وطن القصيدة .. عند الدكتـــور/عبدالعزيز المقالـح

زيد الفقيه

قبل الإبحار في متون هذه الدراسة نجد أسئلة ملحة تطرح نفسها عليها وهي : لماذا وطن القصيدة ؟ وليس الوطن في القصيدة ، وما الفرق بينهما ؟ ، وللوقوف على إجابة هذين السؤالين ينبغي للدراسة التوسُّل بما يسد مسد الإجابة عنهما بالقول : أن وطن القصيدة يأخذ منحاً آخراً في الدراسة تتمثل بالوقوف على نزوع القصيدة إلى البحث عن موطنٍ مثالي ومدنٍ فاضلةٍ ، دأب الفلاسفة والمفكرون إلى النزوع إليها منذ زمن بعيد ، أما الوطن في القصيدة فيتجه هذا الدرس إلى تتبع ذكر الوطن في القصيدة وأسلوب توظيفه في مناكبها عند شاعرٍ ما ، ولأن القصيدة كائن شفاف يتخلَّقُ في وجدان الشاعر كما يتخلَّق الجنين في بطن أمه ، يبدأ فكرةً يستمدها صاحبها من بيئته وما يدور فيها من أحداث ، يحمل الشاعر هموم وطنه وأمته ، ينزع إلى الارتقاء بهما حتى يكونا جارين للنجوم ، والشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح واحد من هؤلاء الشعراء الذين يبحثون لقصائدهم عن أوطانٍ مُثلى ، يطمحون أن يسودها النظام والقانون ، والعدل ، ويحفَّها السلام ، والتحليق في فضاء الإنسانية التي تتخلصٌ من كل عوالق التقوقع والتخفي خلف متاريس الفئوية والمناطقية، وهو أيضاً جهاد أكبر للنفس البشرية ، وتعايش مع كل الكائنات في عالم مثالي ، تسوده المحبة والإيمان بحق الآخر في الحياة التي خلقها الله مشاعة بين سائر الكائنات، كان هذا السَّمتُ في قصيدة المقالح مسيطراً على جُل كتاباته، كأن بوصلةً في خلده توجه عقارب النص نحو الخلود الأمثل، خارج المعقول ، أن صورة الوطن في ذهن الشاعر ليس له شبيه في هذا العالم ، ولا يقاس بالتماثل في الأيقونة السيميائية البصرية عند تشارلز بيرس ، ولكن يقاس بالصورة المثالية المرسومة في خلد هذا الشاعر العظيم ، وهكذا تكون مدينة الخيال معلقة إلى النظر الإلهي ، فلا يروج فيها من الخيال إلَّا بمقدار محاكاته للحقيقة. ولا يتدخل اللَّا معقول إلَّا بحسبان التعقُّل النظري وميزانه.
في هذه الدراسة نحاول أن نبلجَ للقارئ جوانح هذه القصيدة التي تسافر بنا في عوالمَ من البهجة والسعادة والأمن والسلام ، وطن القصيدة هو المتخيل الفكري للوطن ، فالأوطان المُثْلى مطلب فلسفي قديم ، إذ أسس الفارابي مدينته الفاضلة وأسس افلاطون جمهوريته انطلاقاً من هذا التصور ، منذ كان في الثالثة والعشرين من عمره ، أي بعد أن وضعت الحرب البلوبونيزية ـ بين أثينا واسبرطة بين عامي 431ـ 404ق.م ـ أوزارها، ليضع نموذجاً لمجتمعٍ خيالي مثالي يتحقق فيه الكمال أو يقترب منه ، ويتحرر من الشرور التي تعاني منها البشرية ، وشاعرنا المقالح ينحو هذا النحو يبحث عن حياة مُثلى للعيش في وطن آمن مستقر بعيداً عن صراع (هابيل وقابيل) .
فالقصيدة عند المقالح لم تعد ذلك الفعل الكتابي المرسوم بالأحرف ؛ بل غدت وطناً يسكنه وقصيدة تسكن الشاعر ، هذه المساكنة أنجبت وطناً أمثل هو وطن القصيدة الذي يتمثله الشاعر ويطمح للعيش فيه مع أبناء جلدته من البشر .
المقالح بهذه الرؤية لم يعد ذلك الشاعر المحلي الذي يحمل هم قطر ما من أقطار عالمنا ؛ بل تجاوز ذلك الإطار الضيق إلى الانسانية التي ليس لها حدود مكانية أو زمانية وقصيدة المقالح في بحثها عن وطن مثالي بديل مرَّت بثلاث مراحل هي مرحلة الأنين ، ومرحلة الحلم ،ومرحلة الخلاص، كل مرحلة من هذه المراحل تنتقل القصيدة من طور إلى طور آخر بغية وصولها إلى تحقيق هذا المنجز على مستوى الواقع والنص، فالنص يتطور ويتقدم والواقع يسوء ويتراجع ، وظلت القصيدة في مجابهة الواقع المتردي ، فتقدمت القصيدة وتخلَّقت وتطورت ، وتراجع الوطن ، نحاول في هذه الدراسة أن نعرض منها للقارئ ما تيسر في هذا المقام .
الأنين
حين يتوجع الإنسان ندرك أن ثمَّة ألماً يعتصره ، وأن ثمَّة محاولة للتشافي لأن التوجع يشي بأمر غير مستساغ في جسد المريض ويبغي الشفاء منه، والأنين في قصيدة الشاعر هي بداية الشعور أن ثمة مطلباً أسمى يسعى الشاعر إليه ، هو وطن الحلم (القصيدة)، لكن أين يكمن وطن القصيدة عند المقالح ؟ هل في الماضي الحضاري لوطن الشاعر اليمن ؟ أم في المستقبل ؟ أم في خلد الشاعر وأحاسيسه؟
فالأنين هو ناجم عن التألم والتأزم والتوجع من واقعٍ يتردَّى تارة ويتطور أخرى ، لكن هذا التطوُّر كان بطيئاً وحيياً غلب عليه التراجع في كثير من مناحي الحياة ، ومن ثمَّ دأب المقالح في شعره على البحث عن عالمٍ روحي مثالي مخبأ في روحه تعشعش فيه قصيدته ، وتكتنف ذلك العالم المحبة والعدل والتسامح والمساواة ، هذا الوطن الحسي ليس مهماً في القصيدة ، بل المهم أن يكون حضوره موضوناً في قصيدته ، لذلك يقول وهو يتفحص حالة شعبه :
“يتملكني حزنُ كلِّ اليمانينَ
يفضحُني دمعهم..
جرحُهم كلماتي
وصوتي استغاثاتهم.
يتسوَّلُ في الطُرقاتِ الصدى
كلَّما قلت : إنَّ هواهم سيقتلُني
ركضتْ نخلةُ الجوعِ في ليلِ منفايَ
فانتفضَ العمرُ
وارتعشَتْ في الضلوعِ دفوف الحنين ”
هذا الحزن الذي يتملك الشاعر عن وضع أبنا شعبه كان هو مُفْتتح البحث عن الخلاص من هذا الوضع الكئيب والمؤلم . إن ظاهرة الحزن في الأدب الإنساني بمرئياتها المختلفة وصورها الحسِّية والمعنوية من تأوهات وبكاء ونحيب وألم وحنين وأنين هي استجابة ذاتية لا يمكن فصلها عن الواقع الاجتماعي الذي يخلق بدوره تلك الاستجابة ؛ ويخلق في وجدان الشاعر نغماً حزيناً يتجاوز مفهوم البكاء والرثاء الحسيين إلى أبعادٍ فلسفية ورمزية هي في الواقع حصيلة وعي الشاعر بالمأساة ، ومن أجله أوى إلى البحث عن وطن أمثل لهذا الشعب ، ووطن القصيدة عند الشاعر هو ذلك الفضاء الفكري المعجون بالهم الوطني الذي يحتل مساحة من تفكيره وهمومه وطموحه ، ” فالمكان ـ عنده ـ لم يعد ذلك البعد الجغرافي ذا الحدود المتعارف عليها من طول وعرض ومساحة خاصة ؛ إنما أصبح له بعد تجريدي يشع بالعديد من الايحاءات والانعكاسات التي تتيح للشاعر أن ينطلق من خلاله إلى عالمه الفسيح المصاحب للخيالات والأحلام والذكريات ،إذ من خلال المكان يستحضر مجموعة آلامه وأماله ، وأفراحه وأتراحه ، فيحيا فيه مرة أخرى ” ، لم ينظر الشاعر المقالح إلى نفسه كفرد ، بل ينظر إلى الوطن وهو يئن تحت وطأة الجهل ، والفقر والمرض ، ويحاول أن يرسم له صورة تبدو وقد تخلَّصت من ذلك الثالوث المميت ، إنه “يبكي زماناً كان فيه كل شيء منسجماً ومؤتلفاً واستحال اليوم إلى تصدع وعجزٍ ” ، إنه يهرب من هذا الواقع ، المفجع ويتوق إلى وطنٍ للمحبة يقول :
” قبلَ أن تبدأي بالبكاءِ
وتكتبُ عيناكِ بالدَّمعِ مرثيتي
ويقولَ الرفاقُ : استراح ..
تعالي نوِدِّعُ أوجاعنا،
نرتدي ثوب َ أحزاننا،
نلبسُ الشَّجَنَ المرَّ
نخرجُ من جِلدِ أيَّامنا
وانكساراتنا
من عيونِ الاحاديثِ ..
إن الإقامةَ في وطنٍ للضفادعِ
قاسيةٌ،
والرَّحِيل المباغتَ قاسٍ،
وليس سوى الموتِ يخلعنا
ثمَّ يرجعُنا لضميرِ التراب”
في هذا النص يصف الشاعر حالة الكلمة والرأي والفكر في مجتمع لا يفقه لغة الحب والمنطق والعقل ، بل منطق العنف والإقصاء والتجهيل والولاء للفرد ، إنه يضج ويتألم لوضع دأبَ القائمون على شؤونه شراء الولاءات ، دون أن يجعلوا للقانون والنظام والمنطق ومعطيات العصر اعتباراً في حساباتهم ، ومن ثمَّ فإن المعادلة بين الثقافة ونقيضها ضيزى في وطن تنتعله أقدام الطغاة فيضيق الشاعر بوضع هذا الوطن ويقول : إن الإقامةَ في وطنٍ للضفادعِ
قاسيةٌ
والرَّحيل المباغتَ قاسٍ
وليس سوى الموتِ يخلعنا
ثم يرجعنا لضمير التراب
إذاً فالوطن بالنسبة للشاعر هو الحياة وهو القيمة الوجدانية التي تسكنه ، “ليس المكان إذن ذلك المعطى الخارجي المحايد ، الذي نعبره دون أن نأبه به ، وإنما المكان حياة لا يحده الطول والعرض فقط، وإنما خاصية الاشتمال” ، والحياة التي يبحث عنها الشاعر هي حياة متخيلة مُثلى تبحث عنها قصيدة المقالح لتكون بديلاً عن وطن الضفادع وطن الطغاة ، ” فليس له إلا أن يفر من عالمه وما فيه من قيود ، ويحطم قفص الوجود ليحلق كالعصفور ، وتتفلت روحه من بشرٍ قيدتهم المادة هم أشبه بالضفادع الملقاة كالـ (…) على العتبات” ، إن من يقرأ شعر المقالح يجده طافحاً بالهم الوطني ، لم يلتفت إلى غيره ، إنه ـ في نظري ـ وطن كالسحابة كلما عصف بها الشوق أمطرت قُبَلاً وحبَّا ، هذا الوطن المتخيل في قصيدة المقالح هو في تضاريسها في تناولها للوطن فضاءً مفتوحاً على جميع الاحتمالات ، ذلك لأن معركة الإنسان من أجل تحقيق طموحاته لم تنته بعد ، إن الهم الوطني الذي تخلَّق في وجدان المقالح منذ نعومة أظفاره قد تفوق عن رعيله الوطني وكوكبة الثوار الأحرار ، والشكوى وعرض مساوئ الواقع ضرب من ضروب الرفض له ، والطموح للوصول إلى ما هو أفضل وأنبل ، فقد مُلئ وعُجن شعر المقالح بالهم الوطني فجنح إلى وضع الواقع السيئ على سفود رفضه وفضح مساوئه ، فألمه لم يعد مجرد تأوهات ونحيب واجترار آهات وبكاء على ماضٍ دفن فيه أحلى ذكريات العُمر ، بل أصبح تجربة العمر كلها . إنه ألم الحاضر المعذب ، الذي يتوق إلى الخلاص منه ، فقد كان يمزج مفهوم النضال الاجتماعي ، والطبقي ، والإنساني والقومي في متونه الشعرية ، ففي رسالة لأبي الأحرار الزبيري في الذكرى الخامسة لاستشهاده يقول:
ـ دمعي ،على البلد المهدور مهدورُ * وصوته كالصَّدى المهجور، مهجورُ
ـ أبكي أعضُّ جدار اللّيل منطفئاً * في غربتي ، تتخطاني الأعاصيرُ
ـ وحين لا الدمع تشفيني صفائحه * ولا تغيب عن العين الدَّياجيرُ
ـ أعود للكلمات / الشعر ، أسألها * عطفاً ، وفي رئتي للحزن تنَّورُ
هذه الدموع المسكوبة عن اليمن ، ما هي إلا تعبير مجازي عن تأجج الحزن في أعماق الشاعر عن وضع بلده ، وهو بذلك يخفف ألمه وحزنه النفسي ، إذ يبتدع منافذ نفسية تخفف عنه وطأة ضغط الواقع ، وتعمل على خلق تصالح بين الوعي واللاوعي ، بعد مسيرةٍ تفاوضيةٍ منهكةٍ ، وهذه المنافذ التي تخرج من أعماق اللاوعي ، تعد معادلاً موضوعياً عن الكبت الذي يتعرض له نتيجة مختلف ضغوط الواقع عليه ، وقد عوَّل على الكلمة الشاعرة في سبيل الراحة النفسية ، ذلك أن الهرب خارج الواقع الشاق والمرهق لا يمكن إلا أن يتمخض عن شيء من الهناء ، إن فلسفة المثول بين يدي المدينة الفاضلة عند المقالح يكمن في رفض الواقع وفضحه وانتقاد سلوك القائمين على سلطته ، وهو ضرب من الهروب من أمثولة الواقع الشنيع إلى تباريح العالم الآخر الذي يتمثله في قصيدته : عالم النبل ، والإخاء ، والمحبة ،والألفة ، والمواشعة بين سكان ذلك العالم ،فـــــــــــ ” المدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الأشياء التي تنال بها السعادة ـ في الحقيقة ـ هي المدينة الفاضلة ، والاجتماع الذي به يتعاون على نيل السعادة هي الأمة الفاضلة . وكذلك المعمورة الفاضلة ، إنما تكون إذا كانت الأمم التي فيها تتعاون على بلوغ السعادة ” ، والشاعر هنا لم يعد ذلك الكيان المنفصل عن الوطن ، بل غدا الوطن جزءاً لا يتجزأ من أحاسيسه ، فهو ماثل أمامه في كل ساعة ولحظة ، لا يكاد يفارق فكره وخياله ، يحنُّ إليه حنين النوب إلى موطنها الغني بالخيرات ، لكن المقالح لم يبلغ تلك المدينة بسهولة بل بكى على أطلال الوطن كثيراً ، متخذا من رفضه للواقع سفينةً للوصول إلى الحلم يقول :
” آهِ يا وطني
أنتَ ياسيّدَ الحزنِ
ربَّ المقامِ الجليل
وحاملَ أوجاعنا ،
هل سندنو من الشمسِ؟
أم سوفَ ندنو من اللَّيل؟
هل ستموت الفراشاتُ؟
هل ستعيشُ الثعابينُ؟
هل من أعالي السماءِ
سيقتربُ الشُّهداءُ إذا رجعوا،
أم الهاوية؟
هذا النزوع إلى الخروج من دوائر الليل البهيم إلى تباريح الفجر يشي بالتفلَّت من الانغلاق والسكون والنزوع إلى عالم الحب والجمال ،الشاعر في هذا المقطع يضع القارئ أمام خيارين إما الارتقاء للوصول إلى مجاورة الشمس ، وهي كناية عن التقدم والرُّقي والرفعة ، أم العكس والسقوط في مدارج الظلام ، “وهذه عادة الشعراء حينما يصطدمون بالواقع المرير ، ويدركون استحالة تحقيق ما يشتهون ؛ فإنهم يلجأون إلى طريق الأمنيات والأحلام ” ، هذه الثنائية الضدية في النص التي تضع المتلقي أمام خيارات تأويلية وأبعاد وجدانية مؤلمة تجعل منه شخصاً مرتبك المشاعر ، كسير العزم ، لكنها الحقيقة التي لابد من تجرِّع مرارتها، حتى تكون الوقود للانطلاق نحو عالم أرحب وأجمل ، فالنص يمتلك ما لا يمتلكه غيره لتصوير الحقيقة ، وحين ينجح النص في وضعنا أمام ما خفي من حقيقتنا أو ما حاولنا نسيانه منها فإننا نفتن بذلك الخوف الموقظ للحياة ، لاسيما حين يكون الوطن حلما يختلج به خلد الشاعر وتحمله مشاعره ديدناً يومياً للخروج به من دهاليز الواقع المظلم المتخم بالحروب والضغائن التي ما انفكت تمزق النسيج الوطني والاجتماعي ، إنها وجع يدفع الانسان إلى نزع فتيل العقيدة ، وهتك الكرامة :
هي الحرب،
تسلبني هامتي
وحذائي
تسلبني نعمة الانتماءِ إلى الله،
لا شيئَ يبقى إذا ما أتت
لا جدار وراء البلاد
ولا خلفها،
لا مكان
تخبُئ فيه جواهرَ وحدتِها
وثياب مبادئها
الوجوه الأشدُّ بهاءً من النَّجمِ
سوف يغادرُها لونها
والعبير.
يتسارع ضجيج الأنين والتوجع عند الشاعر كلما غابت الشمسُ عن وطنٍ للجمال، وحلَّ الظلامُ القبيح ، وثمَّة من ينفخون جدار الرصاص على نغمة القُبح في وطنٍ للسلام، في غمرة الحلم ورفض الحروب ينداح ” الوعي الإنساني العميق والروح التواقة للإبداع ورغبة التجاوز الَّلا قهرية إلى مناطق الحلم والضوء والفرح … يبقى الشاعر هو الذات المسافرة على قلق في أرجاء الوطن يتهجاه أحرفاً ويستنطقه واقعاً ويرنوا إليه أملاً حيناً ومستحيلاً حيناً آخر” ، حين يقول 🙁 لا جدار وراء البلاد ولا خلفها ، لا مكان تخبئ فيه جواهر وحدتها وثياب مبادئها ) إنما يؤنسن الشاعر في تعبيره المجازي هذا الوطن المظلوم من أبنائه إذ يحوِّله إلى كائنٍ يتيم من الرجال الوطنيين المخلصين له ، الذين يعملون على رفعته وعزته وكرامته ، وبتعبير آخر يشي أن ثمة مجموعة من الانتهازيين وتجار الحروب الذين لا يرون الوطنَ سوى بقرة حلوب ، ليس لهم همٌ ولا مشتغل غير حلبها والمتاجرة بما فاضت به عليهم ، ” ونزعة الأنسنة إذاً متصلة أوثق بالرؤية الانسانية العميقة لكاتب يعي جيدا حياة الإنسان في مكان معين وزمن محدود تستحق أن تعاش ويحتفى بها رغم كل المآسي ، لأن كل الأحداث التراجيدية لا تلغي معاني الحياة بقدر ما تعززها وتثقفها.هذا هو المنظور الفعال الخلاق الذي تتبناه الكتابة وتغري القراءة اليقظة بإبراز تجلياته ودلالاته ” ، أن تموج العواطف المحبة للوطن بين الأنين والحلم والخلاص والأنسنة ، لهي قيمة وجودية في كيان الكاتب لشدة حرصه على رفعة وعزة وطنه وشعبه ، فحين يصبح وجود الوطن داخلياً تنشط حركة الخيال وتظهر مستويات متعددة للحلم والذاكرة ، فيتفرق في أمكنة عدة ، ويتحول زمن الحياة تحت سمائه إلى أزمنة تاريخية أو شخصية أو أسطورية. ويتحول هو إلى الوطن الحلم الذي حمله الشاعر في داخله يجسده في صوره الشعرية لا مكاناً فيزيائياً طبوغرافيا ، بل مكاناً سامياً يعيش في خلد الشاعر وكيانه ، إن صورة الوطن في ذهن المقالح ليس لها شبيه في هذا العالم ، ولا يقاس بالتماثل في الأيقونة السيميائية البصرية عند تشارلز بيرس، ولكن يقاس بالصورة المثالية المرسومة في خلد هذا الشاعر العظيم.
الحلم
لم تقف اللوعة عن الوطن والخوف عليه عند حد الأنين والتوجع بل تجاوزته إلى حلم الشاعر بالخروج به إلى العُلاء والرفعة ، والهروب به إلى عالم السمو والرقي ، والنأي عن صغائر الأمور الفردية والشخصية ، الحلم هو مرحلة من مراحل الهروب بهذا الوطن الغالي المهم من عالم السخط والمتاهة والمشاريع الصغيرة والفردية والفئوية إلى عالم البهجة والرفعة والسمو ، يقول الشاعر:
ذات حُلمٍ
هبطتُ على سُلَّمٍ من أساطيرَ
محفورةٍ في ضمير الزَّمانِ ،
رأيتُ بيوتاً من الضوء
أعمدةً من نهارٍ بهيجٍ
وأسواقَ من فضَّة ،
وشوارعَ من ذهبٍ …
قيلَ لي : تلك صنعاء
كان المغنَّون والشعراء
يطوفون في ساحةٍ أورقتْ بالتلاميذ
والعلماءُ يجيدون عرض مهاراتهم
إن صنعاء غيرَ التي في دمي
لا يراها سوى الحُلْمِ … نافرةً،
ولها جسدانِ وشمسانِ،
فاهبط على سُلَّمٍ من مرايا الحروف
وصفِّقْ إذا ما وصلتَ
أقاصي المدينة .
هذا الوطن المُخبأ في خلد الشاعر وضميره يتوق إلى النأي به عن صراع الغجر ، إنه الوطن الحلم حين يتخيل الشاعر خريطة الوطن فهو وطن يتبدَّل ويعكس الحنين إلى وطن متخيل ، ومن ثمَّ فهو يؤكد أن الوطن هو ما يعيش بداخلنا وهو ما يدركه الوجدان ، وليس ما تقدمه الوثائق التاريخية أو الحدود الجغرافية ، وليس أدل على هذا من التدخلات النصية التي يموج بها شعر المقالح الذي يمتص من كل الثقافات ، ويمتحها للعالم سيمفونيةً للفرح والحزن، إن المكان الذي يحلم به الشاعر غير المكان الذي يعيشه ، إنه عالم من الضوء أعمدته تشع بالمحبة والدهشة والزهد في موبقات الحياة التي لا تساوي ـ في نظر الشاعر ـ سعادة يوم بهيج وفرح في عيون العذارى ، وحلم في دم الطفل يحمله في ثنايا الثياب ، فصنعاء في لغة القصيدة خيوط من الضوء والأمنيات ، شعاع من الحلم مخبوءة في طنافس أمٍ حنون هي في لغة القصيدة حلم على نحو مثالي لا واقعي يمت إلى المكان بصلة الحياة : بشراً وحجراً وعادات وتقاليد فهي عنده :
لا يراها سوى الحُلْمِ … نافرةً،
ولها جسدانِ وشمسانِ،
(هبطت)على سُلَّمٍ من مرايا الحروف .
إذن هذا المتخيل الشعري للوطن، للمدينة لشوارعها الذهبية أليس ما يدل دلالة واضحة على وطن بديل في ذهن الشاعر ووجدانه ، هو الوطن المثالي الذي تحاول الدراسة أن تجلو عنه الغيم ،”إننا إزاء واقع آخر يختلف عن الواقع المكاني أو الزماني أو الأيدلوجي . إنه الواقع الشعري في كثافته وعزلته ، وانقطاعه عن الخارج .” الشاعر يضع في خلده الوطن المثالي حتى وإن لم يتحقق واقعاً فهو ينشده ويتوق إليه يَحْمِلهُ هماً دائماً يؤرق سكونه ويقض مضجعه يبغي الوصول إليه والعيش فيه واقعاً ملموساً خالٍ من شوائب البشر المتمنطقة بالطائفية والمذهبية والمناطقية وغيرها من الموبقات ، يقول في سياق حلمه بالخروج بالوطن من تلك الموبقات :
حلمتُ ذات يومٍ أن عالماً جديداً
يخرج من هنا
من عالم الأسياد والعبيد،
يمتد ظلَّهُ على طريقٍ عانق القمرْ
واحتضن الزهر
إنسانه السَّعيد .
إن الوطن اليمني وطن الأسياد الذين سبقوا العالم وعمَّروا الأرض وتركوا بحضارتهم السبئية والمعينية والحميرية أعظم حضارة شهدت على سيادته في العلم والمعرفة والتقدم ، يتوق محبوه ومنهم المقالح إلى أن يكون وطناً مثالياً راقياً يسوده النظام والقانون والتقدم العلمي الحديث ، وقد دأب المفكرون والشعراء والفنانون في البحث عن مدنٍ مثالية فاضلة يعيشون فيها مع ناسهم أحراراً بعيدين عن كل ما يكدِّر صفو حياتهم وينغصها : من قهر ، أو ضغينة ، أو طائفية ، أو حرب ، أملاً في تحقيق اطمئنانهم النفسي ، وإيقاف قلقهم الوجودي ، وتطلعاً إلى حياة أفضل وأكمل وأسعد ، وعلى الرغم من اختلاف تلك المدن في تفصيلات مناهجها فإنها ظلت مطلباً فكرياً بدءاً من افلاطون مروراً بالفرابي ، وأبي العلاء المعري ، ودانتي ، وجون ملتون ، وتوماس مور ، وجبران ، ونازك الملائكة ، والسيَّاب ، والمقالح ، هذه المدن ظلت هدفاً يسعى الجميع للوصول إلى أعتابها والتلبث بِمُثلهِا العليا على اختلاف مواقفهم من الوجود والحياة ، إن وجدان المقالح وعواطفه مستوطنةٌ لوطنٍ ملائكي سامٍ يحلِّقُ في فضاء روحه كفراشة حلمٍ ترفرف في علم الغيب والملكوت. إنه وطنه اليمن الملبَّد بالحروب والضغائن و… الخ ، إنها السعيدة التي لم تنل من اسمها نصيباً ، والشاعر يبحث في خلده عن وطنٍ مثالي سعيد يقول:
يا ظباء السعيدة
هذا كيانٌ من الحلمِ
أم إن جدرانَ (غيمان)
تنشقُّ عن وطنٍ آخر للنجوم
وللحبِّ
عن وطنٍ للجمال ؟ .
إن المكان في نظر الشاعر مواجيد حلمٍ يعزفها سنفونيةً للخلود ، إنه وطنٌ للحب أعشوشب في كل كيان الشاعر يبحث له عن منأى في مكان بعيد في عالم المُثل، “هكذا بدا المكان في نظر الشاعر لحظة الوداع ، وهنا تبدأ عملية البحث عن مكانٍ بديل؛ عن حبٍ بديل … وهنا ينسحب المكان عن الشاعر .. ويبقى الشاعر معلقاً في اللامكان” ، إن الجمالَ والحبَ اللذان يسكنان قلب الشاعر تترجمها كلمات شعره ، ويطرِّزها برموز الوطن ، من أمكنة وشخصيات ثائرة يقول :
هذا كيان من الحلم
أم إنَّ جدران “غيمان”
تنشقُّ عن وطنٍ آخر للنجوم
توق الشاعر وحلمه للخلاص بالوطن من واقعه البائس إلى عوالم المُثُلْ ” تشي برغبة الانتصار لقيم الحب والخير والجمال ، والأستاذ الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح أتقن الدخول إلى هذا المشتهى منح الوطن الكثير من الايقاع الرائع أعطاه القصيدة التي تفيض سخاءً جمالياً لا يمكن معه إلا أن نبقى أسرى هذا الرائع وهو يمتد من الوطن إلينا” ، وحلم الشاعر بوطنٍ بديل لم يقف عند هوى نفسه بل يتعداه إلى من حوله ممن يحبهم وتحديداً المرأة التي يقف إلى جانبها ويناهض كل من يحول وتقدمها ، ويعبر عن حلمها وتطلعها إلى مجتمع وعالم مغاير ، لهذا الواقع يقول:
” في أوَّل اللَّيل
ينهضُ شوقُ المدينةِ
مخترقاً صمتَ حيطانها العاليات،
ومثل ملاكٍ يحطُّ على الشُّرفات ،
ويمسح نارَ تجاعيدها
وإذا ما أطلَّ الصباحُ
توارى
تسرَّبَ من حائطٍ
قشَّرتهُ بأشواقهنَّ عيون الصَّبايا،
وأحلامُهَنَّ
إلى زمنٍ مورقٍ بالمحبِّة
لا رُعبَ فيه
ولا فقراء من الرَّوح
والكلمة الصافية”
الثنائية الضدية التي يشيرُ إليها المقطع السابق المتمثلة باللّيل والصباح يقول :
في أول الليل
ينهض سوق المدينة
إلى أن يقول : وإذا ما أطل الصباح
توارى
تسرَّبَ من حائط
قشَّرته بأشواقهن عيون الصبايا.
تشي بالحلم بالأمل بالتطلع إلى وطنٍ حالمٍ فالليل لن يطول والعتمة حتماً إلى زوال مهما طال زمنها ” ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر” ، الشاعر حين يضع الضدية والنقائض في السياق الشعري إنما يريد أن يذكِّر القارى إن الحياة مبنيةٌ على الثنائية الضدية : الليل والنهار ،الخير والشَّر، الشمس والقمر ، الذكر والأنثى ، الصيف والشتاء ، الربيع والخريف ، الجنة والنار ، السماء والأرض ،بذلك تستقيم الحياة ، لكن الخير في النهاية منتصرٌ لا محالة ، والصباح قادمٌ بإشراقه وجماله ومبدد للطغيان والعتمة والظلام ، وقد ربط الشاعر هذا الانبلاج بعيون الصبايا وهنَّ أرق وأجمل ما خلق الله لآدم من ضلعه وهي رمز الخصب ، وقد ربط ذلك بحلمهن للوصول إلى زمنٍ مورق بالمحبة ، لا رعب فيه ، وهو وطن القصيدة عند شاعرنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح ، الذي جعل من القصيدة رُسل محبة وجمال ، أي أنه أنسنها لتبحث عن وطن يضج بالسلم والأمن والاستقرار ، وجلي هنا … أن مدن العشق لا تعرف الحقد والضغينة والتعصب ، فالشاعر يرفض الحرب لأن تغليبها على الحبِ سيقود كل شيء إلى الزوال ، والمقالح والسياب يلتقيان في كونهما حاولا أن يقيما الحلم على أنقاض فضاء بين واقعين ، فالسيَّاب أحب قريته وعزعليه فراقها ، وكان هذا الشعور الصامت المكتنف بالحنين والأنين يلحُ عليه كثيراً ويدفعه إليها ، فيحلم بالرحيل وينزف وجدانه شوقاً إلى اللقاء ، ويرى أن الخروج من مسقط رأسه استبعاداً لحبه الكبير لبلده ، ويشعر بأنها تمضغ قلبه جبال نار تزرع في وطنه رماد الحقد ، فتقتل في أعماق روحه حبه الكبير ونشوة تلك الصورة التي تعلقت بها أنفاسه ، فالرمز بشقيه المكاني والبشري والأسطوري وظفهما المقالح في تشييد عمارة فردوسه الأرضي ألمنتظر فالأماكن عند المقالح مثل : يفرس، غيمان ، صنعاء ، مأرب ، ظفار، وغيرهن تعد أماكن للروح غدت من فرط تعلق الناس بها باحة لكل قلب يتوجه إليها ، فهي ملاذ للجميع يقرعون جفونها فتفتح ذراعيها لهم احتضاناً من غير أن تفرِّق بين كبيرهم وصغيرهم ، أو بين غنيهم وفقيرهم ، أو بين انتماءاتهم أو عقائدهم ، أومللهم ، وهذا الضرب من التعاطي هو الذي ينشده استاذنا الشاعر الكبير المقالح في وطن القصيدة المقالحية ، “إن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكاناً لا مبالياً ، ذا أبعادٍ هندسيةٍ وحسب . فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط، بل بكل ما في الخيال من تحيز. إننا ننجذب نحوه لأنه يكثف الوجود في حدود تتسم بالجمال ” ، إن الأماكن المقدسة في قصائد المقالح لا تقتصر على دور العبادة بل قداسة الأمكنة في شعره تعود للتاريخ المجيد الذي اكتنف الأمكنة في مراحل تاريخية من عمرها ، وكذلك جمالياتها وما تنضح به من عبق تاريخي أو فني، فصنعاء تعد مدرسة في القصيدة المقالحية ، ومأرب وغيرهن من الأمكنة ، وهذه الأمكنة ما هي إلا صورة واقعية مُجَسِّدة لوطن القصيدة عند المقالح ، هذا الوطن العابق بالحب والعدل والمساواة ، والشاعر يوظف الرموز المكانية والإنسانية في شعره لتحيل إلى استحضار أدوار هذه الرموز عبر تاريخ اليمن ، فصنعاء ” مدينة الروح” والتاريخ والفن :
صنعاء ، ليست بيوتاً ـ تقول العيون ـ
ولكنها أغنياتٌ معطَّرةُ الشرفات
تغني إذا ابتهجتْ
وتغني إذا اكتأبتْ
للغمام تبثُ طفولتها،
وتبثُ أساطيرها وتنام
وفوق سريرٍ من الكلماتِ القديمةِ
تهدي إلى الأرض :
” عن ساكني ” ، “ليت بيض الأماني”
” وصنعاء حوت كلَ فن ” .
إذن من خلال النص يتبين للمتلقي أن الأماكن ليست مساحة جغرافية على هذه البسيطة في قصيدة المقالح ، لكنها أماكن داخل النص المقالحي يُنظر إليها على أساس أنها وعاء يشمل مفردات المكان بما يحويه من جذور ، وهنا إشكالية الشاعر والشِّعر؛ إذ ثمّة تعامل روحاني وتاريخي وخيالي مع المكان ، ينفرد به الشاعر لا يشبه تعامل الآخرين ، فللمكان ثنائيات حميمة متعانقة متناحرة ومتآلفة متخالفة ، إنه الحب والفناء في الحب ، إنها الحياة وجمالياتها ، وعبر الاحتفاء البيني بالمكان بوصفه بنية ترميزية مهيمنة تلمحها منذ العتبة النصية تحيل بالضرورة إلى التمرد على الترسيم الجغرافي للمكان حين تطلق العنان للذات المنفلتة من أقفاص الأمكنة باجتياز الفواصل والحواجز بأجنحة اقتربت بالزمن اللذيذ ، بمعنى إنه يقوم بتشكيل مكان فني جمالي نفسي ، إنه المكان الحلم بمباهجه وكوابيسه المفزعة ، إن حب الأمكنة عند المقالح حبٌ قدَسيٌ يعيشه ويمتلئ به ، فكما يحب صنعاء وخصص لها ديواناً خاصاً يحب مأرب بشخوصها التاريخية :
لسليمان أن يتمنَّى
ويشتاقُ
للقلب في مأربٍ
أن يلوكَ مرارتهُ
ولبلقيسَ في عرشها
المتألِّق في ولهٍ
تنتقي من يواقيتها
ومواقيتها ما تشاءُ ،
لترفع عن كاهل الأرضِ
عبء الحروب .
ارتبط هاجس الوطن البديل عند الشاعر بالحرب والظلم والطغيان والجهل الذي لمسه وشاهده وعاشه المجتمع ، فَحَلُمَ بوطن بديل خالٍ من كل تلك العاهات الاجتماعية ، هذا الوطن المتخيل المخبوء في عمق القصيدة المقالحية مكان مقدس لدى الشاعر ، خاصة عند ما يكون المكان قد تعفَّر بدم الشهداء ألأحرار ، إذا يتحول المكان ـ هنا ـ إلى فضاء مقدس ، لأن التراب قد تخضب بدم الشهادة، فلامس القداسة والطهر … فهو معطر من دماء الشهداء الزكية ، إننا ندرك أن الحقيقة المجردة وحدها لم تكن قادرة على حمل هذه الظلال القدسية وبثها من خلال الكلمات . بيد أن اللغة المشخصة ـ كما أسماها ريتشاردز ـ تجعل ذلك ممكناً من خلال توزيع جديد للعناصر ، وتحويل عبقري في خصائص الأشياء والمعاني وكأننا نخلق المعاني الجديدة بخلق لغة جديدة ، فالفن قادر على تخصيب الكلمة لتبلغ نماءها في جعل المجتمع معتمداً على الإحاطة باختلاجات الوجدان الجماعي ” .
يتبع……

قد يعجبك ايضا