م. وليد أحمد الحدي
لا زال العالم و لأكثر من 8 أشهر يخوض معركة البقاء ضد فيروس كورونا متسبباُ بركود اقتصادي ينبئ بحالة كساد قد تفوق تلك التي شهدها العالم في نهاية عشرينيات القرن الماضي مع توفر مؤشرات باستمرار هذه الحالة وزيادة حالات الوفيات حول العالم أو ظهور فيروس من نوع آخر -لا قدر الله – ما استدعى إعادة النظر في جوانب كثيرة على مستوى إدارة دول واقتصاديات تلقي بظلالها على جميع جوانب الحياة .
ولقد أثبتت التجارب الأخيرة بما لا يدع مجالاً للشك أن استمرار إجراءات الحظر التي اتخذتها كثير من البلدان حول العالم قد زادت من الطين بلة و تسببت بارتفاع أعداد الحالات حسب الإحصائيات الأخيرة, وذلك ما دفع بعض الدول لاتخاذ إجراءات مختلفة خشية الانهيارات الوشيكة لاقتصاداتها والعمل على استعادة الحياة الطبيعية بإجراءات سلامة واحترازات لا تؤثر على سير الحياة العامة ..!!
ونتيجة للقناعة التي وصلت إليها كثير من دول العالم بأن الموت السريري للاقتصاد و الخسائر التي تسببت بها تلك الإجراءات والتي كانت أشد وطأة عليها من العودة إلى الحياة الطبيعية هو ما دفعها إلى العدول عن قرارات متسرعة قدمت خدمة على طبق من ذهب لقوى ومافيا عالمية لها أهداف مادية واستعمارية سعت إليها من خلال التهويل المتعمد لخطورة هذا الوباء والمبالغة في أعداد الوفيات التي نسبت إليه, ومن ثم الدعوة إلى فرض الحظر الكامل وبث الرعب في نفوس العامة لمرض لا تقارن خطورته بأوبئة أكتوت البشرية بنارها كالطاعون والكوليرا وسارس وايبولا وغيرها.
أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون في التعامل مع هذه الجائحة لا من حيث بدأوا فهذا عين الصواب, فاللجوء إلى فرض حالة الحظر الكامل أو حتى الجزئي لن يحل المشكلة بقدر ما سيزيد منها, حيث أثبتت التجارب الأخيرة أن قلة الحركة والحرمان من أشعة الشمس الغنية بفيتامين د ناهيك عن القلق وحالات الاكتئاب المصاحبة لذلك الحظر نتيجة عدم وجود نشاط بدني أو ذهني إيجابي يفرغ من الطاقات, ولجوء الكثير إلى سد أوقات الفراغ بمتابعة الأخبار المقلقة قد يؤدي إلى انخفاض مستوى المناعة لديهم و يجعل المريض عرضة أكبر للمرض, وهذا ما يفسر ارتفاع معدلات الإصابة في دول عده لجأت إلى ذلك الإجراء, كما أنه يتسبب بانهيار اقتصادي وإفلاس شركات وتسريح عمالة ومضاعفات خطيرة تـُفاقم من الوضع الإنساني المتدهور سلفاً, ما يفرض على القائمين اتخاذ إجراءات إبداعية وحلول خلافاً لتلك المتمثلة بإغلاق المتنزهات والإيقاف الجزئي لمحلات الملابس والمطاعم والذي تسبب بخسائر فادحة لأرباب العمل أنعكس سلباً على الطبقة العاملة المعتمدة في معيشتها على الأجر اليومي، كان بالإمكان اتخاذ بعض الإجراءات بما لا يؤثر سلباً على طبيعة عمل هذه الأنشطة التي تعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني في ظل عدوان وحصار جائر وبقواعد وإجراءات السلامة من خلال عدم السماح للمتجر الواحد استقبال أكثر من عدد محدد من الأشخاص, بحيث يكون ما بين كل شخص وآخر مسافة متر ونصف المتر على الأقل, وتكون نفس المسافة الفاصلة ما بين كل مقعد وآخر في المطاعم والكافيهات, وفرض استخدام الكمامة عند مداخل المتاجر والمولات والمطاعم مع الاستمرار في إجراءات النظافة والتعقيم والتوعية الصحية، وكذلك حث وزارة الأوقاف والإرشاد على مطالبة المصلين ترك مسافة كافية ما بين مصل وآخر, مع الالتزام بلس الكمامة عند دخول المسجد كون الإجراءات التي اتخذت ضد المطاعم ومتاجر الملابس والمتنزهات الأولى اتخاذها ضد أسواق القات التي تمثل بؤرة للتجمعات البشرية ونقل الأوبئة والأمراض حتى ما قبل كورونا, وتتسبب في الاختناقات المرورية أوساط المدن, وتشكل مرتعاُ خصباً للنشالين واللصوص ومصدرا للمخلفات والأكياس البلاستيكية الضارة بالبيئة, واستعاضة نشاطها بخدمة السفري لمن أراد شراء القات , كما يمكن عزل شريحة كبار السن ومنحهم إجازة من وظائفهم كونها الشريحة المعرضة للمرض وليس نسبة 80 % من الموظفين ممن يمتلكون مناعة تحصنهم ضد هذا المرض, مع تطبيق قواعد السلامة في الوزارات والشركات وغيرها, بذلك نضمن أن لا تكون لتلك الإجراءات المتخذة أي أضرار على سير العملية الإنتاجية أو القطاعات الاقتصادية أو المشاريع الصغيرة التي تعيل الآلاف من الأسر مع وجود رقابة مستمرة تضمن تنفيذها .
تتجه كثير من دول العالم المتقدم خلال الأيام القادمة إلى عودة الحياة الطبيعية بإجراءات احترازية وقواعد السلامة بلا شك، فحركة الطيران وعودة الدوريات الرياضية وفتح المساجد والكنائس وعودة السياحة سيتم تطبيقه خلال الشهر القادم كون العالم بات على قناعة أن الإجراءات السابقة التي اتخذت لم ولن تحل المشكلة بقدر ما ستزيد من أضرارها, وأنه لكي تنتصر على كورونا فلا مجال سوى التعايش مع هذا الفيروس وتقوية المناعة والحرص على تطبيق إجراءات السلامة والنظافة, وهذا ما يفترض أن نمضي عليه لنستفيد من التجارب السابقة ونبتدئ من حيث انتهى الآخرون كوننا آخر بلدان العالم يصله هذا الوباء .
والله من وراء القصد ،،
* رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي