تمتلك بلادنا مخزناً كبيراً وثروة هائلة من الآثار المختلفة، حيث تتعرض هذه الآثار إلى اعتداءات متكررة خلال السنوات الخمس الماضية، وقد طال القصف والتدمير والنهب والإخفاء والتهريب عدداً غير قليل من تلك الآثار التي يُقدَّر عمر جزء كبير منها بقرابة الخمسة آلاف عام.
هذه الآثار منتشرة في مواقع مختلفة في المتاحف وفي المواقع والمدن الأثرية كما تتواجد في منازل بعض الشخصيات، تم اقتناؤها بطريقة أو بأخرى على الرغم من أن هذه الآثار هي ملك لكل اليمنيين ولا بد من التحفظ عليها ووضعها في الأماكن المخصصة لها وهي المتاحف.
لقد استغلت دول العدوان حربها وقصفها للمواقع الأثرية واحتلالها للأراضي اليمني فعاثت فساداً وأسست لمليشيات مسلحة محلية من المرتزقة يأتمرون بأمرها وينفذون للأسف مخططاتها في الاستيلاء على ما هو ثمين في هذا البلد وهي الآثار، وارتكبت الكثير من الجرائم الإنسانية والتاريخية التي لا تنساها الأجيال القادمة.الثورة / خليل المعلمي
عقدة هوية وحضارة
تشير الكثير من الدراسات العلمية إلى أن المجتمعات التي لا تاريخ لها أو حضارة أو هوية؛ يتملكها حقد دفين وعدوانية طافحة ضد المجتمعات ذات العراقة والأصالة والتاريخ والحضارة، وبالتالي عندما تسمح لها الفرصة في السيطرة؛ فإنها لا تتوانى عن طمس ومسح وتدمير كل معالم الحضارة والعمران البشري في المجتمعات التي تعتدي عليها، وهذا ما حدث من قبل العدوان السعودي والإماراتي من خلال استهدافه للآثار اليمنية والمعالم الحضارية التي اكتسبها اليمن على مر العصور، من خلال قصف المناطق التي لم يستطع الوصول إليها مثل مدينة صنعاء القديمة ومتحف ذمار الإقليمي الذي تم استهدافه بغارة جوية عام 2015م، وهو يضم 12500 قطعة، ولم يتم الحصول من بين الأنقاض سوى على 5000 قطعة، فيما تعرض متحف تعز للنهب من الجماعات المسلحة لبيع القطع الأثرية التي كانت بداخلة لسماسرة الآثار، كما تم استهداف العديد من المعالم والمراكز الثقافية في عدد من المحافظات.
تهريب الآثار
لقد عملت دول تحالف العدوان على إنشاء المليشيات المسلحة في المناطق التي تحتلها وبالتالي عاثت الفساد في هذه المناطق وسعت من خلال ذلك إلى إثارة الفوضى والاستفادة من ذلك لتهريب الآثار اليمنية.
وهناك عدة أسباب لاستمرار ظاهرة تهريب الآثار تتمثل في تغييب مؤسسات الدولة من قبل دول العدوان وكذا ضعف التشريعات والقوانين الخاصة بحماية التراث، إضافة إلى “قلّة التوعية في أوساط المجتمع بأهمية الحفاظ على الممتلكات الثقافية، كما أن للأوضاع المعيشية التي دفعت الكثير من السكّان القاطنين بالقرب من المناطق الأثرية على مدار السنوات الماضي إلى اعتبار تجارة الآثار مهنةً تُدرّ الكثير من المال دون بذل الكثير من الجهد، ولم يقتصر هذا النشاط على هؤلاء؛ بل وكذلك ممارسة العديد من المتنفذين والمسؤولين داخل البلد من خلال قيامهم باقتناء هذه القطع الأثرية والاحتفاظ بها كديكور في منازلهم، وهذا ما حدث خلال السنوات الماضية وتم الكشف عنه وإعادة هذه القطع إلى الجهات الرسمية.
فخلال فترة النظام السابق الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، اعتاد مسؤولون اقتناء قطع أثرية ذات قيمة ثقافية وتاريخية ووضعها في منازلهم، من بينهم القيادي العسكري المقرَّب من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، مهدي مقولة، حيث تم الكشف عن امتلاكه متحفاً أثرياً في منزله أواخر 2017م، وهو واحد من ضمن عشرات القيادات التي عُرفت بتهريبها الآثار آنذاك.
سماسرة الآثار
أما في المناطق التي تسيطر عليها دول العدوان، فقد قام بعمليات السرقة للآثار معتمدة على سماسرة في تهريب الآثار اليمنية والحصول عليها وعرضها في متاحفه، مثل الآثار التي تم عرضها في متحف اللوفر في أبو ظبي.
وقد كشف باحث أمريكي متخصص في الآثار أن الإمارات قامت بسرقة آثار يمنية وقامت بتهريبها لتبيعها لبعض الدول ومنها أمريكا، وأكد الباحث “الكسندر ناجل” أن هناك أكثر من مليون قطعة تتم سرقتها بشكل دوري.. مضيفا إن عدداً من تجار الآثار تقمصوا دور الباحثين والدارسين والمنقبين من أجل تنفيذ مخطط السرقة لتاريخ يتحدث عن اليمن، فعملوا على تهريب عدد من الآثار إلى أمريكا وأصبح لديهم متاحف تحتوي قطع بملايين الدولارات وأن أحدهم بلغت ثروته 34 مليون دولار.
وكشف هذا الباحث أنه يتم تهريب قطع الآثار من اليمن عبر دول مثل الإمارات وإسرائيل قبل وصولها إلى الولايات المتحدة، وأكد تورط العديد من المستكشفين والأكاديميين والدبلوماسيين في تهريب الآثار من اليمن.
تهريب ممنهج
من جانبها كشفت عدد من اللجان الدولية عن تهريب ممنهج تمارسه أدوات وأذرع للآثار اليمنية، ما اعتبرته نكسة للحضارة البشرية والتاريخ الإنساني، وبحسب هذه اللجان، فإن الإمارات نجحت في تهريب نحو نصف مليون قطعة أثرية، وأن قيمة القطع قد تراوحت بين 5000 دولار و100.000 دولار تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، وقد احتوى متحف “اللوفر – أبوظبي على القدر الأكبر من تلك القطع، فيما توزع البقية على متاحف أخرى وعائلات ثرية في الإمارات، كما تم بيع الكثير منها في مزادات خاصة في أوروبا وأمريكا.
جزيرة سقطرى
تعتبر جزيرة سقطرى إحدى المناطق الطبيعية التي لم تطلها يد الإنسان في التغيير والتحوير، وقد تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو، كما تم إعلانها محمية طبيعية في العام 2000م، لما تحتويه من طبيعة خلابة وتنوع حيوي ونباتي فريد، وتحاول دويلة الإمارات السيطرة على جزيرة سقطرى، كما تعمل من خلال مرتزقتها على زعزعة الأمن فيها، ووصل الأمر إلى تهريب عدد من النباتات النادرة التي تختص بها الجزيرة ومنها شجرة دم الأخوين لإعادة زراعتها في بلدهم، وهذا يخالف القوانين اليمنية التي تمنع إخراج أي صنف نباتي أو حيوي من الجزيرة، كما قامت هذه الدويلة بسرقة كميات كبيرة من أحجار الشعاب المرجانية والطيور النادرة وغير ذلك من الاعتداءات.
إحصائيات
وفي ظل العدوان السعودي الإماراتي تشير الإحصائيات إلى أنه تم بيع قرابة مائة قطعة في مزادات علنية، أما خلال أقل من عشر سنوات، فقد بِيع ما لا يقلّ عن مائة قطعة أثرية من اليمن في مزادات علنية بمبالغ تُقدَّر بمليون دولار أمريكي في كلّ من الولايات المتّحدة وأوروبا والإمارات، وتشملُ تلك القطع نقوشاً قديمة وتماثيل ومخطوطات تعود إلى العصور الوسطى، بحسب ما تم الكشف عنه موقع “لايف ساينس” المختصّ في العلوم والآثار.
وتعد هذه القطع الأثرية بحسب خبراء الآثار حلقات علمية متسلسلة، تدل على مستوى تطوّر حضارةٍ من الحضارات علمياً وثقافياً وفنياً وعسكرياً، ومراحل ذلك التطور وتنوّعه مكانياً وزمانياً، وبالتالي فإن عملية تهريبه وبيعه تُفقِد البلد حلقةً علمية من حلقات هويته التاريخية، مشيرين إلى أن من شأن ذلك أن يُحدث فجوةً تاريخية كبيرة، فاليمنيّون برعوا في كثير من العلوم والآداب والفنون، لكنَّ كل ذلك يظلُّ مجرّد حديث ما لم تكن هناك آثار تؤكّده.
وما يقال إن ما أقدم عليه العدوان من استهداف للتراث اليمني وما سرقته الإمارات من آثار يعتبر جريمة تاريخية لن تنساها الأجيال الحالية والقادمة، وستتم محاسبتها بحسب القوانين والاتفاقات الدولية الخاصة بالتراث الثقافي.