلي، انقلاب بينوشيه.
فنزويلا
رغم أن هذا البلد لم يعان من انقلابات، خلافًا لبقية دول أمريكا اللاتينية، إلا أن التدخلات الأمريكية أضرت به كثيرًا، وهو ما يتضح من موقف واشنطن من الأزمة السياسية الراهنة بين حكومة الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة، في ظل هذه الأزمة، لوح ترامب، في فبراير/ شباط الماضي، بأن إرسال قوات أمريكية إلى فنزويلا “يبقى خيارًا مطروحًا”، ويذهب محللون سياسيون إلى أن واشنطن لعبت دورًا في محاولات انقلابية فاشلة شهدتها فنزويلا، خلال حكم رئيسها الراحل، هوغو تشافيز (1999: 2013).
من بين هذه المحاولات ما تم في 11 أبريل2002، حين ألقى عسكريون القبض على تشافيز، واقتادوه إلى قاعدة عسكرية، لكنه عاد إلى قصر الرئاسة بعد 47 ساعة فقط.
وحاليًا، تدعم واشنطن بشكل مباشر محاولات إبعاد الرئيس مادورو عن الحكم، عبر دعمها للمعارضة.
وإضافة إلى تلك الانقلابات، دعمت واشنطن انقلابات أخرى عديدة خلال فترات زمنية مختلفة في دول بوليفيا، البرازيل، الأرجنتين، كوبا، الدومينيكان، السلفادور، غواتيمالا، غيانا، الهندوراس، المكسيك وبنما، وذلك عبر حركات متطرفة ومعادية للديمقراطية وديكتاتوريين دمويين.
الشرق الأوسط وآسيا
لم تقتصر سياسة الانقلابات الأمريكية على كل تلك الدول، إذ دبرت واشنطن ودعمت انقلابات وتدخلات عديدة في دول بآسيا والشرق الأوسط.
تحت عنوان “تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية”، قال البروفيسور الأمريكي، المختص بشؤون أمريكا اللاتينية، جون كوتسوورث، في مقال له، إن الجنود الأمريكيين والجواسيس يلعبون دورًا في التدخلات الأمريكية المباشرة، أما التدخلات غير المباشرة فيكون الدور الرئيس فيها للجهات الفاعلة محليًا في الدول المستهدفة، وهؤلاء لا يمكنهم التصرف أو النجاح من دون دعم من الحكومات الأمريكية، بحسب كوتسوورث.
تركيا وإيران
بعد ساعات من المحاولة الانقلابية في تركيا، 15 يوليو/تموز 2016، وفور تأكده من فشلها، اتصل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري، هاتفيًا بنظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، وأبلغه دعم واشنطن الكامل للنظام في تركيا، لم تعلن واشنطن موقفًا من المحاولة الانقلابية إلا عندما تأكدت من فشل محاولة “غولن”، المقيم في الولايات المتحدة.
بينما في انقلاب 12 سبتبمر/ أيلول 1980 في تركيا، أبلغ مدير المخابرات المركزية الأمريكية حينها، بول هينز، الرئيس الأمريكي آنذاك، جيمي كارتر، بالانقلاب، قائلًا: “لقد نجح رجالنا”، في إشارة للانقلاب الذي أُعدم على إثره خمسين شخصًا، وفق تقارير إعلامية.
بعد الحرب العالمية الثانية (1939: 1945)، وخلال فترة الحرب الباردة (1947: 1991)، اتسعت دائرة الانقلابات الأمريكية لتشمل مناطق أخرى من العالم، أبرز مثال على ذلك هو الانقلاب الذي أطاح، في 1953، بمحمد مصدق، رئيس وزراء إيران المنتخب ديمقراطيًا.
دبرت لهذا الانقلاب المخابرات البريطانية والأمريكية، وبعد إنكار دام سنوات، أقرت واشنطن بمسؤوليتها عنه، وخلال ثورة 1979 في إيران، ندد المحتجون بتدخل الغرب في شؤونهم عبر ذلك الانقلاب.
مصر
في 2011، شهدت مصر ثورة شعبية أجبرت الرئيس آنذاك، العسكري السابق، محمد حسني مبارك (1981: 2011)، على الاستقالة، بعدها اُنتخب محمد مرسي أول رئيس مدني في مصر، لكنه لم يمكث في منصبه سوى عام واحد فقط (2012: 2013)، وتم الإطاحة به في 3 يوليو/ تموز 2013، عبر انقلاب عسكري بقيادة وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي الرئيس المصري الحالي.
في البداية، التزمت واشنطن الصمت حيال الانقلاب، ثم زار وزير خارجيتها، جون كيري، القاهرة، وأدلى بتصريح صادم، قال فيه إن “الجيش المصري سيعيد تأسيس الديمقراطية”.
وهو تصريح أظهر بوضوح ازدواجية المواقف الأمريكية حيال الانقلابات، ومهد، وفق مراقبين، لتصدي قوات الأمن لموجات من الاحتجاجات؛ ما أسقط آلاف القتلى، فضلًا عن الزج بعشرات الآلاف من المعارضين في السجون.
ابتزاز الآخرين
وتعيش أمريكا في الوقت الراهن تفاصيل حرب اقتصادية شنتها مع الصين نتيجة غزو المنتجات الصينية للسوق الأمريكي، للحصول على أكبر قدر من الفوائد لاقتصادها.
كما تعامل الرئيس الأمريكي الحالي ترامب منذ ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشق الاقتصادي مع الخليج بشكل مختلف وغريب جدًا، إذ استخدم ، والكلام للباحث المصري المتخصّص في الشأن الاقتصادي أحمد محسن كلمات حادة في معظم خطاباته عكست ابتزازًا صريحًا للخليج عمومًا وللسعودية بشكل خاص، وبالرغم من أن البعض كان يتوقع أن يكون لهذه التصريحات تأثيرًا سلبيًا، إلا أن ما حدث كان على العكس تمامًا، فخلال الأشهر الأخيرة وخلال الفترة التي قضاها ترامب برئاسة أمريكا زاد تدفق الأموال الخليجية على الولايات المتحدة.
يقول احمد محسن: بشكلٍ عام يمكن القول بأن تعامُل ترامب منذ صعوده إلى السلطة مع حُكّام الخليج، كان بمبدأ «ادفع لتبقى»، إذ سبق وأن قال صراحة للملكة السعودية: «لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى»، وأعلن مؤخرًا أنه قال للمملك سلمان أنه لن يظل في الحكم لأسبوعين من دون دعم الجيش الأمريكي. ويمكن القول بأن ترامب قد جعل من هذا المبدأ سياسة واقعية، وبالفعل حقق نتائج على مستوى علاقته مع الخليج.
اتفاقية التجارة الحرة
على الجانب الآخر، بلطجة ترامب عدّلت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، حيث هدد ترامب في عدة مناسبات بإنهاء اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، والتي تضم كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكندا، فيما مارس الرئيس الأمريكي الكثير من الضغوط على الدولتين لإجبارهما على تعديل الاتفاقية، وفي النهاية بالفعل نجحت ضغوط ترامب في الوصول للنتيجة المرجوة.
إيران.. ابتزاز أمريكي مستمر
في مايو الماضي أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية على طهران، واصفا الاتفاق بأنه «كارثي»، بينما وقّع أمرًا رئاسيًا للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي للنظام الإيراني، وفرض أكبر قدر من العقوبات الاقتصادية.. قرار ترامب حينها أعطى الشركات بضعة أشهر «للخروج» من إيران، كما انه كان سببًا رئيسيًا في صعود أسعار النفط حينها.
الابتزاز بالمساعدات
أشهر ما يمكن تذكره أيضا هو التلويح الأمريكي بإيقاف المساعدات المالية عن الدول التي ستصوت لصالح مشروع قرار بالجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قراره الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا التهديد مارس “أكبر حملة بلطجة سياسية على العالم، وهذا المشهد سينتهي بمساعي أمريكا لتقويض أركان النظام الدولي ممثلا في الأمم المتحدة، ونزع شرعيتها، فهناك محاولة لهدم نظام الأمم المتحدة الذي شكل بعد الحرب العالمية الثانية، وأوضح أن الإدارة الأمريكية تقود أكبر حملة علاقات عامة ودبلوماسية للتأكيد على مشروعية قرارها بشأن القدس، وجديته وأنه سيدخل حيز التنفيذ، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي سيدخل في مناطحة مع العالم بسبب قراره.
وقف إغاثة الشعب الفلسطيني
لا يمكن في هذا السياق تجاهل عمل ترامب على قطع تمويل “الأونروا”، الوكالة الأممية لدعم وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، والسعي لشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المقر دوليا، ومن قبلها شطب حق عودة القدس المحتلة لشعبها الفلسطيني، وإعلان القدس بكاملها عاصمة موحدة وأبدية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهي المنظمة نفسها، التي سبق لواشنطن الاعتراف بها قبل عقود، وشاركتها في التفاوض مع إسرائيل على طريقة أوسلو وما تلاها، لكنها تضيق بها الآن، وتسعى إلى شطب وجودها، بعد نجاح الفلسطينيين في الحصول على صفة دولية في الأمم المتحدة، وانضمام دولة فلسطين ـ التي لم تقم بعد ـ لعشرات المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وانضمامها بالذات إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي انضمت إليها 123 دولة، وعارضت أمريكا وجودها منذ البداية، وإن لم تعارض أن تشمل محاكماتها أي أحد، إلا أن يكون أمريكيا أو إسرائيليا، وهو ما بدا جليا في هستيريا جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي، وتهديده الهمجي بعقاب قضاة المحكمة الدولية التي لا تمولها واشنطن بسنت واحد، ومنعهم من دخول أمريكا، ومصادرة أموالهم، بل محاكمة قضاة المحكمة الجنائية، ومعاملتهم كمتهمين وربما كإرهابيين، وكل ذلك بسبب تقديم الفلسطينيين دعاوى أمام المحكمة الدولية عن جرائم كيان الاغتصاب والاستيطان الإسرائيلي، وكلها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تساوي في فظاعتها وشناعتها جرائم أمريكا حول العالم، وقتلها لنحو ثمانية ملايين إنسان في حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية، فوق ما ارتكبته من جرائم قتل وحشي لمئات الآلاف في غزو أفغانستان والعراق، اللتين عجزت فيهما أمريكا عن تحقيق نصر نهائي يعتد به، وتهزم فيهما عسكريا بعد هزائمها الأخلاقية، تماما كما عجزت ربيبتها إسرائيل عن تحقيق أي نصر عسكري بعد حرب 1967.
ساديّة الأمريكية
العنف والبلطجة الأمريكية نجد بصماتها حتى في الداخل الأمريكي بالتمييز العنصري ومصادرة حق الأقليات السوداء من كامل ما يضمنه لهم الدستور نتذكر الحرب الأهلية الأمريكية التي راح ضحيتها حوالي المليون إنسان أكثر من النصف مدنيين، وقد تجلى ذلك مؤخرا في قضية مقتل الأمريكي من أصول إفريقية، جورج فلويد.
الأمريكي تشارلز بارون الذي يقدم نفسه كـ “ناشط أسود وثوري منتخب”، لـ”الأناضول”، والذي حسب قوله “ناضل ضد التمييز منذ نعومة أظفاره، بعد انضمامه إلى حزب الفهود السود، الذي تأسس بعد مقتل الناشط الأمريكي الأسود مالكوم إكس”.. يقول أن “أحداث العنف الناتجة عن التمييز تتكرر منذ سنوات في الولايات المتحدة، ولا تسفر عادة عن نتائج مختلفة”.
وتابع: في كل مرة تقدم الشرطة على قتل المتظاهرين، وتتصرف ضدهم بوحشية، وتوقف المئات منهم وتستجوبهم بطرق فيها انتهاك للدستور وحقوق الإنسان.
وحول مسألة إذا ما كانت الاحتجاجات الجارية في الوقت الحالي ستصل إلى هدفها، أشار بارون إلى أنه “لا يتوقع تغييرًا جذريًا في النظام الأمريكي ما لم يخرج ملايين الأشخاص إلى الشوارع بشأن قضايا متعددة مثل الفقر والبطالة ومنع عنف الشرطة”.