ثبات اليمن في زمن المتغيرات

عادل حويس

 

 

ليست العروش وحدها هي من تشيد لتبقى ففي أعالي القمم الشاهقة حيث يعانق السحاب صخور الصمود تبنى المواقف من منحنيات الروح ومن صلابة الإيمان ومن حكمة الأجداد الذين أدركوا أن الحق لا يورّث كالممتلكات بل يرضع مع لبن الأمهات ويشهد عليه بدماء الشهداء.
ها هو اليمن أرض الحكمة والإيمان يعلو صوته فوق ضجيج المدافع ويسمو موقفه فوق متاهات السياسة والمصالح. موقف تشكل عبر آلاف السنين فصار كالجبل الأشم لا تهزه العواصف ولا تغيره المناخات. إنه الموقف نفسه الذي واجه به الطغاة قديماً وهو الموقف ذاته الذي يرفع رايته اليوم في وجه أعتى قوة غاشمة تستبيح الأرض والعرض في فلسطين.
لأن اليمن ليس غريباً عن معنى الظلم. يعرف طعم الحصار ومرارة العدوان وصلف المحتل. ولكنه في الوقت ذاته، يعرف حلاوة الكرامة وعبق الحرية وعزة النفس. هذه المعرفة المرة-الحلوة جعلت قلبه نابضاً بألم كل مظلوم على وجه الأرض وجعلت صوته صدى لصرخات المستضعفين في غزة وفي كل أرض عربية وإسلامية. إنها القضية التي لا تقبل المساومة أو التجزئة فهي عقيدة راسخة وليست تكتيكا متحولاً. هي بوصلة لا تزيغ تشير دوماً نحو القدس نحو غزة نحو كل بقعة تنتهك فيها حرمات الله وتهان فيها كرامة الإنسان.
لقد فهم اليمن أن “نصرة المظلوم” ليست كلمات تقال في الخطب أو عبارات تزين البيانات. لقد حولها إلى فعل وجودي إلى ثقافة جماعية إلى قرار سيادي لا يرتهن لموازين القوى المتقلبة.
فالنصرة واجب ديني وإنساني وقومي تتساوى فيه الدماء وتتجه نحو فيه الإرادات. في زمن انشغل الكثيرون بالصراعات الجانبية وتبادل الاتهامات وقياس المصالح بمكيال الربح والخسارة بقي اليمن يحمل راية المبدأ بيد ويقبض على سلاح الإرادة باليد الأخرى.
لقد ذكر العالم أن الأمة لا تموت ما دام فيها من يرفض أن يحني الجباه إلا لله وما دام فيها من يعتبر أن دم الفلسطيني هو دم اليمني والعربي والإنسان.
يقول اليمن بصمته الناطق بالفعل وبفعله الناطق بالإيمان: إن قضية فلسطين هي خط أحمر ليست ملكاً لفصيل دون آخر ولا لحزب دون غيره. هي قضية أمة وضمير إنسانية. وإن هذا الموقف الثابت ليس ترفا سياسيا بل هو استجابة لنداء التاريخ وامتثال لأمر الدين وتحمل لمسؤولية الأمانة.
ها هو اليمن بكل ما يعانيه يقدم للعالم أجمع درسا في الشرف والسيادة. يثبت أن القيمة الحقيقية للدول ليست بضخامة اقتصادها أو قوة جيوشها فقط بل بقيمة مواقفها وثبات مبادئها وإنسانيتها التي لا تستبدل بعرض من أعراض الدنيا.
ستزول الغيوم وستنكشف الحقائق وسيبقى موقف اليمن شامخا في ذاكرة التاريخ نبراسا للأحرار وعلامة على أن الحق -وإن طال الليل- لابد أن يأتي صباحه. فتحية لليمن الأرض والشعب والموقف.. تحية لمن يجعل من الصمود فلسفة ومن النصرة مصيراً.

قد يعجبك ايضا