يحدثونك بلغة التاريخ عن ذلك العهد الرسولي الذي مثل استثناء لافتا في تاريخ اليمن الوسيط حيث كانت تعز حاضرة اليمن الأولى تفوح مجدا وعلما وعمرانا جامع المظفر أو (المدرسة المظفرية)، هو واحد من أبرز المعالم التاريخية الحضارية في محافظة تعز، أنشأه السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول ثاني ملوك الدولة الرسولية في النصف الأول من حكمه (648هـ/1250م)، ويتسع جامع المظفر لخمسمئة مصلٍّ، ويقول بعض الباحثين أنها أسست في النصف الأول من حكمه 1250م .
ويشتهر الجامع بدقة الصنع لمحرابه ومنبره وقبابه ومئذنته الشامخة إذ يعد بمثابة تحفةً معماريةً فريدة، فالتصميم يجمع بين الفخامة والضخامة، وقام السلطان عامر بن عبد الوهاب مؤسس الدولة الطاهرية بين عامي ( 858 – 923هـ) بتشييد قباب جامع المظفر والتي تعرف بالقباب العامرية وهي لا تزال محتفظة ببهائها حتى اليوم، وباطن القباب وجدرانها زخرفت بالكتابة الأنيقة والألوان الزاهية المتناسقة غير أن الكثير من هذه القباب بهتت زخارفها وطمست بفعل عوامل الزمن من ناحية، والجهل والإهمال من ناحية أخرى، حيث طمست ألوانها باللون الأبيض الذي اعتيد على رشها به منذ عقود ما افقدها جزءا كبيرا من بهائها وجمالها. وفي مقدمة الجامع أو الجهة الشمالية منه تظهر ثلاث قباب كبيرة وضخمة، وبين كل قبة كبيرة أربع قباب أصغر حجماً، وتُعَدُّ من أجمل وأكبر وأقدم القباب في تاريخ المساجد اليمنية ويصل عمرها إلى أكثر من خمسمائة سنة.
جرت عليها بعض الإضافات والتعديلات خلال العصور المتعاقبة، فقد كانت هذه المنشأة الدينية منذ إقامتها وعلى مر العصور المتعاقبة، محور اهتمام الحكام، لأنها تقوم بدور الجامع الكبير في المدينة، كما أنها من أقدم المدارس المعلقة، والنموذج الأول الذي انتهجته كثير من المدارس الرسولية بعد ذلك.
المئذنة بيت الصلاة
بيت الصلاة في الجامع، هي عبارة عن مساحة مستطيلة الشكل تشغل الجزء الشمالي من الفناء، وتتكون من جناح شرقي وجناح غربي توسطهما مساحة وسطى، تغطيها قبة مركزية تعلو منطقة المحراب وتقوم على أربع حنايا ركنية، وست قباب صغيرة جانبية تقوم على عقود نصف دائرية تحملها صفوف من الدعامات المضلعة، مناطق الانتقال من المربع إلى المثمن عبارة عن حنايا ركنية، يتوسط المحراب جدار القبلة وهو عبارة عن محراب مجوف يتوجها من الخارج عقدان مسننا الشكل، ويحف بالمحراب من الجانبين عمودان مخلقان يرتكز عليهما العقد الخارجي.
تزين منطقة المحراب من أعلى ومن الجانبين زخارف جصية كتابية وهندسية ونباتية تتميز زخارف القباب التي تغطي بلاطة المحر أبو الجناحين الجانبيين وأروقة الجامع بثرائها بالعناصر الزخرفية الملونة الرائعة، التي تشكل لوحات فنية إسلامية راقية نادرة الوجود. تتخلل المثمنات التي تقوم عليها القباب نوافذ وحنايا معقودة تؤطرها أنواع مختلفة من العناصر الزخرفية الملونة، تفتح بيت الصلاة والأروقة على الفناء المكشوف بواسطة عقود نصف دائرية الشكل تعلوها زخارف هندسية وتنتهي من أعلى بشرفات مثلثة الشكل متدرجة.
يبلغ ارتفاع المئذنة 45 متراً تقريباً وتقف على قاعدة مربعة مرتفعة سميكة الجدران كسيت بأحجار سوداء تسمى أحجار حبشي لمنع تسللا لصدأ إلى أساس وقواعد المئذنة. وتحيط بالمئذنة ثلاث شرفات، وتتوج رأس المئذنة قبة بيضاء تلمع تحت أشعة الشمس والمئذنة من بعيد شبيهة بقلم رصاص مسنون، وعلى جدارها الخارجي طاقات أو فتحات صغيرة جداً متساوية في المسافات لكسر الفراغ الذي بين رأس المئذنة وشرفة الأذان الأولى. وقطر المئذنة عريض لتصمد لقوة الرياح. ولقد كانت مئذنة جامع المظفر القديمة تقع تقريباً بجانب البهو أو الفناء(الشماسي) إلا أنها تهدمت فقام الإمام أحمد بن يحي حميد الدين ببنائها من جديد، وكان ارتفاعها (سبعة طباق) أي بين 25- 35 متراً، ولكنها تهدمت قبل موت الإمام أحمد بشهرين وأعيد بناؤها من جديد في سنة 1984 ولكن في الجهة الخارجية حرصاً على متانة وقوة المئذنة.
العقود القديمة
في عهد الإمام يحيى بن حميد الدين الذي حكم شمال اليمن من 1921 وحتى 1948 ميلادية أدرجت عقود جديدة تحت القديمة، حيث ظهرت على جدرانه وعقوده التشققات، وكان طول جامع الملك المظفر150 ذراعاً وعرضه 80 ذراعاً تقريباً. وفي سنة 1379 هـجرية أوصى الإمام أحمد بن يحي الذي تولى الحكم بعد أبيه »« العلماء بعدم توسعته من الناحية الشمالية حتى لا تتغير ملامح الجامع القديمة، ولذلك تمت توسعته من الجهة الجنوبية. وتم الانتهاء من بناء المؤخرة في بداية 1963 ميلادية، واستمر الجامع بملامحه تلك حتى اليوم، وهو يتسع لنحو500 مصلٍ ويوجد فيه مصلى للنساء يتسع 300 مصلية، ولا يزال عامراً بالمصلين حتى اليوم بل ويشهد إقبالاً كثيفاً خلال هذه الأيام المباركات من شهر رمضان، حيث يرتاده الكبار والصغار من الجنسين.
التوسعة والتجديد
خضعت المدرسة المظفرية للكثير من أعمال التجديد والتوسعة والترميم، وكان أهمها زيادة عمارتها بأمر الملك الرسولي المجاهد علي بن داودبن يوسف بن عمر والزيادة التي تمت في الجهة الشرقية من المدرسة بأمر السلطان الرسولي الملك الأشرف الثاني إسماعيل بن العباس بنعلي بن داود.
في العصر الحديث تعرض مبنى الجامع لأضرار عدة تمثلت في تفتت مادة القضاض بالجدران نتيجة للحفر العشوائي للبئر في الجهة الغربية ونتيجة استخدام الطابق الأرضي لدفن الموتى، وسد النوافذ في بداية السبعينيات من القرن الماضي وقد أدى ذلك إلى انتشار الرطوبة والأملاح مما أثر على أحجار البناء وتسبب في حدوث تشققات ظهرت في الجدران وظهرت كذلك في بعض بطون القباب وجدران بيت الصلاة.