سؤال في قانون الغاب الدولي الجديد!
عبد العزيز البغدادي
رحيل القوات الأمريكية والأجنبية من العراق والمنطقة العربية وغرب آسيا عموماً مسألة لا يفترض أن تكون محل نقاش أو أن يعتبر القرار بإخراجها من المنطقة قصاصاً عادلاً للاغتيال الأمريكي الوقح للمجاهد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس فالعجيب هو أن يتحول موضوع القواعد العسكرية إلى موضوع نقاش حول شرعيته وعدم شرعية بقائها لأن وجودها قطعاً وبداهة غير شرعي ويكفي دليلاً على ذلك نص الفقرة (1) من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة (تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها ) ونص الفقرة (4) من ذات المادة التي تنص (يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ) ؛
وبناءً على هذا فإن إخراج هذه القوات حقٌ لكل دولة تتواجد فيها ولو لم ترتكب مثل هذه الجرائم التي ترتكبها لأن وجودها في هذه الدول يجعلها بلا سيادة لأن سيادة الدول أبرز دليل على وجودها, بل إن من حق الدول المجاورة التي يشكل وجودها خطر على أمنها مثل خطر القواعد العسكرية المنتشرة في الخليج على العراق وسوريا وإيران من حقها جميعا أو فرادى رفض هذه القواعد والعمل على إخراجها بكل الوسائل الدبلوماسية والقانونية والعسكرية إعمالا لمبدأ حق الدفاع عن النفس ، وليس من حق أي دولة عقد اتفاقات مع دول أخرى تسمح لها بإقامة قواعد عسكرية بحجة حمايتها فالدولة غير القادرة على حماية حدودها أو وجودها لا تمتلك مقومات البقاء كدولة, أما أن تستجلب دولا عظمى لحمايتها وتهديد جيرانها فهذا عمل غير مشروع .
فالدول كالأفراد الطبيعيين ملزمة باحترام حق الجوار وعدم تعريضه للخطر والأذى كما هو حال اليمن مع السعودية وما تعانيه منها وبسببها من ويلات وحروب منذ أوجدتها بريطانيا أوائل القرن العشرين .
ومن يتجاوز هذا الالتزام يفترض أنّ هناك وسائل دولية نص عليها ميثاق الأمم المتحدة لحماية الأمن والسلام الدوليين, أما التسابق على نشر القواعد العسكرية بحجة حماية المصالح فليس سوى شكل من أشكال القرصنة والبلطجة الدولية ضد الدول الأخرى بذريعة حماية المصالح, وإذا كان هناك مجتمع دولي حقيقي تستحق قراراته الاحترام فهو المجتمع الدولي الذي يسعى بصورة جادة وعاجلة وملحة لوضع حد لتصرفات الدول التي تنشر الإرهاب والرعب في العالم باسم حماية مصالحها وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تبيح لنفسها ارتكاب أبشع الجرائم وأقذر الحروب في اليمن والعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وفي فنزويلا وكوبا وأمريكا اللاتينية وقبلها في فيتنام وكوريا واليابان وكل أنحاء العالم بذريعة الدفاع عن المصالح, ومن يدقق في مفهوم هذه المصالح يجد أنها تعني سرقة مصالح وخيرات الشعوب والدول التي اعتدت وتعتدي عليها بكل صلافة بل وتصرح بذلك عياناً بياناً, وآخر وأوقح عملية قامت بها تحت هذا العنوان ضرباتها ضد الحشد الشعبي العراقي في منطقة القائم وعمليتها القذرة في اغتيال المجاهدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما الثمانية وكل الشواهد والوقائع تبرهن أن ذلك إنما هو انتقام لما حل بداعش وبقية الجماعات الإرهابية على أيدي الحشد الشعبي والمقاومة اللبنانية واليمنية والدور الإيراني الملموس في دعم المقاومة, ومعلوم أن الجماعات الإرهابية جميعها مصنَّعة أمريكياً ، ويمكن الرجوع إلى بعض تصريحات ترامب وهيلاري كلينتون وكونداليزا رايس في هذا الخصوص ؛
العمليات الأمريكية ضد المقاومة في العراق أعقبت زيارة رئيس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي للصين وتوقيعه جملة من الاتفاقات بقيمة مئات المليارات من الدولارات تمول بها الصين مشاريع تنموية عراقية بشروط ميسرة مصلحة العراق فيها واضحة وتستوفي الصين مقابلها من النفط العراقي على مدى سنوات؛
المثير للدهشة أن الاتفاق قد استفز ترامب الذي صرّح بأن نفط العراق ملك أمريكا مقابل تحريرها من الديكتاتورية التي ساهمت أمريكا نفسها في صناعتها وفي دعمها عن طريق وكلائها من حكام السعودية والخليج والأكثر مدعاة للحزن والسخرية أن هناك من أبناء جلدتنا ومن المحسوبين على الثقافة من يرى بل وينظِّر لكون كل صلف أمريكا يندرج ضمن تحركاتها المشروعة لحماية مصالحها!!.
سؤال لهؤلاء المنَظِّرين: في قانون الغاب الدولي الجديد:
صارت الجريمة مصلحة
وأصبحت ممارسة الحقُّ جريمة