استقالة المفاوضين الفلسطينيين

تقديم المفاوضين الفلسطينيين في محادثات السلام لاستقالتهم لا يثني إسرائيل عن استمرار سياسة الاستيطان والتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية وسواء قدم أولئك المفاوضون استقالتهم أو استمروا في المفاوضات احتجاجا◌ٍ على التعنت الصهيوني في مواصلة بناء المستوطنات أو جرى تعيين فريق تفاوض جديد¡ بحسب ما أشار إليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس¡ فإن ذلك لا يحول دون مواصلة الكيان للسياسة الاستيطانية في ظل وجود المفاوضات من عدمها.
خاصة أنه قد سبق وأن أشرنا إلى أن جولة المباحثات الجديدة ليست إلا جولة لكي تواصل تل أبيب بناء الوحدات السكنية¡ وإن كان المحور الأساسي والموضوع الرئيسي لتلك المفاوضات يحث على وقف عملية الاستيطان¡ لكن الواقع يؤكد عكس ذلك على اعتبار أن وقف المباحثات مع السلطة الفلسطينية بالنسبة للسياسة الإسرائيلية أمر جانبي لا يحول دون إعلان إسرائيل دائما◌ٍ وتكرارا◌ٍ عن خطط بناء جديدة خصوصا◌ٍ في إعلانها الأخيرة عن عطاءات لأكثر من 20 ألف وحدة استيطانية في الضفة الغربية.
جاء ذلك عقب تدشين جولة المفاوضات بين الجانبين والتي سرعان ما انهارت بانسحاب فريق التفاوض الفلسطيني وأي محاولات من قبل السلطة الفلسطينية لإقناع ذلك الوفد بالعدول عن قرار الاستقالة أو تشكيل وفد جديد ليس إلا دعما◌ٍ ضمنيا◌ٍ للجانب الإسرائيلي وإعطاءه مشروعية للبناء¡ سيما في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
حيث تعمل السياسة الإسرائىلية على توسيع وتيرة بناء المستوطنات هناك على نحو من التخطيط في إنشاء الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة في الضفة الغربية¡ كما أوضحنا وقد حددت إسرائيل موعد بدء المفاوضات الجديدة التي سرعان ما انهارت بإعلان وزارة الإسكان الإسرائىلية عن بناء وحدات سكنية وأخرى قيد التخطيط أو التنفيذ.
وهو ما يعني أن استئناف المباحثات برعاية أميركية تزامن مع ذلك الإعلان استهتارا◌ٍ بالمفاوضين الفلسطينيين من جانب وبالرعاية الأميركية كذلك وكأن الكيان الصهيوني أراد من خلال استئناف الاستيطان بشكل أوسع وأشمل توجيه رسالة للفلسطينيين أولا◌ٍ ولرعاة العملية السلمية الأخيرة والتي انتهت قبل أن تبدأ مفادها أن إسرائيل ماضية في سياسة التوسع ولا يمكن بحث ذلك في المفاوضات تأكيدا◌ٍ على ما قامت به وزارة الإسكان الإسرائيلية عقب افتتاح المباحثات الأخيرة من طرح عطاءات لبناء الآلاف من الوحدات السكنية.
وهذا دليل كاف◌ُ على أن المفاوضات سواء توقفت أو استمرت فإنها لا تقدم ولا تؤخر في مواصلة السلطة الاسرائيلية للمشاريع التوسعية لأنها ترى في عملية السلام والمفاوضات دعما◌ٍ لسياسة الاستيطان وليس كما يعتقد العالم أن المباحثات بين الجانبين ستؤثر على مشاريع البناء للمستوطنات التي تنفذها اسرائيل منذ إعلان كيانها اللقيط المغتصب لفلسطين في 15 مايو 1948م وحتى إعلان انهيار جولة التفاوض الأخيرة مرورا◌ٍ بمفاوضات سابقة كانت الحكومة الاسرائيلية ولا زالت وستظل تواصل تنفيذ القرارات الاستيطانية بشكل أوسع وأشمل غير مكترثة بالقرارات الدولية ولا بنتائج جولات المباحثات المختلفة.
وإن احتلال فلسطين بحد ذاته هو عملية استيطانية واسعة ما يجعل الحديث عن مبدأ حل الدولتين مجرد مسكøنات لإضفاء المشروعية على المزيد من سياسة التوسع¡ وبالمقابل من ذلك يواصل العدو عبر حكومة نتنياهو إعلاناته الرسمية إنهاء عملية السلام¡ غير أن الجانب الفلسطيني ما زال يراهن على استئناف المفاوضات أو تغيير فريق المفاوضين ما لم يتم إلزامهم بالعدول عن قرار استقالتهم.
وهو ما يعني أن انسحاب الجانب الفلسطيني من مباحثات السلام أقل ما يجب أن يكون لما لديهم من الخبرة والتجربة عن نتائج المفاوضات السابقة مع الكيان الصهيوني لا يوجد إلا السلام المستحيل ما لم تتوحد القوى الفلسطينية بكل فصائلها وحركاتها السياسية ويكون مشروع المقاومة الوطنية للاحتلال الاسرائيلي موازيا◌ٍ لدعوات السلام المتكررة خاصة في ظل إدراك الكيان اللقيط لحالة الضعف السياسي وعدم توحيد الرؤى بين الفلسطينيين أنفسهم¡ يجب أن تبدأ المفاوضات لتقوية العملية السياسية ضمن صيغة فلسطينية جديدة لا ترفض السلام ولا تنكر المقاومة.

قد يعجبك ايضا