لم يكن بغريب أن يكون فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح هو الس◌ِبøاق للاطمئنان على صحة أخيه فخامة الرئيس محمد حسني مبارك وتهنئته بنجاح العملية الجراحية التي أجريت له مؤخرا◌ٍ في ألمانيا¡ وأول من يلتقي به يوم أمس في مدينة شرم الشيخ عقب مباشرة الرئيس مبارك لمهامه¡ وذلك بالنظر إلى خصوصية العلاقات المتميزة والحميمة التي تجمع بين الزعيمين العربيين وكذا متانة العلاقات التي تربط بين الشعبين الشقيقين ببعديها التاريخي والحضاري¡ فقد امتزج الدم اليمني بالدم المصري في ملحمة الدفاع عن الثورة اليمنية¡ وتعمقت هذه العلاقات بالتعاون الأخوي والمثمر بين البلدين في مختلف الص◌ْعد والمجالات لما فيه خدمة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين أبناء الشعبين الشقيقين.
وسيظل أبناء الشعب اليمني يذكرون لمصر وقيادتها مواقفها الداعمة والمساندة لليمن وأمنه واستقراره ووحدته¡ ولن ينسى جيل الثورة اليمنية أنه تلقى تعليمه على أيدي مدرسين مصريين أجلاء أسهموا بفاعلية في التأسيس لبواكير النهضة التعليمية في سنوات كان اليمن يمر فيها بأحلك الظروف وأصعب المنعطفات.
وبقدر ما تجسد في هذا اللقاء من المعاني الأخوية الحميمة وما حمله من دلالات معبرة عن عمق العلاقات الوثيقة بين البلدين¡ فإن توقيته قد أضفى عليه أهمية بالغة على المستوى الأعم والأشمل لما تخلله بطبيعة الحال من نقاشات وتبادل لوجهات النظر وتشاور حيال التطورات والمستجدات التي تشهدها المنطقة العربية في المرحلة الراهنة والتحديات التي تجابه الأمة وأخطرها التداعيات التي تمر بها القضية الفلسطينية في ظل استمرار الخلاف “الفلسطيني- الفلسطيني” الذي ما انفكت إسرائيل تستغله عبر تصعيد سياساتها التوسعية والاستيطانية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني¡ وهو ما تجلت آخر شواهده في القرار الإسرائيلي الأخير بترحيل قرابة 70 ألف فلسطيني من الضفة الغربية¡ ليؤكد الاحتلال بهذا الإجراء العنصري والتعسفي أنه أسقط من حساباته مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والتي يستحيل بدون حلها على أساس مقررات الشرعية الدولية التوصل إلى سلام شامل وعادل في المنطقة.
وما من شك في أن مباحثات الزعيمين فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وفخامة الرئيس محمد حسني مبارك¡ التي جرت يوم أمس قد تركزت حول السبل الكفيلة بتنسيق جهود البلدين في اتجاه تفعيل العمل العربي المشترك وتوحيد الصف على ضوء ما خرجت به القمة العربية الأخيرة في مدينة “سرت” الليبية ولما من شأنه مجابهة مجمل هذه التحديات والأخطار¡ والعمل سويا◌ٍ من أجل إنجاح المصالحة الداخلية الفلسطينية واحتواء آثار وتبعات المرحلة الماضية التي ألقت بظلالها على مسارات العمل الوطني الفلسطيني وبما يمكن أبناء هذا الشعب من تجاوز خلافاتهم والتفرغ لمواجهة عدوهم الرئيسي واستعادة حقوقهم المسلوبة.
وفي هذا السياق فقد أجمعت كل التحليلات على أن مثل هذه اللقاءات العربية تشكل دفعا◌ٍ جديدا◌ٍ لمسيرة تطوير العمل العربي المشترك وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية الشقيقة¡ وإيجاد استراتيجية عربية واضحة لمواجهة ظاهرة الإرهاب وكل الظواهر المتطرفة الشاذة والممارسات المخلة بالأمن والاستقرار العربي¡ فضلا◌ٍ عن أثرها البالغ في الدفع بالعمل العربي المشترك خطوات متقدمة خاصة في هذه المرحلة التي تقتضي من العرب اتخاذ موقف حازم موحد لردع الصلف الصهيوني وسياساته المتعجرفة والتي يسعى من خلالها إلى فرض إرادته ومشيئته على الفلسطينيين والعرب والمجتمع الإنساني برمته¡ وليس هناك من سبيل لمواجهة هذا الصلف إلاø بالتضامن العربي باعتباره ضرورة قومية ملحة لإجبار هذا الكيان المتغطرس على وقف تماديه وعدوانه والإذعان لقرارات الشرعية الدولية واستحقاقات السلام العادل والشامل وفي الصدارة منها حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه المغتصبة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.
ومن المؤكد أن اليمن ومصر وغيرهما من الدول الشقيقة باتت تستشعر أنه وفي ظل غياب استراتيجية عربية قادرة على التعامل مع كافة التحديات والمشكلات التي تعصف بالواقع العربي فإن هذه الأمة ستظل عرضة للتهديدات والأخطار وأنه لا بديل لمواجهة هذه العواصف إلاø بالإسراع في إعادة ترتيب أوضاع الأمة ضمن كيان عربي اتحادي يرقى إلى مستوى التكتلات الإقليمية والدولية الأخرى¡ فالعصر هو عصر التكتلات القوية والفاعلة والمؤثرة¡ وعصر الشراكة والاندماج والتكامل¡ وهو عصر لا مكان فيه للضعفاء والكيانات الضعيفة والعاجزة عن إثبات وجودها وحضورها القوي في عالم اليوم وزمن العولمة الجارفة.
Prev Post
Next Post