نشر المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، تقريرا بقلم باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران، قالت فيه «انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران قبل عامين، ووعد بممارسة سياسة «الضغط الأقصى» تجاه إيران مقارنة بالبقاء في برنامج شامل، حيث سيكون للعمل المشترك نتائج أفضل.
وانتقدت سلافين سياسات البيت الأبيض واعترفت بأن «العقوبات التي فرضتها الحكومة الأمريكية تسببت في تحول كارثي في الاقتصاد الإيراني، لكنها فشلت في تغيير سياسات إيران باتجاه إيجابي. والواقع أن هذه العقوبات جعلت الأمور أكثر سوءا». وأشار التقرير إلى أن سياسة الضغط الأقصى التي تبنّاها ترامب أدت إلى نتائج عكسية لخمسة أسباب:
تطور البرنامج الصاروخي الإيراني:
وعد ترامب الشعب الأمريكي في 8 مايو 2018 خلال خطاب ألقاه أمامهم، أن سياسته الجديدة «ستقضي على التهديد الذي يشكله برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، وستوقف الأنشطة الإرهابية الإيرانية في جميع أنحاء العالم، وتمنع أنشطة التهديد الإيرانية في الشرق الأوسط».
ومع ذلك، واصلت إيران برنامجها الصاروخي وحتى أطلقت قمرًا صناعيًا عسكريًا إلى الفضاء. واتبع هذا البلد نهجًا أكثر عدوانية في المنطقة، ودفعت التوترات في الخليج والعراق الولايات المتحدة وإيران إلى حافة الحرب. بالإضافة إلى ذلك، قد تجبر هذه السياسة، الولايات المتحدة على الانسحاب من العراق مما يجعل العراق أكثر عرضة لإيران ونفوذها.
استئناف تخصيب الاورانيوم
بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، واصلت إيران التزامها بالاتفاق لمدة سنة، ولديها الآن ما يكفي من اليورانيوم منخفض التخصيب لبناء سلاح نووي، حيث استأنفت تخصيب اليورانيوم في موقع فوردو تحت الأرض. وإذا حاولت الولايات المتحدة إعادة العقوبات في شكل «snapback» على الرغم من عدم التزامها بالاتفاق النووي، فقد تنسحب إيران من كل من الاتفاق النووي ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وقد تتبع الطريق ذاته الذي اتبعته كورويا الشمالية في عام 2003م فيما يخص صناعة الأسلحة النووية.
الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها
عمقت السياسة الأمريكية تجاه إيران الفجوة بين الولايات المتحدة وأقرب حلفائها في أوروبا، الحلفاء الذين عملوا من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي. وأظهرت التجربة أن الضغط على إيران لا ينجح إلا إذا كان الضغط ذو طبيعة متعددة الأوجه ولديه أهداف واقعية وقابلة للتحقيق. ومن أجل أن تكون العقوبات والطرق الدبلوماسية فعالة ضد إيران، فإن تعاون ومشاركة أوروبا أمر ضروري.
تضئيل أثر العقوبات
في محاولة منها لإجبار دول أخرى على الانضمام إلى حملة “الضغط الأقصى”، على الرغم من أولوياتهم السياسية أضعفت إدارة ترامب العقوبات باعتبارها أداة للسياسة الخارجية. العقوبات هي مثل المضادات الحيوية، تفقد فعاليتها إذا تم الإفراط في استخدامها. وبمرور الوقت، ستجد الدول طرقًا للالتفاف على الضغوط. وخاصة الصين، التي تمتلك قوة اقتصادية لإنشاء آليات مالية دولية موازية. في المستقبل، عندما تحتاج الولايات المتحدة بالفعل إلى عقوبات، فقد تدرك أن العقوبات ليس لها تأثير يذكر.
عدم رغبة إيران باتفاق جديد
لقد أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، إلى تشويه سمعة حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني وتعزيز القوى المتطرفة التي تعارض بشدة إقامة علاقات مع الولايات المتحدة. ومن المرجح في العام المقبل أن يتم انتخاب رئيس جديد في إيران، لا تتكون حكومته من خريجي الدكتوراه من الولايات المتحدة. وسيكون من الأصعب التفاوض على “اتفاق أفضل” مع مثل هذه الحكومة، حتى لو أصبح جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة. وسيتم إهدار فرص ثمينة بالفعل الى ذلك الوقت، فيما يخص اتفاق نووي جديد وحل الصراعات الإقليمية، وقضايا أخرى.
وفي جزء آخر من التقرير، ورد أن هذه العواقب الضارة حدثت في وقت كان فيه العالم في حالة طوارئ بسبب انتشار فيروس كوفيد-19 المستجد. وقد تكون مثل هذه الأزمة ذريعة للولايات المتحدة لتقليل شدة العقوبات. وكان من الممكن حتى أن يتم ذلك في قالب إجراءات إنسانية وحُسن نية تجاه الشعب الإيراني المتضرر.
ومع ذلك، على الرغم من التأكيدات بأن الغذاء والدواء غير مشمولين بالعقوبات، فإن الولايات المتحدة لم تحرك ساكنا للتخفيف من معاناة إيران. وحاولت أمريكا تعويق طلب إيران للحصول على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي وحصول طهران على مواردها المالية المحظورة في البنوك الأجنبية.
وباستثناء وزير الخارجية مايك بومبيو وثلة قليلة من المحافظين الجدد في واشنطن، فإن القليل منهم يحتفلون بالذكرى الثانية لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. ومن بين حلفاء أمريكا، لا تزال إسرائيل هي الوحيدة التي تدعم سياسة ممارسة الضغوط وعدم إبداء أي ليونة.
يضغط بومبيو الآن من أجل تمديد حظر الأمم المتحدة على إرسال الأسلحة إلى إيران، حيث ينتهي هذا الحظر في أكتوبر، وفقًا للاتفاق النووي. ويستند بومبيو إلى استدلال غامض مفاده أن الولايات المتحدة، على الرغم من انسحابها من جانب واحد من الاتفاق النووي قبل عامين، لكنها لا تزال في اتفاق مع الطرفَين “المشاركيَن”.
إذا لم يمتثل مجلس الأمن الدولي لمطالب الولايات المتحدة – وهو أمر شبه مؤكد في ضوء حق النقض الذي تتمتع به روسيا والصين – فقد هددت الولايات المتحدة بإعادة العقوبات في شكل «snapback» وتجاهل ما تبقى من الاتفاق النووي. مثل هذا الشيء هو سوء استخدام للشرط الذي تم تضمينه بهدف إجبار إيران على الامتثال للاتفاق النووي، وسيكون من الصعب إعادة تنشيطها في أي اتفاق مستقبلي. في غضون ذلك، ستكون الضحية فقط هي سيادة القانون ودور القيادة الأمريكية في نهاية المطاف.
مع ارتفاع عدد الوفيات بسبب انتشار المرض في الولايات المتحدة، وجهود الحكومة الفيدرالية للسيطرة عليه، ينظر الكثير الينا “الولايات المتحدة” بقلق. كما استهانت إدارة ترامب بمنظمة الصحة العالمية وهددت بقطع الموارد المالية عنها في وقت تحتاج فيه المنظمة إلى هذه الأموال أكثر من أي وقت مضى”.
في النهاية، تخلص باربرا سلافين إلى أنه “فيما يخص إيران والعديد من القضايا الأخرى، من تغير المناخ إلى حل النزاعات، فإن إدارة ترامب إما غائبة أو تقوم بانتهاكات. ليس عليك الحصول على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية لفهم عواقب مثل هذا السلوك “الخبيث”. في المستقبل، إذا كان لدى الولايات المتحدة طلب ما، فسوف تحذو حذوها عدد أقل من الدول.