ليس هناك من تفسير لهرولة بعض القوى السياسية والحزبية وراء افتعال الأزمات والتوظيف الانتهازي لمناخات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير في التماهي مع العناصر الخارجة على النظام والقانون والقيام بالاحتجاجات والاعتصامات التي تستهدف تعطيل حركة الاقتصاد وإعاقة التنمية والإضرار بالمصالح الوطنية العليا.. لا تفسير لكل ذلك عدا أنه يندرج في إطار الفساد السياسي الذي صار يمثل العامل الطاغي على تصرفات وممارسات هذه القوى السياسية والحزبية بعد أن وجدت نفسها لا تملك مشروعا◌ٍ وطنيا◌ٍ أو حلولا◌ٍ أو رؤى واضحة وعقلانية لكل ما ترفعه من الشعارات وكل ما تروج له من الأوهام والدعاوى الباطلة وما تتبناه من المواقف التي يغلب عليها الشطط والتشنج والفهم القاصر والغايات الذاتية والأنانية الضيقة.
وبحكم افتقار هذه القوى للمقومات السليمة التي تمكنها من ممارسة دورها البناء والإيجابي في خدمة الوطن وتطلعات أبنائه¡ فقد عمدت إلى ممارسة الفساد السياسي بمنهجية منظمة من خلال الركض وراء اختلاق الأزمات وتسميم الحياة السياسية وإشعال الحرائق والتحالف مع عناصر الفتنة في صعدة على حساب دماء الشهداء والجرحى والمعاقين من أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية والمواطنين¡ وكذا الانسياق إلى توفير الغطاء للعناصر الانفصالية والدفاع عن الخارجين على الدستور والنظام والقانون من المخربين وقطاع الطرق ومحترفي اللصوصية والمجرمين الذين يعتدون على حرمات المواطنين ودمائهم وأرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم ويعملون على إقلاق السكينة العامة وزعزعة الأمن والاستقرار والترويج للنعرات المناطقية وثقافة الكراهية والبغضاء المسيئة للوحدة الوطنية والمثيرة للفتن والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد.
وبفعل انغماس هذه القوى في أوحال الفساد السياسي الذي لا ي◌ْقاس بأي فساد آخر بالنظر إلى أضراره الماحقة وإفرازاته المدمرة وانعكاساته الفادحة على الأوضاع الاقتصادية والتنموية والسياسية والاجتماعية¡ فقد انجرت هذه القوى إلى التحلل من كل الضوابط الدستورية والديمقراطية التي تستمد منها مشروعية عملها من خلال دعواتها إلى تنظيم الاعتصامات من وقت لآخر بغرض التصعيد والتحريض على العنف والفوضى وإثارة المخاوف لدى المستثمرين الذين يدفعهم الشعور بعدم الاستقرار السياسي إلى صرف النظر عن الاستثمار في اليمن¡ لما يعنيه ذلك من إضاعة للآلاف من فرص العمل أمام الشباب المنخرطين في طابور البطالة¡ الذين كان بوسعهم تأمين مصادر العيش لهم ولأسرهم من خلال العشرات من المشاريع الاستثمارية التي عزف أصحابها عن المجيء إلى اليمن جراء إحساسهم بعدم الاطمئنان وهم يتابعون مظاهر التأزيم التي تفتعلها هذه القوى من “تجار الأزمات والحروب” عبر ضجيجها وصراخها وعويلها في بعض وسائل الإعلام إما حبا◌ٍ في الظهور والشهرة أو رغبة في إيصال رسالة خاطئة للآخرين عن الأوضاع في اليمن.
واللافت حقا◌ٍ أن هذه القوى السياسية والحزبية وهي تمارس الفساد السياسي الذي يعد من أبشع أنواع الفساد¡ هي من تضخمت لديها “عقدة الأنا” حتى صارت تختزل الوطن في شخوصها ومصالحها الضيقة لتبرهن بذلك على أن ما يهمها فقط هو التدمير والتخريب والوصول إلى كراسي الحكم على الأشلاء وإغراق الوطن في طوفان الفوضى يدفعها إلى ذلك ضغط بعض المصلحيين والمقامرين الذين يتحكمون بمصائرها واتخاذها سلما◌ٍ لتنمية أرصدتهم البنكية وحجم العقارات التي يملكونها في الداخل والخارج.
ولأن هذه القوى السياسية والحزبية قد استمرأت إنتاج الأزمات والتكسب والتمصلح من وراء فسادها السياسي¡ فإنه وكلما لاحت في الأفق بارقة أمل لاحتواء ما تفتعله من الأزمات وتهيأت المناخات الملائمة لتحقيق التوافق الوطني وتعزيز عوامل الثقة بين مكونات العملية السياسية¡ اتجهت تلك القوى إلى تعكير الأجواء وإقامة التحالفات المشبوهة والإيغال في التصعيد والتأجيج إلى درجة أنها صارت ترفض أي رأي حتى ولو كان صوابا◌ٍ وترفض كل رؤية تتقدم فيها مصلحة الوطن على مصالحها الذاتية والأنانية!.. بل أنها ترفض أي شيء وكل شيء لا يتفق مع فلسفتها في ممارسة الفساد السياسي والتي تقوم على نزعة انتهازية تروم إلى التفرد والسيطرة والتحكم بمقدرات هذا الشعب!!.
وعقليات بهذا الفجور والفساد السياسي¡ يصعب إقناعها بصواب الرأي وحجة المنطق وسداد الرؤية¡ لاعتمادها في كل تحركاتها على منظور مصلحي انتهازي دون إدراك من هذه القوى السياسية والحزبية أن استمرارها في التغريد خارج السرب إنما هو الذي يزيدها انحسارا◌ٍ وعزلة وإبتعادا◌ٍ عن الناس الذين ملøوا هذا الاندفاع الممجوج والنشاز الذي لم يعد يطرب أحدا◌ٍ.
Prev Post
Next Post