أثر الإيمان في‮ ‬تهذيب السلوك الاجتماعي‮ ‬للفرد


إن الإيمان بالله رباٍ‮ ‬وخالقاٍ‮ ‬ومعبوداٍ‮ ‬إليه المرجع والمصير ولا ملجأ منه إلا إليه هو الركن الركين في‮ ‬حفظ سلوك الفرد من الانحراف والإضرار بنفسه وبمجتمعه‮ .. ‬وبالتالي‮ ‬يتحقق الأمن الحقيقي‮ ‬للمجتمع الإنساني‮ ‬قال تعالى‮ “‬الذين آمنوا ولم‮ ‬يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون‮” ‬وذلك لأن السلوك‮ ‬غير السليم والفساد الذي‮ ‬في‮ ‬العالم كله له سببان‮:‬
الأول‮: ‬تسلط الشهوات والغرائز على الإنسان‮ ‬والشهوات في‮ ‬حد ذاتها خير لأنها فطرة الله التي‮ ‬فطر الناس عليها والله تعالى لا‮ ‬يفطر الناس على شيء قبيح ولكن القبح هو الانحراف بها عن مسارها الصحيح‮ ‬فدين الله لم‮ ‬يصادر على الإنسان في‮ ‬شهواته وإنما وجهها الوجهة الصالحة المفيدة بحيث لا‮ ‬يْمس الفرد بضرر‮ ‬ولا‮ ‬يلحق بالمجتمع أية أضرار‮.‬
ولن‮ ‬يستطيع الإنسان أن‮ ‬يسيطر على شهواته ويوجهها الوجهة النافعة كما أراد الله لها إلا إذا استقر الإيمان بالله وبالبعث والحساب والمسئولية أمام الله تعالى في‮ ‬قلبه‮ ‬وتمكن من نفسه‮ ‬وخالط كيانه كله‮ ‬بحيث‮ ‬يكون هذا الإيمان هو المحرك الحقيقي‮ ‬للشخصية المسلحة في‮ ‬جميع الأحوال‮ ‬وكافة الأعمال في‮ ‬حياته اليومية على مدار الساعة‮.‬
إن المجتمعات البشرية لو كان إصلاحها بمجموعة من القوانين والتشريعات لنزلت آيات الأحكام من أول‮ ‬يوم للبعثة النبوية لكنها لم تْنزل إلا في‮ ‬العهد النبوي‮ ‬وظل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طوال العهد المكي‮ ‬يغرس عقيدة الإيمان بالله وبالبعث والجزاء في‮ ‬القلوب‮ ‬ولذلك قال لقمان لابنه‮ »‬يا بْني‮ ‬إنها إن تك مثقال حبة من خردلُ‮ ‬فتكن في‮ ‬صخرة أو في‮ ‬السماوات أو في‮ ‬الأرض‮ ‬يأت بها الله‮«‬‮ ‬يعلمه مراقبة الله في‮ ‬السر والعلن‮.‬
والإيمان الذي‮ ‬يحقق هذه المراقبة ليس مجرد ثقافة أو معلومات نحشو بها رؤوسنا وعقولنا لتنفعنا وقت الحوار أو وقت الجدل والمناظرة‮ ‬وإنما هو عقيدة راسخة دونها النفس والنفيس‮. ‬إن الإيمان بالله الذي‮ ‬يقف في‮ ‬دائرة الاقتناع العقلي‮ ‬أو النظري‮ ‬لا‮ ‬يهذب سلوكاٍ‮ ‬ولا‮ ‬يصلح مجتمعاٍ‮ ‬فكثير من الناس‮ ‬يعرف الحق ولا‮ ‬يتبعه‮ ‬ويعرف الباطل ولا‮ ‬يجتنبه‮ ‬لأن إيمانه وقف عند حدود العقل‮ ‬ولم‮ ‬يصل إلى القلب‮ ‬فلا بد من مشاركة القلب للعقل في‮ ‬الاقتناع حتى‮ ‬يخطو الإنسان خطوة عملية إيجابية نحو كل ما هو بناء ونافع لنفسه وأهله ووطنه ملتزماٍ‮ ‬بضوابط الإيمان بالله تعالى‮ ‬لأن‮ ‬غياب الإيمان بالله أو حتى مجرد ضعف الإيمان بالله مع وجوده‮ ‬يجعل صاحبه‮ ‬يرفع المصالح فوق المبادئ ويجعل الغاية عنده تبرر الوسيلة وتلك مصيبة المصائب‮. ‬لأن الإنسان عندما‮ ‬يرتبط سلوكه بمصالحه فقط فإن ذلك‮ ‬يجعله وحشاٍ‮ ‬مفترساٍ‮ ‬يقفز على كل ما‮ ‬يريد أن‮ ‬يحصل عليه بأية وسيلة كانت‮ ‬لذلك كان في‮ ‬التصور الإسلامي‮ ‬مصالح معتبرة‮ ‬ومصالح‮ ‬غير معتبرة‮. ‬مصالح معتبرة أي‮ ‬أقرها الشرع واعتبرها ووافق عليها‮ ‬فهي‮ ‬مصلحة مأذون فيها من المالك سبحانه وتعالى كالربح الحلال الطيب‮ ‬ومصالح‮ ‬غير معتبرة لم‮ ‬يقرها الشرع ولم‮ ‬يوافق عليها ولم‮ ‬يأذن فيها المالك‮ – ‬سبحانه وتعالى‮ – ‬كالمنفعة التي‮ ‬في‮ ‬الخمر والميسر‮.‬
إن الشعوب التي‮ ‬حْرمت نعمة الإيمان بالله تعالى لم تقدر أن تحكم شهواتها وغرائزها‮ ‬بل وضعت من القوانين ما‮ ‬يحمي‮ ‬الانطلاق وراء الشهوات بلا ضوابط ولا حدود‮.‬
ولذلك نرى عجباٍ‮.. ‬فترى العالم اليوم محروماٍ‮ ‬من الأمن فهذه عصابات لسرقة المصارف‮ ‬وهذه عصابات لسرقة السيارات‮ ‬وثالثة لتفجير محولات الكهرباء‮ ‬وأخرى لسرقة البشر لتستجدى بهم رزقاٍ‮ ‬حراماٍ‮ ‬خبيثاٍ‮ ‬كل ذلك رغم الحراسة الشديدة‮ ‬والعالم‮ ‬يجتمع وينقض‮ ‬والدنيا تقوم وتقعد‮ ‬والخبراء‮ ‬يدرسون والدول تفكر وتقرر‮ ‬كل ذلك لم‮ ‬يخفف من الأمر شيئاٍ‮ ‬ويبقى الناس محرومين من طمأنينة النفس‮ ‬وراحة البال‮ ‬وسعادة القلب‮ ‬كل ذلك بسبب‮ ‬غياب الإيمان الصحيح بالله تعالى‮.‬
الثاني‮: ‬عقدة الخوف من‮ ‬غير الله هي‮ ‬أيضا سبب للفساد وانحراف السلوك في‮ ‬القول والعمل‮ ‬والخوف من‮ ‬غير الله تعالى أو بعبارة أوضح خوف البشر بعضهم من بعض له سببان‮: ‬أحدهما‮: ‬هو الخوف على المصالح والمنافع الدنيوية‮ ‬قد‮ ‬يجعل الإنسان أن‮ ‬يسكت عن كلمة حق أو شهادة حق لإنسان معين أو عليه‮ ‬وليس ذلك إلا لأن مصالحه ارتبطت بهذا الإنسان‮.‬
والثاني‮: ‬الخوف على الحياة أو الأجل لاعتقاده أن هذا الإنسان‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يبطش به أو‮ ‬يقضي‮ ‬عليه فهو‮ ‬يخاف على حياته‮ ‬وعقيدة الإيمان تْقرر أن الرزق والأجل لا‮ ‬يتحكم فيهما إلا الله‮- ‬عز وجل‮ – ‬قال تعالى‮: “‬وما تدري‮ ‬نفس ماذا تكسب‮ ‬غداٍ‮ ‬وما تدري‮ ‬نفس بأي‮ ‬أرض تموت‮” ‬وبقدر درجة الإيمان في‮ ‬القلب‮ ‬وبقدر نسبة تغلغل هذا الإيمان في‮ ‬النفس‮ ‬يكون موقفه ثباتاٍ‮ ‬أو ضعفاٍ‮ ‬ورغبة في‮ ‬ما عند الناس أو خوفاٍ‮ ‬من بطشهم وسطوتهم‮. ‬لذلك كان المنهج الحقيقي‮ ‬لإصلاح المجتمعات البشرية في‮ ‬قوله تعالى‮ : “‬قل تعالوا أتلْ‮ ‬ما حرم ربكم عليكم‮” ‬فكأنه‮ ‬يقول‮: ‬انتبهوا إنِ‮ ‬ربكم هو الذي‮ ‬حرم‮ ‬وإن إلهكم هو الذي‮ ‬منع‮ ‬لأن هناك فرقاٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬بين أن تقول لإنسان‮: ‬إن الذي‮ ‬يمنعك من تعاطي‮ ‬المخدرات مثلاٍ‮ ‬قانون كذا‮ ‬وبين أن تقول له‮: ‬إن الذي‮ ‬يمنعك هو ربك الذي‮ ‬أوجدك من العدم بقدرته‮ ‬ورباك بنعمته‮ ‬وإليه مرجعك‮ ‬وسيوقفك بين‮ ‬يديه‮ ‬ويحاسبك على مثقال الذرة من الخير أو الشر‮.‬
في‮ ‬الحالة الأولى‮: ‬ربما استطاع أن‮ ‬يتحايل على القانون‮ ‬أو كان من أقوياء الناس الذين لا تخيفهم القوانين‮. ‬أما في‮ ‬الحالة الثانية فالأمر خطير ولا بد من وقفة مع النفس‮ ‬ولا بد من الإقلاع عن الخطأ قبل انتهاء الأجل‮ ‬وانقطاع الأمل والعمل‮ »‬والعصر إن الإنسان لفي‮ ‬خسر‮ ‬إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر‮«.‬
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد النبي‮ ‬الأمي‮ ‬وعليه وآله وصحبه وسلم تسليماٍ‮ ‬كثيراٍ‮ ‬والحمد لله رب العالمين‮.‬
• نائب رئيس بعثة الأزهر الشريف باليمن

قد يعجبك ايضا