حتى لا يكون رمضان مهرجاناً للغــش

 

“حماية المستهلك” تؤكد: ضعاف النفوس من التجار يستغلون ظروف المستهلكين المعيشية في رمضان ويقومون بممارسة الغش في السلع والخدمات.
“المواصفات والمقاييس”: كمائن الغش تستهدف التمور والمشروبات والعصائر ومنتجات الكاسترد والحلويات والألبان وغيرها من متطلبات شهر رمضان.
يستغل بعض موردي السلع النزعة الاستهلاكية للأسر في شهر رمضان المبارك ويغرقون الأسواق بالسلع المغشوشة كالمواد الغذائية والتي تتم فيها ممارسة الغش التجاري بطرق متقنة عن طريق تعديل تاريخ الإنتاج وتزوير الماركة أو القيام بعملية خلط المواد المنتهية مع المواد التي لم تنته فترة صلاحيتها ويتم الزج بها في الأسواق الشعبية أو في البسطات التي تبيع بضائعها في الشوارع حيث تستقطب المستهلكين محدودي الدخل بسبب انخفاض أسعارها..ونحن هنا لا نخصص، فقد تباع هذه المنتجات في بعض المحلات الكبيرة، هذه المعلومات ليست من ضرب الخيال ولكنها مؤكدة من خلال التقارير والبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة وكذلك الجمعية اليمنية لحماية المستهلك واللتين سبق وان حذرتا من تزايد دخول البضائع الضارة وجرائم الغش التجاري في شهر رمضان.. ولخطورة المشكلة على صحة وسلامة المجتمع نطرحها على طاولة النقاش.. فإلى التفاصيل:
تحقيق/حاشد مزقر

محمد معيض قام بشراء علبة تمر كبيرة وبعد أن قام بفتحها وجدها ممتلئة بالسكر ولونها أصبح يدل على أنها منتهية الصلاحية حيث يقول : حاولت أن أجد لها تاريخ إنتاج وانتهاء فلم أجده وعند إرجاعي إياها للمحل الذي اشتريتها منه أكد لي التاجر بأن سعر هذه العلبة مخفض وتاريخها لم ينته.
وأضاف : بعدها أبلغت المسؤولين في الجهات المختصة لكنهم لم يعملوا شيئاً لأني وبحسب تفسيرهم لم أطلع على تاريخ السلعة قبل شرائها فالمشكلة ليست هنا إنما في تجاهل القانون وعدم تنفيذه والذي يلزم التجار بعدم بيع السلع القريبة من الانتهاء وطبقا لمشاهدات كاتب التحقيق هناك بضائع يتم تزوير تاريخ إنتاجها وتزوير اسم بلد المنشأ كما سمعنا وقرأنا عن شركات تقوم بالتحذير جراء تزوير علامتها وماركتها التجارية، فالأمر واضح ونرجو أن تقوم الجهات المعنية بدورها تجاه صحة وسلامة المواطن.

خلط التالف والسليم
لم يكن محمد الوحيد الذي تعرض للغش فمواطنون كثيرون تعرضوا لبعض حالات الغش في المواد الغذائية وبالتحديد خلال أيام شهر رمضان المبارك.. إبراهيم مسعود قام بشراء احتياجات أسرته من المواد الغذائية ولاحظ أن علبة الحليب التي اشتراها بعد أن قام بفتحها ذات رائحة كريهة مع تغيِّر في لونها مما يدل على أنها منتهية الصلاحية، ويضيف قائلاً: وبعد قراءتي لتاريخ الإنتاج والانتهاء وجدت بأنه تبقِّى على تاريخ الانتهاء ثلاثة أشهر وعند إرجاعي إياها للمحل عرض التاجر كل علب الحليب التي في مخزنه فوجدناها سليمة ومكتوباً عليها تاريخ الإنتاج والانتهاء وأقسم لي أنها قد تكون تالفة من بلد المنشأ وتم زجها مع العلب الأخرى وطلب بأن آخذ علبتين بديلا عن العلبة الأولى.
وتابع : ربما لن يضيع التاجر سمعته من أجلي فهؤلاء قد يأخذون احتياطهم وحتى لا نذهب بعيدا فكثير من الشوارع وحتى السوبر ماركت تعرض بضائع ومواد غذائية بأسعار مخفضة وتحديدا في هذا الشهر الفضيل وللأسف زبائن هذه المواد من أصحاب ذوي الدخل المحدود الذين يبحثون عن الرخيص وهذه السلع مشكوك في صلاحيتها.. واختتم حديثه قائلاً: أطالب المسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة بأن يتحملوا المسؤولية في الرقابة على السلع وضبط المتلاعبين بسلامة صحة المواطنين.

غياب الوازع الديني
فيما أشار عبدالله حميد- تاجر جملة مواد غذائية إلى أن هذا الغش قد يطال التاجر نفسه ومن غير المعقول أن نقوم كتجار بفحص جميع السلع وفي كل الأحوال، فالوازع الديني لدى التاجر أو المورد أو حتى لدى الجهات الرقابية في المنافذ الحدودية هو المحك لأن التجارة بهذه الطريقة تجعل من الربح غير المشروع تجارة خاسرة وعلى مكاتب الصناعة والتجارة تحمل مسؤوليتها الرقابية سواءً في شهر رمضان أو في الأشهر الباقية.
ومضى يقول: إننا كتجار نحاول أن نكسب سمعة طيبة لكي نحافظ على زبائننا لذا لن نضر أنفسنا وعملاءنا.. ونحن لا ننكر وجود بعض المواد الغذائية التي أصبحت مقاربة للانتهاء أو المنتهية أصلا والكل يعرف أنها تباع على الأرصفة أو في الأسواق الشعبية وفي ما يخص منع عملية التزوير والغش التجاري فهذا مسؤولية الجهات المختصة وليس من مسؤوليتنا.
لكن يخالفه الرأي أحمد عبدالملك أحد موظفي المجلس المحلي بأمانة العاصمة حيث يؤكد أنه وزملاءه ومن خلال طبيعة عملهم لا لاحظوا بأن العديد من البضائع التي تأتي بها المحلات ومراكز البيع المختلفة لا يركز فيها التجار على الجودة أو قيمتها الغذائية ولكنهم يحاولون الحصول على الأرباح المادية السريعة كونهم يعتبرون أن شهر رمضان موسم يزداد فيه الاستهلاك مع العلم بأن هؤلاء يعملون بالمثل القائل : (التجارة شطارة).وقال: الدور الرقابي الذي تقوم به المجالس المحلية ومكاتب الصناعة والتجارة وصحة البيئة يكاد يكون منعدماً وما نرصده من مخالفات يؤكد لنا أن الأسواق تعج بالسلع المنتهية وغير الصحية.

طرق عديدة للتزوير
في سياق متصل يؤكد المهندس عبدالرحمن الكستبان مدير دائرة التفتيش الفني في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة.. وجود العديد من السلع المغشوشة في الأسواق حيث يزداد الطلب عليها من عامة الناس في شهر رمضان مما يشجع ضعفاء النفوس وعديمي الضمير إلى ترويجها وقد تكون بضائع مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو رديئة الجودة، مستغلين زيادة إقبال المواطنين على شراء تلك السلع وعلى وجه الخصوص السلع الغذائية ومنها التي تستهلك بشكل كبير كالتمور والمشروبات والعصائر ومنتجات الكاسترد والحلويات والشوربات والألبان وغيرها من متطلبات شهر رمضان.
وزاد بالقول:الغش التجاري مصطلح واسع وله عدة تفسيرات قد يعني إخفاء العيوب (مثل أن يكون التمر الجيد في اعلى العلبة والرديء في أسفل العلبة) أو القيام بتغيير تركيب المنتج واستخدام مكونات رخيصة الثمن أو القيمة الغذائية (مثل نزع من الحليب الدهن واستبداله بزيت نباتي أو استخدام المحليات الصناعية بدلاً عن المحلي الطبيعي في المشروبات أو استخدام أجزاء اللحم الرديئة في إنتاج اللحم المفروم والذي يستخدم عادة في رمضان في صناعة السمبوسة) أو التلاعب في الأوزان والمقاييس للمنتج (مثل استخدام موازين غير قانونية وغير معايرة في الوزن أثناء البيع والشراء والتطفيف في الميزان) أو قد يكون الوصف الكاذب للمنتجات (مثل تسمية مسحوق الشراب انه طبيعي في جين يحتوي على الوان ومنكهات صناعية) أو بيع منتجات منتهية الصلاحية (مثل تغيير تعبئة بعض المنتجات المنتهية أو قريبة الانتهاء من عبوتها الأصلية إلى عبوة أخرى بتاريخ جديد بهدف الغش) وغيرها من مظاهر الغش الخبيثة التي يبتكرها عديمو الضمير.

دور هيئة المواصفات والمقاييس
وعن دور الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة قال المهندس الكستبان: الهيئة تقوم بواجبها في مجال اختصاصها في حماية صحة وسلامة المستهلكين بالرقابة على السلع والبضائع المختلفة سواء الداخلة إلى البلاد حيث يتم إخضاع تلك السلع لإجراء الرقابة والتفتيش في المنافذ ومراكز الرقابة بالسبة للسلع المستوردة أو عن طريق الرقابة على المصانع والمعامل والمنشآت الإنتاجية المحلية وكذا العمل على توعية المواطنين عبر وسائل الإعلام المختلفة كذلك عن طريق توزيع البروشورات والبوسترات التوعوية.
ويوضح بالقول: الرقابة المباشرة على المنتجات الغذائية في الأسواق من اختصاص جهات رقابية أخرى وهنا ننبه المواطنين بالتحري عند شراء السلع والمنتجات المختلفة والتأكد من سلامتها ظاهرياً من حيث خلوها من أي مظاهر الفساد مثل انتفاخات المعلبات أو اهتراء المنتج وتغير في صفاته الظاهرية وكذا الابتعاد عن الشراء من المنتجات المعروضة في الأرصفة والشوارع وأماكن بيع المنتجات الرديئة والقريبة الانتهاء.

حماية المستهلك
الجمعية اليمنية لحماية المستهلك أكدت على لسان رئيسها فضل مقبل منصور أن دورها هو إبلاغ ومتابعة الأجهزة الحكومية وقد عملت الجمعية منذ سنوات من أجل تسليط الضوء على هذه القضية الهامة وعقدت الورش والندوات ومشاركات كافة الجهات المعنية بمحاربة الظاهرة والحد منها، على سبيل المثال نظمت الجمعية ندوتين خلال العام 2019م وأصدرت توصيات ووجهت الحكومة بتنفيذها من قبل كافة الأجهزة المختصة بما فيها الغرف التجارية والصناعية، كما تم نشر فلاشات توعوية واسكتشات إذاعية حول خطورة الظاهرة عبر كافة وسائل الإعلام خلال العام الماضي ومطلع هذا العام، كما نظمت الجمعية برنامجا تدريبياً استهدف الموظفين المعنيين في الأجهزة الحكومية وكذلك السلطة القضائية ممثلة بالحكمة التجارية والاستئناف ومكتب النائب العام ونقابات الاستئناف والصناعة والتحارة والمخالفات إضافة إلى مأموري الضبط القضائي والرقابة والتفتيش في كل من مكتب الصناعة والتجارة ومكاتب الأشغال على مستوى مديريات الأمانة واستمر التدريب لمدة أسبوع وذلك خلال الفترة من ١٥- ٢٠ فبراير ٢٠٢٠م.
وأضاف قائلا: مع حلول أي مناسبة دينية وخاصة شهر رمضان يقبل المستهلكين على شراء احتياجاتهم وخاصة من السلع الأساسية وفي المقابل يقوم ضعفاء النفوس من التجار باستغلال هذا الإقبال واستغلال المناسبة وظروف المستهلكين المعيشية ويقومون بممارسة الغش في السلع والخدمات سواء كان في الغذاء أو الدواء أو الملابس وغيرها من السلع مما أصبحت مشكلة متجذرة ومتعددة النواحي مع تزامن شهر رمضان بمخاطر انتشار فيروس كورونا في جميع دول العالم فاصبح المستهلكين في هلع للبحث عن توفير احتياجاتهم من المواد الغذائية ووسائل التعقيم وغيرها، ما أثر على توفر هذه السلع في الأسواق مثل المعقمات والمطهرات وارتفع سعرها خمسة أضعاف ما كانت عليه.
ولفت مقبل إلى أن معظم السلع التي تباع في الأسواق سواء المستوردة أو المنتجة محليا أو الخضار واللحوم وغيرها من السلع الغذائية لا يتوفر بها ما يسمى بمواصفات الغذاء الآمن Food Safety ) ) لعدم توفر الأجهزة والكادر الفني المتخصص، كما إن طرق النقل والتخزين والعرض للسلع الغذائية التي تتم في أسواقنا تعتبر عوامل مساعدة لرداءة السلع وسرعة تلفها إلى جانب غياب أجهزة الرقابة الحكومية المعنية برقابة الأسواق كالصناعة والتجارة وصحة البيئة والسلطة المحلية .
مؤكدا أن هنالك أيضا طرق غش أخرى كالغش عن طريق تزوير الموازين التي تقيس أوزان السلع الغذائية مثل القمح والدقيق والأرز والسكر حيث يتم إنقاص الوزن بنصف كيلو إلى كيلو بالقطمة الواحدة ومن ثلاثة إلى أربعة كيلو بالجونية عبوة ٥٠ كيلو أو أربعين كيلو وهناك بعض السلع تباع بدون بيانات وهذا مخالف للمواصفات القياسية المعتمدة لهذه السلع.

دور الجهات الأمنية
ويلخص القانون دور الجهات الأمنية في قضايا حماية المستهلك في فرعين رئيسيين : الأول دور الشرطة وفقاً لأحكام الدستور والقانون من خلال أحكام المادة 34 من الدستور اليمني والمادة رقم 46 لسنة 2008م ، والمهم في هذه المواد أنها بينت أن القانون لم يمنح وزارة الداخلية أي دور مباشر في هذا الشأن لا من حيث إمكانية تلقي الشكاوى وتحديد الأشياء والسلع المخالفة وضبط المخالفين ولا من حيث التنسيق بين أجهزتها المعنية وبين الإدارات العامة المعنية بحماية المستهلك في إجراءات الضبط والتحري، وهنا يظهر التغييب الواضح لدور وزارة الداخلية في قضايا حماية المستهلك وعدم اعتبارها من الجهات المختصة التي تخولها التشريعات النافدة أعمالا رقابية ذات علاقة بأحكام قانون حماية المستهلك وعليه يصبح الأمر سهلا على أصحاب النوايا السيئة والمتاجرين بأقوات وغذاء المواطنين بسبب انعدام الرادع الذي يستطيع أن يمنعهم من كل جرم يقترفونه بحق المستهلك اليمني.

مخالفات تملأ الأسواق
مما سبق يتضح جليا أنه مع قدوم شهر رمضان من كل عام تنتشر السلع المغشوشة بشكل غير طبيعي وتباع على أرصفة الشوارع وفي الأسواق الشعبية وتشكل ظاهرة غير طبيعية تفوق بحجمها أضعاف السلع السليمة والتي تباع في أماكن جيدة ويعود ذلك العبث إلى عدة أسباب أهمها الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة لدى غالبية المستهلكين والذين يبحثون ويجرون وراء الرخيص وكذا انعدام الأخلاق والقيم وغياب الضمير لدى كل من يمارس ويزاول ويساهم في البيع والترويج لهذه السلع التي تجلب المرض وتدمر المستهلك والاقتصاد الوطني ومن اهم الاسباب غياب دور الرقابة بشكل مستمر ما أوجد سوقاً كبيرة جدا تتركز في الأسواق الشعبية والأرصفة وفي الأرياف والقرى وفي الأسواق الأسبوعية وعبر الباعة المتجولين .

قد يعجبك ايضا