مشاريع مستعجلة 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن  
كان قد زارني متحمسا لفكرة في رأسه يريد أن نتعاون لإخراجها إلى حيز الواقع يكون من شأنها التوعية وتغيير أفكار الشباب الراكدة بأفكار بيئية هامة تعطي معنى لحياتهم وتعلمهم أهمية العمل الطوعي من اجل مجتمعهم. والحماس لهذا النوع من الأنشطة هو دائم الرسوخ في نفسي وهو الذي يسير حياتي دائما لذا وافقت على التعاون وبدأت الترتيب الفكري والذهني والنظري وما يصحبه من خطوات عملية حتى الوصول إلى ضمانات تجعل الجهد الذي سنقوم به جهدا مثمرا مستمرا مترسخا في النفوس مدى حياة الشخص المستهدف سواء بقينا بعده لمتابعة أفكارنا أو رحلنا. وعندما اجتمعنا ثانية وعرضت عليه الكيفية التي أرى بها تنفيذ مشروعنا بدا على وجهه الشرود ونوع من خيبة الآمل. فالفكرة في ذهنه لم تكن تزيد عن نشاط يوم واحد سريع يتم فيه حشد الأشخاص والقيام بفعل إعلامي صاخب وجعل صدى الموضوع يتردد في كل مكان ولديه ثقة أن الآثر سيكون كبيرا بدون حاجة لفحص ذلك الآثر ولا للتأني في رسم الخطوات ولا حتى توقع آثار سلبية ناتجة عن وصول بعض أصحاب المصالح المتعارضة مع الفكرة لتحقيق مآرب أخرى بمجرد منحهم فرصة الوجود في مواقع عبرها يحققون أغراضهم. التنمية فعل الصابرين: كيف يحدث التغيير وكيف يتحقق الفعل المنتج الخلاق¿ كيف يتحول الشباب من كتلة مصمتة فاقدة للطموح والتطلع الإيجابي إلى رؤوس وقلوب تدفع الغالي وتجود بالروح في سبيل ما تعتقد انه صحيح¿. كيف تنجح حركات التطرف في استقطاب الشباب وجعلهم عجينة رطبة تتحرك في يدها كما تريد وتخدم مصالحها كما تحلم¿. هل تفعل ذلك بين يوم وليلة¿ هل تكتفي بمحاضرة تنوير وجلسة وعظ عابرة¿ لو كان ذلك هو الحال لتمكنت الجامعات من صنع المعجزات وتمكنت المدارس والمساجد من صياغة الأجيال المنتجة المبدعة المبتكرة المتوجهة نحو المستقبل والمحققة لإرادة التغيير. لكن ذلك لا يحدث هكذا ببساطة. فبوسع المدارس والجامعات والمساجد أن تصنع هذه الأجيال المطلوبة لكنها في الوقت الراهن غالبا تخرج فقط مجاميع من البشر من فاقدي الآمل والطموح الذين يسهل استقطابهم وتحويلهم إلى مواقع صراع للقوى المسلحة بعزيمة الصبر وإرادة الوصول إلى هدف محدد بكل الطرق الصحيحة والسقيمة. تفشل المدارس والمساجد ووسائل الإعلام والجامعات في ملامسة الشباب وتعبئة رؤوسهم وطاقاتهم عندما تضيع عندها الرؤية. عندما يكون حدث اللحظة هو المهم وبعده ليكنú الطوفان. تفشل الأجهزة رغم المال والقدرات عندما تصبح المصالح عاجلة ضيقة بمساحة الفرد غير قابلة للتوسع بمساحة وطن وأمة. تفشل الخطط والمشاريع وتضيع الأموال عندما لا يتم التأمل في الكيفية التي يصرف بها المال ولا الطريقة التي سيسير عليها ولا النتيجة التي سيوصل إليها. والمال مجرد أداة لكن البشر عندما يقتنعون بشيء لا يصبح للمال بعدها في أذهانهم وأرواحهم أهمية لتفجير طاقاتهم الكامنة. المواجهة المحتومة: معركة تزويج الصغيرات وقضايا التغيير التي تحتاج إلى التفكير في العدل والإنصاف داخل البيت وخارجه هي واحدة من أمكنة الصراع التي تضع فيها الحركات المتطرفة ثقلها. والحل ليس مواجهة النص بالنص ولا الدخول في حقول اختصاص معروف كيف يمكن تسييسها مع الأمور وضدها لأن ذلك فعل سياسي يتجه نحو تضييع قضية التنمية والتمترس عند عتبات الماضي واستمرار الانكسار في النفوس كي تسهل السيطرة على الأجيال الضائعة. لسنا وحدنا في المواجهة فقد سبقتنا دول وحضارات عرفت كيف تجد الطريق الحق للخروج من الدوائر المفرغة وتشق طريقها بين الأمم فيفخر مواطنوها ببلادهم ويحصلون على حقوقهم وهم يقومون بواجباتهم على أكمل وجه. لسنا الأقل من أحد في قدرتنا على الاستفادة من مفكري التنمية والمتخصصين في طرق الخروج من وحول الانحطاط وخزعبلات الدراويش وتهميش العقل. بل إننا نملك القدرة على تحفيز العمل المنتج والابتعاد عن المشاريع الآنية المستعجلة والتفكير في الغد بإرادة حرة واثقة وبصبر من أجل جني الثمار الصحيحة. نحن الذين نزرع البن وننتظر ثمانية أعوام حتى يبدأ الإنتاج ونزرع التمر وننتظر سنوات حتى يثمر ونبني السدود في انتظار مجيء الأمطار وبقاء المياه حتى في زمان الجفاف. كانت لنا حضارات قائمة على الاستفادة من مصادر الكفاف ولم تكن حضاراتنا أبدا قائمة على إدارة الوفرة. فالتنمية فعل يأخذ وقتا لابد أن نرصده لها ولابد أن يعي صناع القرار في بلادنا أهمية ذلك وإلا فليس في العجلة سوى الندامة. raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا