استجابوا لدعوة الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجا.. السلام على همدان
جمعة رجب..من هنا تكوَّنت الهويّة الإيمانية
قلعة هَمْدَان في غرناطة،وقلعة خَوْلان في اشبيلية نذر من بصمات اليمنيين
على عاتقهم كانت الفتوحات وبهم تأسَّست الدولة الإسلامية
حريّ بالأمة الإسلامية الاحتفاء بهذا اليوم لمآثر اليمنيين في نشر الدعوة
بالقراءة والتأمل والجنوح إلى منطق العقل المتحرر من العصبية سنصل على نحو أكيد إلى أن مناسبة (جمعة رجب) لا ينبغي أن تعني اليمنيين وحدهم أو تمثل عيدا لهم وحدهم، فلو إن المسلمين اليوم على ذات القلوب التي كانوا عليها عند بعثة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، ومحطات التكوين والانتشار الأول لدين الله لعدّوا هذا اليوم عيدا لكل الأمة الإسلامية لما مثَّله هذا اليوم من علامة فارقة في مسار الإسلام ونشره في بقاع الدنيا.
في مثل هذا اليوم دخل اليمنيون في دين الله أفواجا فكان الأمر إيذانا بانطلاقة عظيمة شهدها الدين الإسلامي بعد ذلك، حموا الدين كما كانوا خير ممثل له، جدّوا واجتهدوا في إيصال الرسالة، بصنع بصمات لهم على الصعيد العسكري والسياسي والعلمي، فوثق التاريخ الكثير من مآثرهم، وأسماء في كل هذه المجالات كعناصر منحت الدين زخما وحضورا قويا في الأمم والشعوب.
يقول الباحث والموثِّق التاريخي عدنان البليلي “أهم حدث تاريخي ونقطة فاصلة في تاريخ اليمن والتاريخ الإسلامي ككل كان ( جمعة رجب)، يوم دخل اليمنيون الإسلام”.. ويضيف الباحث البليلي “بدخول اليمنيين الإسلام انتشر الإسلام وتوهَّج في ربوع العالم”.
سجل اليمنيون خلال المسيرة الإسلامية حضورا محوريا في معارك الانتصار لدين الله.. يذكر الباحث البليلي أهل همدان وأهل حمير في هذا الجانب فيقول “اتجه أهل همدان إلى العراق ففتحوها، واتجهوا إلى مصر وفتحوها، وتوغلوا في المغرب العربي، واتجه رجالات حمير إلى بلاد الشام وفتحوها، ومعركة ذات الصواري خير شاهد على إقدام اليمنيين وشجاعتهم إذ كانت لهم مشاركة فاعلة في هذه المعركة، مشاركة مثيرة للدهشة فلم يكن محسوبا ومتوقعا أن رجالا بدواً يمكن أن يفتحوا مدنا عبر البحر.. معركة ذات الصواري كانت أول معركة إسلامية بحرية”.. ويؤكد الباحث البليلي “إن الفتوحات الإسلامية لم تكن إلا على عاتق اليمنيين وقد قدموا رجالات كثيرة في هذه الفتوحات”.
وتذكر المراجع ان اليمنيين كانت لهم انطلاقاتهم في بناء الخلافة الإسلامية في كل بلاد الإسلام في الأزمان اللاحقة، واستقرَّ كثير منهم في بلاد الشام ومختلَف أقطار العالم الإسلامي.
تشهد لهم في الأندلس تلك القلاع التي تُسَمَّى بأسمائهم، كقلعة هَمْدَان في غرناطة، وقلعة خَوْلان في إشبيلية، كما يَشْهد لهم نبوغ كثير منهم في العراق والشام والأندلس، منهم جماعة من العلماء كالقاضي عامر بن شَرَاحِيل الشَّعْبِيِّ، ومَسْرُوق الهَمْدَاني، وطلحة بن معرق الهمداني الْيَامِيّ، وإبراهيم النخعي المَذْحِجِيِّ، والأشتر النَّخَعِيِّ وغيرهم.
حدث عظيم ومزيّة خاصة
على هذا النحو يتضح كيف ان يوم الأول من جمعة رجب كان حدثا تاريخيا إسلاميا يعني الأمة الإسلامية بأسرها وليس اليمنيين فقط..
يقول الكاتب ناصر المقبل: كان لإسلام أهل اليمن طابع خاص ورمزيةٌ فريدة استحقوا بها أفضل الأوسمة التي منحهم إياها من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة»، «الإيمان يمان والحكمة يمانية».
ولم يقتصر اسلام اليمنيين على التصديق بالرسالة والإيمان وإقامة الفرائض تاركين النبي يصارع الباطل وحيداً بل سرعان ما تحولوا إلى جنود وفرسان في نصرة الحق وشاركوا في الكثير من المغازي والفتوح مع النبي ومن بعده مع أهل البيت كما شاركوا كثيراً من الفتوحات الإسلامية أيام الخلافة.
ويضيف الكاتب: إن إسلام أهل اليمن كان حدثاً تاريخياً عظيماً حمل من الدلالات والمعاني ما خلَّد ذكرهم جيلاً بعد جيل وتبطن أسراراً ما زال أثرها جلياً واضحاً في أخلاقياتهم وتعاملهم إلى اليوم من ذلك: اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكبير بدعوة أهل اليمن وإخباره بأنهم سيأتون أنصاراً وأعواناً، ومن ذلك ما قال صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق حين اعترضتهم في حفرة صخرةٌ عظيمة فأخذ النبي المعول وضربها ثلاثاً فكبَّر في الأولى، وضرب وسمع لها هدةً عظيمة وقال: «فتحت فارس» وفي الثانية قال: «فتحت الروم» وفي الثالثة قال: «الله أكبر جاء الله بحمير أعواناً وأنصاراً» وكذلك الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم} وفيها ثناءٌ ملموح ومستوحى من عمومها.. ويقول المقبل: تحققت مُعجزة النبوة في أهل اليمن في دعوته لهم بالبركة وشهادته لهم بالإيمان والفقه والحكمة وما زالت هذه أسراراً ثابتة يتزكى بها الأجيال جيلاً بعد جيل، يبزغ فيها العلماء والفقهاء الأفذاذ ويتبدى فيها ولاء العوام للحق وأهله وما استيقظت فتنةٌ إلا رأيت غالبيتهم مع الحق مجانبين الفتنة ومحاربين أهلها، ومن أكبر الشواهد على ذلك اليوم ثبات غالبية الشعب اليمني ضد الحرب السعودية الأمريكية الظالمة على أهل اليمن على مدى خمسة أعوام .. ويرى الكاتب المقبل ان إسلام أهل اليمن مثّل بتلك الصورة الرائعة ضمانةً اجتماعية قوية في محو آثار الجاهلية وتثبيت مبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف من الحياء والعفة والكفاف والكرم والأمانة والعزة والوفاء والحشمة ما بقي إلى اليوم وما سيبقى إلى يوم القيامة إن شاء الله، ومن هذه الصفات ما يتميز بها اليمنيون من بين شعوب العالم العربية الإسلامية إلى اليوم وهي الحشمة.
الكاتب ناصر المقبل في استعراضه دلالة جمعة رجب ودلالة تمسك اليمنيين بهذه المناسبة جيلا بعد جيل، يرى أن هذا التمسك يثير قلوب المشركين والمنافقين ضدهم.. ويقول: إن من أهم أسباب هذه الحرب الشنيعة التي تشن اليوم على هذا الشعب هو ثبات الكثير من المعالم الإسلامية العقدية والعبادية والسلوكية والتي عجز الأعداء عن طمسها بالحرب الثقافية وظنوا أنهم يستطيعون طمسها بحرب البارود والنار والإبادة {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}، { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون}.. كما يكشف الكاتب بأن من أسرار وعجائب هذه النعمة العظيمة –نعمة الإسلام -، الصمود العجيب والتضحية المشهودة والاستبسال العظيم في مواجهة هذه الحرب الضروس العالمية الباغية، فليس غريباً على أمة أدرك آباؤها عظمة الإسلام فآمنوا ودخلوا في دين الله أفواجا أن يدافعوا على هذا الدين دفاعاً مراً ويذودوا عنه وينتصروا له، على مر الأزمان وحتى اليوم كانوا وما زالوا أنصار الله ورسوله الموعودين بالنصر والتمكين بإذن الله {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}.
ذكر ومراسم فرح
تمثل (جمعة رجب) لدى اليمنيين عيدا إسلاميا كعيد الفطر وعيد الأضحى تتجسد مظاهره بتزاور الناس بعضهم، بلبسهم للجديد، وعمل الحلويات وتعليق الزينات حسب الحاج عبدالله الراعبي.
ويشير الكاتب ناصر المقبل الى ان اليمنيين اتخذوا (جمعة رجب) عيدا احتفاء بها وتعظيما لشأن الحدث الذي شهده هذا اليوم “وصارت أول جمعة من شهر رجب الأصب هي يوم عيدهم من كل عام يفرحون ويلبسون الجديد ويتزاورون تعظيماً لهذا اليوم لعلاقته الزمنية بإسلام أهل اليمن وهذا يدل على محبتهم للإسلام وولائهم الصادق.”
أما إحياء المناسبة فيقول الحاج الراعبي الذي صادفته داخل الجامع الكبير “ليلة جمعة رجب وقعها في النفس مختلف عظيم وفيه روحانية كبيرة نشعر بها ونحن كل عام نحيي هذه الليلة داخل الجامع بالأذكار والصلاة على النبي وعلى آله الطيبين الطاهرين وبالمحاضرات الدينية والمدائح النبوية حتى الفجر”.. يذكر الباحث الإسلامي محمد الحسني انه في احتفال اليمنيين بهذا اليوم “يجتمع العلماء والشيوخ والسياسة والوجهاء وعموم الناس في محفل كبير يحيون ذكرى دخول الإسلام لليمن والتي كانت في أول جمعة من رجب، فلها مكانة سامية وعظيمة يترقبها اليمنيون كل عام ويتم الاستعداد لها من يوم الثلاثاء حتى يوم الجمعة الذي يكون اليوم الأكبر في المناسبة”،”وتتخذ في هذا اليوم معظم عادات وتقاليد ومراسم الأعياد الإسلامية من زيارات الأرحام والصلة والبر ولبس أحسن الثياب ولعب الأطفال”.. ويضيف الكاتب: كما تُقدَّم في بيوت اليمنيين الحلويات والكعك للزائرين ويفوح البخور من المنازل، وتتزين شوارع اليمن وحواريها بالمشاعل والقناديل.. ويزيد: الاحتفاليات الكبرى تُنظم في صنعاء والجند في تعز سواء من خلال التحاق المصلين بالجوامع أو عقد حلقات المدائح النبوية، وسكب ماء الورد على المشاركين وشراء الحلوى وتوزيعها على الأطفال، الاحتفالات نفسها، تشهدها مناطق يمنية أخرى كإب وصعدة وعمران وحضرموت حيث تذبح الذبائح وتوزع على الأرحام والفقراء.
وفيما يرجئ الحاج عبدالله الراعبي أمر انحسار إحياء هذه المناسبة في العقود القريبة الماضية إلى انصراف الناس بعد أحوالهم وتعقّد الظروف المعيشية والاقتصادية، يرى الباحث البليلي أن الأمر لم يكن عفويا وقال “السعودية بحركتها الوهابية كان لها نشاط في هذا الجانب من خلال بعض الأطراف الداخلية”، ويتسق ذلك هذا مع ما ذهب إليه الباحث الإسلامي محمد الحسني الذي يشير إلى تأثير “الحركة الوهابية التي شذّت عن الأمة” حسب تعبيره.