أيام قلائل ويحل علينا أكرم الشهور ،ما أروعها من روحانية وطمأنينة ونحن نعيش لحظات الانتظار لقدوم ضيف عزيز علينا بغض النظر عن الأحداث أو الأوضاع المضطربة التي يمر بها الوطن والعالم فقدسية هذا الشهر ومكانته العظيمة التي بيّنها وبيّن فضلها الشرع الحكيم قد هوّنت مصائبها.
رمضان الذي يأتي هذا العام في ظروف استثنائية غيرت بشكل غير مسبوق مظاهر الحياة العامة والاختلاط بين الناس لكنّ مشاعر السعادة والابتهاج التي تملأ نفوس الكبار وعقول الأطفال وصغار السن بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك تنقلب هموما ومخاوف في قلوب الكبار من الآباء والأمهات مع الانتشار الكبير لجائحة كورونا في العالم والإجراءات الوقائية التي تقوم بها بلادنا لتجنب هذه الجائحة:الاسرة / زهور عبدالله
يأتي رمضان هذا العام وملايين الناس حول العالم تحت الحظر سواء الكلي أو الجزئي وتنفذ نظرية التباعد الاجتماعي لحماية أنفسهم من انتشار فيروس كورونا لذا فإن رمضان هذا العام سيكون تجربة مختلفة تماما لمعظم المسلمين في دول العالم وسيكون رمضان هذا العام خاليا من اهم مميزاته كالعزائم والولائم العائلية لوجبة الإفطار.
فيروس كورونا الذي أصاب معظم دول العالم سيكون عائقاً أمام الجميع للقيام بما اعتادت عليه خلال السنوات الماضية خشية أن تكون تلك العادات سبباً في انتشار هذا المرض بين العائلات والأصدقاء.
وتقول الأخصائية الاجتماعية أحلام صالح المرتضى: يهل علينا شهر رمضان هذا العام وأسواق عامة تعج بالباعة والمتسوقين ومعارض استهلاكية مزدحمة على آخرها وسباق محموم على شراء المواد الاستهلاكية من الأغذية والكماليات من قبل الجميع.. هذا ما يبدو عليه المشهد العام في الأيام الأخيرة من شهر شعبان في بلادنا رغم التحذيرات المستمرة من قبل الجهات المختصة لتجنب الأماكن المزدحمة والالتزام بالبقاء في المنزل وتعيش الأسرة اليمنية في مثل هذا الوقت من العام وقبيل أيام من حلول الشهر الكريم حالة استنفار كبيرة استعداداً لقدوم رمضان وتلبية متطلباته من المواد والتموينات اللازمة وهو ما يراه كثير من المختصين الاجتماعيين سلوكا استهلاكيا مبالغاً فيه وممارسة خاطئة وغير مبررة من شأنها أن تضيف المزيد من الأعباء المادية على ميزانية الأسرة في الوقت الذي تكون فيه هذه الأسرة بحاجة ماسة إلى استثمار ماينفق في هذا الهلع الاستهلاكي في أمور أكثر نفعا وخاصة بعد انتشار جائحة كورونا في معظم دول العالم.
عادات كثيرة اختفت
أما سيدة الأعمال إيناس عبدالسلام تاجرة في العطور والساعات فقالت : اختفت مظاهر البذح والمبالغة في اقتناء مستلزمات ومتطلبات شهر رمضان هذا العام على مستوى الشراء والتبضع واختفت عادات كثيرة ارتبطت بمناسبة العيد لم تكن حاضرة هذا العام بسبب التزام الناس بالمنازل وعدم الخروج إلا للضرورة وتجنب الزحام حيث كانت الاستعدادات في الأعوام الماضية تبدأ منذ وقت مبكر لكن الأمور اختلفت هذا العام حتى على مستوى التسوق وشراء كل المقتنيات حيث تركت الأسر هذه العادة تحت ضغط الظروف المادية العسيرة بسبب العدوان والحصار إضافة إلى الابتعاد عن زحمة التسوق بسبب جائحة كورونا.. مما جعل الاستعدادات لشهر رمضان هذه السنة متواضعة جدا وفي أدنى مستوياتها وأن عدداً كبيراً من الذين وجدوا أنفسهم هذه السنة مجبرين على الالتزام بالبقاء في المنزل وتجنب الزحمة والأسواق والاكتفاء بالأشياء الضرورية في ظل الحماية من فيروس كورونا.
محطة للتآخي والمحبة
يدخل شهر رمضان هذا العام على اليمنيين ليمثل فرصة جديدة لطيّ صفحة الماضي ويعلن بدء عهد جديد من التسامح والمحبة بين أبناء الوطن الواحد.
ويقول العلامة وليد أحمد :إن حلول مناسبة شهر رمضان يتيح الفرصة مجددا لليمنيين بتناسي خلافاتهم والسمو فوق جراحاتهم.
ويضيف: رمضان محطة للحب والتسامح والتكافل الاجتماعي وتعزيز قيم التراحم بين المسلمين وعلى اليمنيين في هذه الظروف العصيبة التي تعيشها بلادهم تحت العدوان والحصار أن ينتصروا لهذه القيم الإسلامية ويعملوا من أجل وطنهم وأمتهم من خلال تغليب مصالح الوطن العليا على كل المصالح الضيقة والأنانية وأن يكونوا صفاً واحداً من أجل الحفاظ على مكتسبات الوطن وحماية أمنه واستقراره ووحدته .
ويضيف :أوقف كورونا المصانع الاستثمارية الكبرى وأغلق أشهر وأعظم المنشآت السياحية والأندية الرياضية وعطل شركات الطيران حول العالم وغزا قصور القادة وحصونهم وأصاب المشاهير في مجال السياسة والفن والرياضية ونال من قيادات الصف الأول في كثير من البلدان المتقدمة ولم تقف الحصون والبروج المشيدة في طريقه أو ليس في ذلك آيات للناس ورسائل متعددة عليهم اليوم قراءتها والتمعن فيها جيدا ويجب على الجميع اليوم وقبل أن يتعمقوا في اتخاذ التدابير الوقائية المشددة لتلافي خطر كورونا أن يسارعوا إلى العمل على وقف نزيف وانهار الدم في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وغيرها من بلدان المسلمين.
الصورة الأخرى
كورونا الذي يزحف بصمت ويجتاز الحدود دون تأشيرات وينشر الذعر والهلع بين البشر دون ضجيج أغلق حدود الدول وأجبر الأنظمة السياسية العتيدة على عزل نفسها وأعلن الطوارئ في شتى أنحاء المعمورة قتل الآلاف من البشر وأصاب الملايين منهم ولايزال يضيف المزيد والمزيد إلى قائمة ضحاياه كل ساعة وكل يوم بينما يقف العالم بكل إمكانياته وما توصل إليه من أحدث التقنيات العلمية عاجزاً أمام فتوحاته المتواصلة منذ أشهر..
كما يقول كثير من العلماء والعارفين بخفايا الأمور: جاء “كورونا” ليقول لهذا الإنسان المتغطرس وقد بلغ من العلم والمعرفة ما مكنه من إنتاج كميات من أسلحة القتل والدمار ما هو كفيل بنسف الأرض عن آخرها ووصل بما آتاه الله من العقل والتمكين إلى غزو الفضاء بأنك أيها المخلوق الجاحد والمتناسي لخالقك أضعف بكثير وأوهن وأعجز من أن تواجه أصغر الفيروسات فكيف برب الأرباب وملك الملوك والقادر على كل شيء؟
إحياء للضمائر
وبحسب وصف الساسة والقادة فإن هذا الفيروس الصغير الذي بات يشكل اكبر تهديد للكون في مختلف أرجاء الأرض أتى ليوقظ الناس من غفلة استحكمت على قلوبهم ونفوسهم وليحيي ما مات من الضمائر والأخلاق أتى ليرى هذا المخلوق المتجبر بأم عينيه كم هو صغير وضعيف وعاجز وأنه مهما امتلك من القدرات والإمكانيات فلن يستطيع أن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال، فحري بالأمم اليوم أن تتخلى عن العناد والمكابرة والكف عن كيل الاتهامات لبعضها العض بالوقوف وراء انتشار هذا الفيروس والبحث العميق عن الأسباب الحقيقية للوباء والطرق المثلى لوضع نهاية له ،كما يجب على كل الأمم اليوم وخاصة في منطقتنا العربية ومن شرّفها الله بحمل رسالة الإسلام أن تصلح شأنها وتسارع إلى إنهاء المظالم والعودة إلى صراط الله المستقيم وتجنب كل ما يغضب الخالق العظيم.
وينبغي علينا اليوم أن ننظر إلى كورونا كابتلاء في ظاهره العذاب وفي باطنه الرحمة ونعي جيدا الإشارات الربانية التي تنطوي عليه هذه المحنة ونتعامل معه ليس كفيروس إبادة وإنما كرسالة حياة للقلوب والضمائر ونبادر للعودة إلى الله والتضرع إليه سبحانه بأن يرفع البلاء ويكشف الغمّة وأن نعزّز يقيننا وإيماننا بالله وأن لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.