محمد النظاري
لمَّا كان للحج مشقة بدنية كبيرة على الحاج جعل الله شرط الاستطاعة لمن أراد القيام بالركن الخامس من أركان الإسلام.
فالحج إضافة إلى كونه عبادة روحية يقصد بها وجه الله تعالى امتثالا لأمره عز وجل واقتداء بسيدنا محمد صل الله عليه وآله وصحبه وسلم، فهو ممارسات بدنية يستحيل على العاجز إتمامها على وجهها.
كان الحج سابقا (قبل وسائل النقل الحديثة) إما مشيا على الأرجل أو ركوبا على الدواب، وفي الحالتين يتوجب قطع مسافات طويلة (قد تصل لأشهر) بين الدول وصولا إلى مكة المكرمة، وهذا يحتاج جسما صحيحا يستطيع تحمل هذا الجهد البدني الكبير.
شرع الله للحاج والمعتمر الطواف (7 مرات) حول الكعبة، وقد يكون الطواف سهلا في حال انعدم الزحام وقرب الطائف من محيط الكعبة، وحينها يقطع في السبعة الأشواط مسافة (410 أمتار) أما أقصى مسافة في الأدوار العلوية فيقطع الطائف (2.2 كيلو متر)، ويتبين لنا هنا الجهد البدني العالي الذي يبذله الحاج.
السعي بين جبلي الصفا والمروة يقارب (800م)، فالطريق الذي يربط بين الجبلين يسمى مسعى، وتبلغ المسافة بين الصفا والمروة (394.5 متر)، وهناك من يقول إنها 405 أمتار، وهناك من يقول 375 متراً، وإجمالي عدد الأشواط السبعة للسعى ( 2761.5 متر ) عند حسابها على أنها ( 394.5 متر) وهو ما يظهر لنا المشقة التي تقع على الحاج، لا سيما في السنوات الأخيرة التي أصبح عدد الحجاج يقترب من الثلاثة ملايين.
من المناسك التي يؤديها الحاج المبيت بمنى قبل التوجه إلى عرفات والعودة إلى مزدلفة ثم إلى منى مجددا (لرمي الجمرات اقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام) وفي الرمي جهد كبير سواء مفاصل اليدين رميا أو القدمين تنقلا.
وتبعد منى عن الحرم المكي (5 كيلو مترات) ويقطع الحجيج (10 كيلو مترات) للانتقال من منى إلى صعيد عرفات حيث يؤدون ركن الحج الأعظم، وتصل المسافة بين عرفات، ومزدلفة إلى ( 7 كيلو مترات )، في حين تناهز المسافة بين مزدلفة ومنى (5 كيلو مترات).
أردنا تقديم هذه الأرقام للدلالة على ما يزاوله الحاج من ممارسات تعبدبة لله تعالى تتطلب منه طاقة كبيرة وجهدا عاليا، ولهذا فإن أداء هذه الفريضة في سن الشباب هو الأفضل، كون الجسم يكون حينها مستطيعا لأداء الفريضة بكل يسر.
الحج هذا العام 1441هـ اقترن بوجود وباء كورونا، ما حرم ملايين المسلمين من السفر إلى الأراضي المقدسة (كون الزحام من مسببات انتقال المرض)، واستعاضت السلطات السعودية بعدد قليل جدا من مواطنيها والمقيمين على أراضيها لأداء هذا الركن ولعدم تعطيل هذه الفريضة، فنسأل الله تعالى أن يتقبل من الحجاج، وأن يكتب أجر من نوى ومنعته جائحة كورونا.
أحبتي في الله إن كان قد فاتكم صيام العشر من ذي الحجة، فلا يفوتكم صيام يوم عرفة، فهو يكفر سنتين (سابقتين وقادمتين) واغتنموا شبابكم قبل كبركم، وسخِّروه لمرضاة الله وطاعته.. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة قرب عيد الأضحى المبارك.