على الرغم من الأعباء الكبيرة التي تتحملها اليمن في حربها على الإرهاب فإن هذه المواجهة لم تخل من بعض الحسنات وأولى هذه الحسنات تتمثل في الاستراتيجية التي اتبعتها بلادنا في التصدي لهذه الآفة الخبيثة وعناصرها المتطرفة والضالة والمنحرفة حيث كان من إيجابيات هذه الاستراتيجية أنها أسقطت كليا الأقنعة الزائفة والكاذبة لتنظيم القاعدة الإرهابي وأماطت اللثام عنه وفضحت الخديعة الكبرى التي حاول تنظيم القاعدة تعميمها وغرسها في اذهان الناس وخصوصاٍ بعض البسطاء ومحدودي الثقافة في العالم العربي والإسلامي بزعمه أن منبعه الفكري مستمد من خلفية إسلامية تستهدف الدفاع عن الإسلام وأرض الإسلام وفي مقدمتها أرض الإسراء والمعراج القدس الشريف وتحريرها من دنس الاحتلال الإسرائيلي وهي الاكذوبة الكبرى التي ربما أكسبت هذا التنظيم الإرهابي الفاجر تعاطف بعض البسطاء والسذج بل ومكنته من جذب بعض الشباب إلى صفوفه بعد أن غرر بهم وغسل أدمغتهم بتلك الطروح الزائفة مصحوبة بصكوك الجنة التي ظل يوزعها على أولئك الأغرار ليحولهم إلى أحزمة ناسفة وقنابل متفجرة تتمزق اشلاء على قارعة الطرق وأبواب المرافق العامة والاقتصادية لتقتل من تقتل وتجرح من تجرح من الأنفس البريئة التي لا ذنب لها سوى أنها تقول ربي الله. ومع أن هذا التنظيم الإرهابي قد ظل ينقر على طيلة تلك الأكذوبة الكبرى ويرقص على انغامها من خلال بياناته واشرطته وتصريحات جلاوزته العتاة إلا ان إرادة الله سبحانه وتعالى شاءت أن ينفضح ويتعرى على أرض اليمن الطاهرة وينكشف أمره ويظهر عناصر هذا التنظيم أنهم ليسوا سوى جماعات منحرفة تملأ قلوبها الأحقاد والضغائن والكراهية للإسلام والمسلمين وانهم ليسوا أكثر من خناجر مسمومة موجهة إلى خاصرة العالم الإسلامي وأقطاره ومجتمعاته. ولعل ما جرى في اليمن في إطار المواجهة مع الإرهاب قد أزال تلك الضبابية الداكنة التي ظلت تحجب الرؤية لدى البعض عن هذا التنظيم الإرهابي المتطرف وحقيقته ليتأكدوا أن من ظلوا يزعمون من عناصره الضالة أنهم يحاربون الكفار وإسرائيل والمحتلين لبلاد المسلمين كاذبون وأفاكون فمن استهدفوهم في اليمن ليسوا كفارا ولا إسرائيليين بل أن معظم ضحايا غدرهم وحقدهم مسلمون ومؤمنون وملتزمون بأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة ومتدينون يؤدون الفرائض كما أمر الله. وتتجلى أبشع صور حقدهم في جريمتهم النكراء بحق ثمانية جنود وموظف آخر استباحوا دماءهم بفعل جبان وغادر وهم على مائدة الإفطار. فهل كان هؤلاء الجنود كفاراٍ أم يشهدون ألاِ إله إلا الله وأن محمداٍ رسول الله..¿ ولا شك أن مثل هذه الشواهد تدل دلالة واضحة لا لِبúسِ فيها ولا غموض على أن هؤلاء الإرهابيين القتلة لا هدف لهم ولا غاية سوى العبث ببلاد الإسلام والمسلمين والإضرار بمصالحها واقتصاداتها وسفك دماء أبنائها. وتلك هي الحقيقة المرة التي ينبغي علينا في هذا الوطن استيعابها والأمر نفسه ينطبق على غيرنا من أبناء الأمة العربية والإسلامية المستهدفة جميعها من هذا الوباء الخبيث خاصة بعد أن أظهرت وقائع معركة اليمن مع الإرهاب أن هؤلاء الإرهابيين الأشرار الذين يتنقلون من قطر إلى اخر ليسوا سوى شرذمة منحطة دخيلة على الإسلام وحاقدة على أبنائه. وهي الحقيقة التي لم يعد حتى الغرب بمقدوره إخفاؤها فها هو الرئيس الأمريكي باراك اوباما في خطابه قبل أسبوعين يكشف عن أن أغلب ضحايا الإرهاب هم من المسلمين ما يعني أن الإسلام اصبح مجرد غطاء يستخدمه الإرهابيون للعنف المنهجي الذي يمارسونه ضد أوطانهم وأبناء الديانة التي يدعون الانتماء إليها. وما يجب أن يفهم هو أن الإرهاب قد اختار الساحة العربية والإسلامية ساحة لأحقاده وعدوانيته وأن عناصره التي جبلت على العنف والعدوان دخلاء على هذه الأمة وعقيدتها وحتى من تربوا منهم في الغرب ودرسوا في مدراسه وتلقوا ثقافتهم من جامعاته فإنهم لا يجدون وطناٍ لإطلاق حممهم الغادرة إلا أوطانهم. وهذه الحقائق تشهد على صحة ما عبر عنه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في كلمته يوم أمس الأول امام بعض الخطباء والمرشدين حينما أشار إلى أن الإسلام برىء من هؤلاء الإرهابيين حتى وإن تدثروا بعباءة الإسلام لأن افعالهم تتصادم كليا مع الإسلام وتعاليمه السمحاء. ومن جهة آخرى فإن تركيز هذه الجماعات الأثمة على الانتقام والتخريب وسفك الدماء في الأقطار الإسلامية بعكس تماماٍ أنها بعيدة كل البعد عن دين الإسلام بل أنها لا ملة لها ولا دين. فما يؤمنون به هو القتل والخراب وإذا كان لهم عقيدة فهي عقيدة العدوان والإجرام ومصالحهم لا تلتقي سوى مع مصالح أعداء الأمة الإسلامية. ونتفق مع ما قاله أحد المفكرين العرب أن جميع من ركبوا موجة التطرف والغلو والإرهاب واعتنقوا منطق العنف واعتلوا بروج التشدد والمثالبة والخيال من أفغانستان إلى العراق والجزيرة العربية وحتى بلاد المغرب العربي ليسوا سوى شرذمة نكرة على بلاد المسلمين ولا مكان ولا موقع لهم من الإعراب في واقع الحق والحقيقة والتاريخ في هذه البلاد. ومن ثم فإن المسؤولية القومية والإسلامية تقتضي من أبناء هذه الأمة أن يجعلوا مكافحة الإرهاب مهمة استراتيجية لمنع هذه الجماعات المتطرفة من تحقيق أهدافها الدنيئة في عالمنا العربي والإسلامي خاصة وأن منطق التاريخ الذي مضى والحاضر الذي نعيشه والمستقبل القادم الذي ننتظره يفصح عن أن هذه القلة القليلة التي غالت وتشددت فتنطعت ثم ترهبت وتطرفت وأضلت الضلال المبين هي جماعات مشبوهة تؤمن بمنطق القتل والتدمير وهو المنطق العقيم الذي يتناقض مع منطق التاريخ والدين وأخلاقيات الإسلام وتعاليمه السمحاء ومنطق الرشد والعقل والأمن والسلام. فهؤلاء هم أعداء الحياة وعلينا جميعاٍ أن نتصدى لهم ونجعل منهم عبرة لمن يعتبر.